هل نعيش نعيش في عالم افتراضي؟
ما الفرق بين العالم الحقيقي والعالم الإفتراضي؟
هل هناك أدلة علمية تجريبية تشير إلى أنّ عالمنا إفتراضي؟
هذا ما تطرحه « فرضية المحاكاة – Simulation hypothesis »، حيث تقترح أنّ كل الوقائع وعالمنا، بما في ذلك الأرض والكون، في الحقيقة محاكاة متطورة، ويحسب سكانها -أي نحن- أنّ هذه المحاكاة هي الحقيقة.
أصول الفرضية:
للفرضية تاريخ قديم، حيث اعتقدت بعض الثقافات والفلسفات أن الواقع عبارة عن وهم، بدءًا ب«أفلاطون» وفلسفته المثالية حيث افترض بأنّ بناء كل شيء ليس الذرات بل هي عمليات عقلية وأفكار مجردة وكل ما نراه في هذا العالم إنّما هو صورة مشوهة عن الحقيقة المثالية الكامنة، والوعي هو الأساس ويؤثر على جميع العمليات الفيزيائية، كل شيء يبدأ بالإدراك، فعقلك هو الذي يولد لك الإحساس المادي.
والحكيم الصيني «جوانغ زي» وقصته الشهيرة «حلم الفراشة» حيث يقول: «رأيت أنا جوانج زي مرة في منامي أني فراشة ترفرف بجناحيها في هذا المكان وذاك، أني فراشة حقاً من جميع الوجوه، ولم أكن أدرك شيئاً أكثر من تتبعي لخيالاتي التي تشعرني بأني فراشة. أما ذاتيتي الإنسانية فلم أكن أدركها قط، ثم استيقظت على حين غفلة وهأنذا منطرح على الأرض رجلاً كما كنت، ولست أعرف الآن هل كنت في ذلك الوقت رجلاً يحلم بأنه فراشة، أو أنني الآن فراشة تحلم بأنها رجل”».
بالإضافة إلى الفلسفات الهندية وفلسفات حضارة المايا والكثير من الثقافات الأخرى عبر التاريخ.
البرهان الفلسفي:
بروفيسور الفلسفة «نيك بوستروم Nick Bostrom -»، من جامعة أكسفورد، يدرس ويبحث عن ما إذا كنا داخل محاكاة حاسوبية، حيث يقول:” يتنبأ خبراء التكنولوجيا والمختصين في الدراسات المستقبلية والكثير من أعمال الخيال العلمي بأنّ كميات هائلة من القدرة الحاسوبية ستكون بحوزتنا في المستقبل، فلنفترض للحظة أنّ هذه التوقعات صحيحة، عندها يمكن أن تقوم الأجيال القادمة بواسطة هذه الحواسيب فائقة القوة بمحاكاة دقيقة لأسلافهم أو لأشخاص يشبهون أسلافهم، لأنّ حواسيبهم ستستطيع القيام بالعديد من العمليات المحاكاتية ضخمة.”
يقول بوستروم أيضا:” فلنفترض أنّ الأشخاص الذين تجرى عليهم المحاكاة لديهم وعي -لو كانت المحاكاة جيدة بما فيه الكفاية- ، يمكن أن تكون الغالبية العظمى من العقول -مثل عقولنا- لا تنتمي إلى الجنس الأصلي، أي عقول ستكون محاكاة وليست عقول بيولوجية، تمت محاكاتها بواسطة سلالتهم المتقدمة من الجنس الأصلي”.
ومن هنا اقترح «بوستروم» معضلة فلسفية ثلاثية، يطلق عليها «برهان المحاكاة»، حيث تبرهن المعضلة اعتمادا على كسور حسابية رياضية على أنّ إحدى الإفتراضات الثلاثة غير مستبعد أن تكون صحيحة تماما:
الفرضية 1: حضارت على المستوى البشري ستصل لمرحلة ما بعد الإنسان(1) (Posthuman)، وقادرة على تشغيل محاكاة لأسلافها عالية الدقة، وكسرها قريب جدا للصفر (أي مستبعد جدا)، إذن من المرجح أنّ الجنس البشري سينقرض قبل مرحلة «ما بعد الإنسان» .
الفرضية 2: حضارات في مرحلة «ما بعد الإنسان» ، تقوم بعدد كبير من العمليات المحاكاتية لدراسة تاريخها التطوري، أو هناك على الأقل أفراد من هذه الحضارات مهتمين بتشغيل محاكاة لأسلافهم ، وكسرها كذلك قريب جدا للصفر، بسبب القوة الحاسوبية الهائلة لدى حضارات «ما بعد الإنسان»، وعلى نطاق واسع جدا.
