لا يحتاج الفرد إلى اِرتداء أجهزة تنفس، لكن يبقى من الذكاء اِرتداء كمامة طبية أو لفِّ وشاحٍ نظيف حول الأنف والفم إذا كان الشخص متوجها لمكان مزدحم خلال فترة تفشي وباء COVID-19 المستجد، يقول طبيب الأمراض المعدية لمجلة live science.
قد تُوافق مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) قريبًا على هذا التقدير، حيث تقول الوكالة أن الأشخاص الأصحاء لا يحتاجون إلى اِرتداء الكمامات إلا إذا كانوا يعتنون بشخصٍ مصاب بالفيروس المستجد. لكن مسؤولاً فيدرالياً مجهولاً قال إن الوكالة قد تُغير هذه المبادئ التوجيهية مما قد يشجع الناس على تغطية وجوههم في الأماكن العامة حسبما ذكرت صحيفة واشنطن بوست الصادرة بتاريخ 30 مارس السابق.
يقول الدكتور أوتو يانغ أستاذ في قسم الطب وقسم الأحياء الدقيقة والمناعة وعلم الوراثة الجزيئي في كلية ديفيد جيفن للطب في جامعة كاليفورنيا؛ أنَّه ومع ذلك لا يحتاج الجمهور إلى اِرتداء أقنعة الوجه معظم الوقت. يواصل يانغ بالقول:
«إذا كنت في نزهة كأن تذهب مثلا إلى مكان حيث يمكنك أن تكون على الأقل بعيدا بـ 6 أقدام (1.8 متر) من الأشخاص الآخرين، أعتقد أن عدم اِرتداء قناع للوجه أو كمامة يعتبر شيئًا طبيعيًا ويناسب توصيات مراكز مكافحة الأمراض».
ولكن في رأيه إذا توجب عليك أن تكون في مكان مزدحم، ربما على متن طائرة أو تنتظر في طابور المطار، فقد يكون من المنطقي اِرتداء كمامة أو قناع للوجه.
النقاش حول الكمامات الطبية أصبح موضوع الساعة مما دفع بالكثير من الناس إلى اِقتنائها لحماية أنفسهم، لكن خبراء الرعاية الصحية حثوا على عدم الإدخار المبالغ فيه، لشدة وكثرة الطلب على هذه الإمدادات في المستشفيات، وحتى الجراح العام الأمريكي غرَّد على تويتر:
«جديَّا – توقفوا عن شراء الكمامات !»
أضاف يانغ: «إن مراكز مكافحة الأمراض تكيل بمكيالين، فتارةً تُعلِم عامة الناس أنهم ليسو بحاجة إلى أي كمامات، وعليهم نسيانها، وتارةً أخرى تقول أن عُمال الرعاية الصحية بحاجة إلى اِرتداء أجهزة التنفس N95.
هل هذا معيار مزدوج؟ هل يقدرون بعض الناس أكثر من الآخرين؟
قطرات أم رذاذ؟
يوجد نوع من الاِلتباس حول الكمامات الطبية وأجهزة التنفس N95، لأننا لا نعرف سوى القليل حول COVID-19.
في البداية، لم يكن واضحًا ما إذا كان الفيروس ينتشر في الغالب عبر قطرات التنفس (مثل الأنفلونزا) أو من خلال ضباب ناعم يسمى “الرذاذ الجوي“، والذي يمكن أن يبقى في الجو لساعات (مثل الحصبة).
عدم الجزم في هذا الموضوع جعل الأمر غير واضحٍ حول ما إذا كان القناع الثقيل المعروف باسم جهاز التنفس N95 والذي يمنع أصغر جزيئات الفيروس من التسلل ضروري، أو أن الكمامة الجراحية العادية التي تمنع قطرات أكبر فقط أكثرُ ملاءمةً للحماية من الفيروس.
