عام 1913، كان هناك 4000 قتيل بسبب حوادث المرور في الولايات المتّحدة الأمريكية، كانت شوارع المدن مزدحمة بالسّيارات، والعربات التي تجرّها الخيول، وراكبي الدّراجات الهوائية، وعربات الترولي-trolleys والمشاة، وكلهم يؤمنون بأنهم يملكون الحق في المرور أولاً ! جيمس هوج (James Hoge) مهندس من كليفلاند وجد حلاً لهذه الفوضى. بإستعارة الإشارتين الحمراء والخضراء اللّتين لطالما استُخدِمتا في خطوط السكك الحديدية، وبالإستفادة من الكهرباء التي تمر عبر خطوط الترولي، أنشأ هوج أول ”نظام للتحكم في حركة المرور”.
ببراءة إختراع سُجِلتْ منذ 100 عام ، كان اختراع هوج هو الذي نظّم وشكّل المدن الأمريكية والحياة اليومية منذ ذلك الحين، – إشارات المرور الضوئية.
الصورة الأولى التي ظهر فيها ”ضوء هوج”، كانت في شارع إقليدس بكليفلاند في عام 1914 (قبل إصدار براءة الاختراع). كان السائقون حينها يرون مصباحين معلقين بإقترابهم من التّقاطع، يتحكّم في الإشارتين شرطي يجلس في كشك على الرصيف بواسطة مفتاح تبديل.
طور اختراع ”هوج” الكثيرون من بعده، إلى أن قام العديد من المخترعين بتحسين التصميم إلى ذلك الذي يتحكم في حركة المرور ويرفع ضغط دمنا اليوم. جدير بالذكر أن الشكر على إضافة الضوء الأصفر ( البرتقالي ) يعود لـ ”ويليام بوتس”، وهو ضابط شرطة في ديترويت كان قد درس الهندسة الكهربائية، ولكن كونه موظفا في البلدية لم يتمكن من تسجيل براءة اختراعه.
بحلول عام 1930، كانت جميع المدن الأمريكية الكبرى والعديد من البلدات الصغيرة تحتوي على إشارة مرور ضوئية واحدة على الأقل، وكان الابتكار ينتشر في جميع أنحاء العالم. الجهاز بسيط وقادر على ترويض حركة الشوارع، كنتيجة منطقية انخفضت معدلات إماتة السيارات في الولايات المتحدة بأكثر من 50 في المائة بين عامي 1914 و 1930. و لما أصبحت التكنولوجيا رمزا للتّقدم أصبح من المحرج أن تعيش فـي ”مدينة بإشارة ضوئية واحدة فقط”.
حَظْيَ هذا النظام الضوئي على بعض من التعوُّد والتّلقين، فمثلاً عام 1919، ابتكر مدرس من كليفلاند لعبة لتعليم الأطفال كيفية التعرف على إشارات المرور، واليوم ، ما زال الأطفال يلعبون إصداراً منها. في غضون بضعة عقود، تم دمج رمز الإشارة الضوئية في الألعاب التّرفيهية الخاصة بالأطفال.
تأصّلت فكرة الإشارات اللونية للغاية، لدرجة أنها أصبحت تحكم جميع أنواع السلوكيات خارج ميدان القيادة. على غرار إِنْتَاج طبيب للأطفال برنامج ” ضوء أحمر، ضوء أخضر، كُل بشكل صحيح” لتعزيز الأكل الصحي. تَبَنِّي برامج الوقاية من الإعتداء الجنسي لغة إشارات المرور لإعطاء الموافقة. اقتراح شركة Booz Allen الإستشارية في عام 2002 أن تقوم الشركات بتقييم مدرائها التنفيذيين كقادة أزمة (”الضوء الأحمر”)، أو قادة ذوي رؤية (”الضوء الأخضر”) أو قادة تحليليين (”الضوء الأصفر”). بالإمكان حتى العثور على الإشارات الملونة في ملعب كرة القدم: يصدر الحكم أولاً بطاقة تحذير صفراء قبل إخراج البطاقة الحمراء.
في غضونِ قرن من الزمن، انتشرت إشارات المرور الضوئية بشكل كبير، فهناك منها اليوم حوالي مليونين في الولايات المتحدة فقط. لكن يبدو أن مستقبلها ليس مشرقًا. فالمركبات آلية السياقة مهيأة لِتُغَيِر ليس فقط في كيفية إنتقالنا من مكان إلى آخر ولكن أيضًا من محيطنا! يقوم الباحثون بالفعل بتصميم ”تقاطعات مستقلة-autonomous intersections” أين ستمارس السيارات الذكية فن التواصل غير اللفْظي من أجل تحسين تدفق حركة المرور، كما فعل السائقون أنفسهم في الماضي. مما يُرَجِح أن تبدأ الإشارات الضوئية بالاختفاء من المدن بشكل طبيعي، و سيصبح رمز التقدم و الحداثة الجديد هو أن تعيش في ” مدينة بدون إشارات ضوئية”.
تدقيق لُغوي: بن طبة فاطمة الزهراء.
المصدر: هنا.