الفرضية 3: أنّنا بالفعل نعيش الآن وكل الناس بمختلف تجاربهم في محاكاة حاسوبية، وكسرها قريب جدا للواحد (أي مرجح جدا).
لذلك ما لم نعتقد أنّنا نعيش في محاكاة حاسوبية، فلا يحق لنا أن نعتقد أنه سيكون لنا أحفاد سيشغلون محاكاة لأسلافهم.
الأدلة العلمية التي تشير إلى المحاكاة:
1- الإنفجار العظيم – The big bang:
قام البروفيسور «بريان وايت وورث- Brian Whitworth» بدراسات علمية حول المحاكاة، ووجد أنّ النتائج تبدوا أكثر منطقية إذا نظرنا للكون كبيئة وهمية.
الإنفجار العظيم هو الذي ولد الزمكان، لكن كيف بدأ من اللاشيء؟
من منظور المحاكاة سيكون هذا منطقيا تماما، فالعوالم الوهمية دائما ما يبدأ التدفق المعلوماتي فيها من اللاشيء، مثلا في كل مرة تبدأ فيها لعبة فيديو يكون هناك انفجار عظيم بالنسبة للشخصيات التي بداخلها، وهذا يتطابق مع كوننا الذي خرج من اللاشيء منذ 14 مليار سنة.
2- برمجة الكون – Programming:
اكتشف الفيزيائي «جيمس جايتس- James Gates»، من جامعة ميرلاند، شيفرات عميقة لتصحيح الأخطاء في «التناظر الفائق- supersymmetry»(2).
حيث يقول «جايتس»، أنّنا كلما تعمقنا أكثر نجد شيفرة برمجية مكتوبة في نسيج الكون في المعادلات التي نقوم بواسطتها بوصفه، وهي عبارة عن بتات كمومية(3) مكونة من أصفار وأحاد، وهي ليس مجرد شيء شبيه بالشيفرة الحاسوبية، بل هي نوع خاص من الشيفرات الحاسوبية البتية التي اخترعت من قبل عالم الرياضيات «كلود شينون- Claude Shannon».
3- التشابك الكمي واللامركزية – Quantum entanglement and Nolocality :
هي ظاهرة كَمّية ترتبط فيها الجسيمات الكميّة (مثل الفوتونات والإلكترونات والجزيئات) ببعضها، رغم وجود مسافات كبيرة تفصل بينها، أي أنّ مراقبة أو مفاعلة واحد من الجسيمات المترابطة سيؤثر آنيا على الآخر حتى لو كان في أقصى الكون.
واختبر الفيزيائي الفرنسي «أليان أسبكت – Alain Aspect» هذه النظرية، وجاءت النتائج مؤكدة لمبدأ اللامركزية كخاصية للطبيعة.
وهذا يتوافق تماما مع فرضية المحاكاة، لأن في العالم الإفتراضي المسافات وهمية، حيث كل النقاط متساوية المسافة مع المصدر، فمثلا في ألعاب الفيديو، كل النقاط التي موجودة على الشاشة التي تبدو متباعدة فيما بينها هي في الحقيقة على مسافة واحدة من «المعالج- Processor» .
4- تجربة الإختيار المتأخر- Delayed choice :
واحدة من سلسلة تجارب الشق المزدوج(4)، التي اقترحها الفيزيائي الأمريكي «جون ويلر- John Wheeler»، حيث أثبتت التجربة أنّ حضور مراقب يؤثر على سلوك الجسيمات (سلوك جسيم أو موجة) وهذا السلوك متعالي على المنطق الزمني.
الضوء الذي يأتينا من خلال المجرات، انطلق من مصدره منذ مليارت من السنين، حين تلقطها أعين المراقب تسلك سلوك جسيم وعندما لا تتم مراقبتها تسلك سلوك موجة، وهذا محير فكيف للفوتونات التي انطلقت منذ مليارات السنين ان تغير سلوكها آنيا بمجرد أن تتم مراقبتها ؟
هذا لا يبدو منطقيا تماما من المنظور المادي للكون، لكنه منطقي لو أنّ كوننا عبارة عن محاكاة، ففي عالم المحاكاة كل نقاط الزمكان متساوية المسافة بالنسبة للمصدر مثل الحلم (كل الأماكن الشاسعة والأزمنة التي تحلم بها موجودة في عقلك).
5- توحد الواقع الكلي والواقع الكمي Unite of Macroreality and quantum reality:
في عام 2011 قام فريق من العلماء، بقيادة «جورج ني- George Knee» و«ستيفاني سيمون- Stephanie Simmons» باختبارات تجريبية أثبثت أنّ الواقع الكلي ينبثق من الواقع الكمي، ولا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض، فالواقع يطبق نفس القواعد على جميع المستويات وينعكس من نفس المصدر.