نَصحت مراكز مكافحة الأمراض في البداية العاملين في مجال الرعاية الصحية باِرتداء أجهزة التنفس N95 لأنه لم يكن من الواضح ما إذا كان COVID-19 ينتشر عن طريق الرذاذ الجوي، بعد ذاك أُجريت دراسة في 17 مارس السابق في مجلة نيو إنجلاند الطبية (NEJM) بررت الخوف من الاِنتشار الهوائي مشيرة إلى أن الفيروس المستجد SARS-CoV-2 يمكن أن يبقى في الهواء لمدة تصل إلى 3 ساعات كرَذاذ.
لا يرى الدكتور يانغ الأمر بهذه الطريقة، فقد قال أن الدراسة الجديدة أظهرت قدرة الفيروس على العيش لمدة طويلة كرذاذ في المختبر وليس في الحياة الحقيقية. وأضاف أن الباحثين أخذوا فيروسًا أشدَّ تركيزًا بكثير مما يمكن لشخص عادي توليدَه، واِستخدموا آلة رَذاذ اصطناعي (البخاخات) والتي تولد رذاذا جويا أكثر مما يولده الشخص العادي، لذا كانت اِستنتاجاتهم لا تتعدى هذا الجو والنظام.
قارن باحثو تلك الدراسة بين SARS – CoV – 1 (الفيروس الأصلي المتفشي عام 2003) وSARS – CoV – 2 ووجدوا أن كلاهما يمكن أن يكون رذاذًا جويًا، وعقَّب الدكتور يانغ قائلا أننا نعلم بالفعل أن الفيروس الأصلي لم ينتقل بتلك الطريقة بين الأفراد، مما يجعل نموذجهم غير قابل للتصديق.
واصل يانغ قائلا: «بعبارة أخرى، وباِستثناء حالات معينة في المستشفى مثل تنظير القصبات الهوائية –bronchoscopy– الذي يخلق بشكلٍ أساسي رذاذًا خفيفًا للفيروس، من المحتمل أن الفيروس ينتشر عبر قطرات مثل الأنفلونزا فقط.»
دٌعم هذا الرأي بتقريرٍ صدر في24 فبراير في مجلة الجمعية الطبية الكندية، والذي يتعلق بحالة تخصُّ رجلًا مصابًا بـ COVID-19 كان في رحلة من الصين إلى كندا في جانفي، لم يُصب زملاؤه الرُّكاب على الرغم من أنه كان يعاني من سُعال جاف أثناء رحلة دامت 15 ساعة.
ووجد الباحثون في دراسة الحالة أن الرجل كان يرتدي كمامة وجه، ولكن بسبب عدم إصابة أي شخص آخر على متن الطائرة، فإن هذه الحالة تدعم اِنتقال الفيروس عن طريق القطرات وليس الرذاذ. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الفيروس يمكن أن ينتشر عبر الرذاذ الجوي.
على سبيل المثال، بعد أن اِجتمعت كورالي “سكاجيت فالي” في واشنطن للتدرب في 6 مارس الفارط، 45 من أعضائه تم تشخيصهم أو ظهرت عليهم أعراض COVID-19، وتم نقل ثلاثة على الأقل إلى المستشفى وتوفي اِثنان في غضون ثلاثة أسابيع وِفقًا لصحيفة لوس أنجلوس تايمز.
قال جيمي لويد سميث باحث مختص في الأمراض المعدية في جامعة كاليفورنيا -لوس أنجلوس- وباحث مشارك في دراسة NEJM لنفس الصحيفة :
«ربما يكون التنفس القوي لمغني الجوقة أثناء أدائهم ساعد على نشر الجسيمات الفيروسية. ويُمكن للمرء أن يتصور أن محاولة رفع وإظهار الصوت تساعد على نشر المزيد من القطرات والرذاذ الناقل للفيروس.»
أجهزة التنفس N95 أم الكمامات الطبية؟
نظرًا لنقص أجهزة التنفس N95، خففت مراكز «مكافحة الأمراض والوقاية منها» مؤخرًا إرشاداتها قائلة أن الكمامات العادية تعتبر بديلا مقبولا للعاملين في مجال الرعاية الصحية في حالِ عجزِ إدارة الموردات عن تلبية الطلب، ماعدا الحالات التي يتم فيها إنتاج الرذاذ الجوي التنفسي، مثل التنبيب –intubation– أو علاجات البخاخات –nebulizer treatments– .