وتم أيضا في تجارب أخرى تطبيق تجربة الشق المزدوج على جيسمات أكبر مثل الذرات والجزيئات وحتى بوكميستر (مركب كروي يتكون من 60 ذرة كربون)، ويتطلع العلماء الآن للقيام بالتجربة بمركبات ذات حجم متوسط كالبروتينات والفيروسات.
كما تم أيضا تحقيق التشابك اللامركزي لقطع صغيرة من الألماس وشرائح من الألمنيوم.
وبهذا تم تم دحض نظرية «Macrorealism» التي اقترحها العالمان «ليجيت» و«غارج»، التي تدعي أنّ هناك حدود لتأثيرات فيزياء الكم.
6- مبدأ الهولوغرافيا – Holographic principle:
ببساطة هو فكرة أنّ كوننا ثلاثي الأبعاد ينعكس من بيانات ثنائية الأبعاد، بحيث تكون الصور الثلاثية الأبعاد التي نشاهدها الآن هي مجرد إسقاط مضخم جداً عن تلك المعلومات وهو ذو طاقة شديدة الانخفاض بالمقارنة معها.
يقول البروفيسور «ليونارد سوسكاند-Leonard Suskind» :” نظرية الهولوغرافيا، هي أكثر نظرية ثورية في فهمنا للفضاء والوقت والمادة، منذ اكتشاف النسبية وفيزياء الكم”.
أقوال العلماء حول الكون الإفتراضي
ماكس بلانك:”أعتقد أنّ الوعي هو الأساس، وأعتقد أنّ المادة نتاج هذا الوعي” ويقول أيضا :”كإنسان كرس حياته كلها للعلم، ودراسة المادة، أستطيع أن أقول لكم أنّه لا مادة كما نعتقد، فلا توجد قوة تجبر الذرات على الإهتزاز والتماسك كما تفعل بالنظام الشمسي، إنّما القوة هي العقل الواعي والذكاء، فالعقل هو مصفوفة-MATRIX كل مادة”.
نيلز بور:” كل شيء نسميه حقيقي، ينتج من أشياء لا نستطيع أن نعتبرها حقيقية”.
يقول تيغمارك في كتابه «عالمنا الرياضي» :” إذا كانت هناك شخصية في لعبة فيديو أو محاكاة، ستبدأ باكتشاف محيطها، سيكون الإحساس بالمادة حقيقي بالنسبة لها، وستجد المعادلات التي تصف خصائص هذه المادة وكيفية تفاعلها، و في النهاية ستكتشف الخصائص الرياضية التي قام المبرمج بوضها”.
- (1) ما بعد الإنسان- Posthuman :أو ما بعد البشر هو مفهوم نشأ في مجالات الخيال العلمي ، علم المستقبل ، الفن المعاصر ، والفلسفة ، يعني حرفيا أي شخص أو كيان موجود في وضع غير كونه إنسان. يتناول هذا المفهوم مسائل الأخلاق والعدالة واللغة والتواصل عبر الأنواع والأنظمة الاجتماعية والتطلعات الفكرية للتعددية التخصصات.
- (2) التناظر الفائق- supersymmetry: هو عبارة عن تناظر فيزيائي يقوم بالربط بين نوعين أساسيين من الجسيمات الأولية.
- (3) البت الكمومي:في الحوسبة الكمومية، هي وحدة المعلومات الكمية، وهو المقابل الكمومي للبِت الكلاسيكي. الكيوبت هو نظام كمي ثنائي الحالة مثل استقطاب الفوتون.
- (4) تجربة الشق المزدوج : هي إحدى أهم التجارب الفيزيائية التي أسهمت في البحث في طبيعة الضوء وإثبات طبيعته الموجية، ثم استخدمت في اثبات وجود خاصية موجية لجميع الجسيمات مثل الإلكترونات وغيرها. تعتمد التجربة على انعراج الضوء عند شقين رفيعين في حاجز مانع للضوء، حيث يقوم الانعراج بتحويل كلا الشقين إلى منبعين ضوئيين متشابهين مترافقين، وينتج عنها عند استقبال الضوء على حاجز أمامهما أنماط تداخل تتميز بأهداب ضوئية شديدة الإنارة وأهداب عاتمة، وهذا ما يشابه ظاهرتي التداخل البناء والتداخل الهدام في الأمواج. تم الحصول أيضا على نتائج مشابهة عند استبدال الحزم الضوئية (حزم الفوتونات) بحزم إلكترونية مما كان أحد اثباتات مثنوية الموجة-جسيم.
تدقيق لغوي: زين العابدين لطرش
المصدر: هنا، هنا أيضا ،هنا أيضا، هنا أيضا ، هنا أيضا ، هنا أيضا، هنا أيضا، هنا أيضا