إضافة إلى العجز والنقص في الكمية، يُعد اِرتداء أجهزة التنفس N95 تحديًا حقيقيا، حيث يتلقى الأطباء تدريبًا سنويًا على كيفية تثبيت جهاز التنفس حول الوجه، فيضع الأطباء أقنعتهم ويقومون برش السَّكارين المُصنَّع والمُحلّى.
«إذا كنت ترتدي الجهاز بشكل صحيح، فلن تتذوق أي سَّكارين» يشرح الدكتور يانغ مشيرا إلى أن معظم الناس يفعلون ذلك بسبب التثبيت الخاطئ للجهاز.
لهذا السبب، لا يُنصح بجهاز التنفس الصناعي N95، لأنه يتطلب تدريبا خاصا لوضعه بشكل صحيح. علاوة على ذلك، جهاز التنفس N95 سميك لذا يصعب التنفس من خلاله.
باِختصار، لا يحتاج العامة من الناس إلى أجهزة التنفس N95؛ وقال يانغ إنهم على الأرجح لن يكونوا في حالة هم عرضة فيها لاِستنشاق رَذاذ الفيروس على عكس العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين هم بحاجة لهذه الأجهزة. ويضيف الدكتور أنه ما من حاجة لاِرتداء العامة لأقنعة N95 .
ومع ذلك، فحتى الكمامات العادية قليلة مما دفع بمراكز مكافحة الأمراض إلى التوصية باِستخدام عصابات الرأس والأوشحة عند الضرورة.
لا يوجد الكثير من الأبحاث حول الكمامات محلية الصنع، ولكن دراسة صغيرة تمَّت عام 2013 أكدت أن الكمامات المصنوعة من القمصان القطنية فعالة، على الرغم من أنها ليست جيدة مثل الكمامات الجراحية.
ووجد الباحثون في تلك الدراسة أن الكمامة الجراحية أكثر فعالية بثلاث مرات في منع اِنتقال «الكائنات الحية الدقيقة» من الكمامات محلية الصنع، حيث أشاروا إلى اِعتبارها ملاذًا أخيرًا لمنع اِنتقال القطرات من الأفراد المصابين.
بالنسبة للأشخاص الذين يفضلون اِستخدام الأوشحة والكمامات محلية الصنع، أوصى يانغ بغسلها بعد كل اِستخدام، والتوقف عن اِرتدائها عندما تصبح رطبة من التنفس. وأضاف يانغ والدكتور جيمس شيري أستاذ الأمراض المعدية للأطفال في كلية ديفيد جيفن للطب بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس أن اِرتداء واقي للعين مثل واقي الوجه، أو النظارات الواقية يمكن أن يُجنبك التعرض للفيروس.
وفي دراسة تعود لسنة 1987 أجراها شيري مع زملاء له، كان عمال الرعاية الصحية الذين يرتدون الكمامات الطبية أو نظارات واقية أقلَّ عرضةً للإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي (RSV) من الأطفال في المستشفى، مقارنة بالأطباء الذين لم يتخذوا هذه الإجراءات.
مع ذلك وعلى عكس يانغ، وافق شيري على المبادئ التوجيهية الحالية لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، وقال أنه على غرار بعض الاِستثناءات، لا يحتاج العامة من الناس اِرتداء الكمامات الطبية.
وقال الدكتور جيمي ماير اِختصاصي الأمراض المعدية في Yale Medicine بأن ذلك صحيح بشكل خاص نظرًا لأن الطريقة الأكثر أمانًا لتجنب التعرض أو تعريض الآخرين للعدوى هي البقاء في المنزل بكل بساطة.
وأضاف ماير لـمجلة Live Science أن:
«إرشادات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها الحالية تقول أن عامة الناس ليسوا بحاجة إلى اِرتداء كمامات جراحية، وأن أفضل حماية هي الحرص على الاِبتعاد والعَزل الاجتماعي، غسل اليدين، وعدم لمس الوجه مع تنظيف الأسطح كثيرة اللمس باستمرار.»
إعداد: عده مسفاك
تدقيق لغوي: أنس شيخ
تصميم: رامي نزلي