على مر العصور، سعى الإنسان إلى فهم الكون المدهش الذي يعيش فيه، حيث كانت البداية هي اللغة التي كتب بها الكون، إنها الرياضيات. في هذا المقال، سنقدم لكم إحدى أهم الظواهر التي توصل الإنسان إلى فهمها في هذا الكون، من خلال أعظم عشر معادلات رياضيات على مر التاريخ.
لن نتطرق هنا لأعظم المعادلات من المنظور الرياضي (لذلك لن نجد معادلات حساب اللوغاريتم و الإشتقاق مثلا، رغم أهميتها البالغة)، كما أننا لن نعتمد على شهرة المعادلات فقط، بل سنعتمد على دورها في توجيه دفة التاريخ البشري، و كذا عمقها و دقتها.
1. القانون الثاني لنيوتن (Newton’s second law):
في كتابه الشهير الذي نشره سنة 1687، قدم الأيقونة البريطانية، العالم الكبير إسحاق نيوتن (1642-1726) للبشرية القوانين التي تحكم أي حركة في هذا الكون، بالإضافة إلى قانون الجذب العام. لكن أبرز هذه القوانين على الإطلاق هو القانون الثاني الذي يُمَكِّنُنَا من وصف حركة الأجسام المتحركة بكل دقة بدلالة الزمن، و الذي ظل على مدار أكثر من ثلاثة قرون و حتى يومنا هذا، حجر الأساس في علم الميكانيك، والذي بفضله وُجِدت كل آلة ميكانيكية، من الساعات و السيارات، إلى الطائرات و الأقمار الصناعية.
2. نظرية فيثاغورس (Pythagorean Theorem):
رغم تسميتها باسم العالم و الفيلسوف اليوناني فيثاغورس (570 – 495 قبل الميلاد)، إلى أنه يُعتقد أنها كانت معروفة ألف سنة قبل هذا عند البابليين. هذه النظرية تربط أطوال الأضلاع الثلاثة للمثلث القائم، و تعتبر حجر الأساس للهندسة المستوية (الهندسة الإقليدية) و الحساب المثلثي. نفهم من هذا الكلام أنه لولا هذه المعادلة، لم يكن ليصبح مسح الأراضي، رسم الخرائط و لا حتى الإبحار ممكنا طِوال تلك القرون.
3. معادلات ماكسويل (Maxwell’s Equations):
بلا شك، جايمس كلارك ماكسويل، الفيزيائي الأسكتلندي (1831-1879)، هو أحد عباقرة الفيزياء على مر التاريخ. معادلاته الأربع جاءت لتتوج مجهود علماء لامعين سبقوه من أمثال أمبير و فاراداي في مجال الكهرومغناطيسية. تصف معادلات ماكسويل العلاقة بين الحقل الكهربائي و الحقل المغناطيسي، و بذلك تكون هي الأساس لعلم الكهرومغناطيسية الكلاسيكية، حيث أدت فيما بعد إلى فهم أفضل للأمواج الكهرومغناطيسية، و بالتالي الضوء. فعلا، لقد جسدت هذه المعادلات ذروة الفيزياء في الحقبة الكلاسيكية. بدون هذه المعادلات، لم تكن حياتنا لتكون كما هي عليه اليوم: لا رادارات، لا تليفزيون ولا شبكات إتصال…
4. القانون الثاني للديناميكيا الحرارية (The Second Law of Thermodynamics):
إنه القانون الذي ينص على أن الحرارة تنتقل من الجسم الساخن للبارد و ليس العكس، إنه القانون الذي ينص على أن إنفجار مبنى سيحوله إلى أنقاض، لكن حدوث العكس، أي أن تتحول الأنقاض بسبب إنفجار إلى مبنى أمر مستحيل عمليا. ينص القانون على أن الأنتروبي في أي نظام مغلق لابد فقط أن تزداد مع مرور الزمن. على المستوى المجهري، هذا يعني أن الفوضى في هذا النظام لابد أن تزداد! يعود القانون تاريخيا إلى الفيزيائي الفرنسي كارنو سادي (1796-1832) و الألماني رودولف كلاوسيوس (1822-1888)، و لهذا القانون أهمية بالغة، ليس في فهم معرفة حدود الآلات الحرارية فحسب، بل إنه يستعمل أينما تحدثنا عن الطاقة. ومن يدري، قد يكون له دور في الإجابة على أحد أصعب الأسئلة التي تواجهنا اليوم: لماذا يسير الزمن فقط إلى الأمام؟
5. معادلات أينشتاين للنسبية العامة (Einstein Equations):
سنة 1915، قام أعظم رجل في القرن العشرين حسب مجلة التايم العريقة، الألماني ألبرت أينشتاين (1879-1955)، بنشر أيقونته هذه: إنها المعادلة التي تلخص نظرية النسبية العامة. حيث لا يختلف الفيزيائيون على أن هذه الأخيرة هي إحدى ركيزتي الفيزياء النظرية الحديثة بجانب ميكانيكا الكم. تشرح لنا النظرية النسبية كيف يتم تحديد مقدار إنحناء الزمكان (الزمان-مكان) في الكون، كما تنص على أن جميع أشكال الطاقة في هذا الكون، و التي نرمز لها ب T في الطرف الأيمن من المعادلة، هي من تحدد مقدار إنحناء و كل هندسة الزمكان، ممثلة في R بالطرف الأيسر. هذه المعادلات، رفقة المعادلة: E=mc2 التي هي أحد نتائج النسبية الخاصة (1905)، تؤكد فعلا علو كعب و عبقرية أينشتاين. يكفي القول أنه لولا هذه المعادلات لم نكن لنرى لا قنابل نووية، لا أجهزة جي بي أس، ولا أن نصل لفهمنا الحالي عن الكون، من دورة حياة النجوم وصولا إلى المفاهيم الأكثر غرابة كالثقب الأسود و الثقب الدودي وحتى الإنفجار العظيم.
6. معادلة شرودينغر (Schrödinger Equation):
هي المعادلة الأبرز في أنجح و أغرب نظرية جاء بها الإنسان على الإطلاق، إنها نظرية الكم أو الكوانتا. النظرية التي تحكم العالم المجهري من ذرات، جزيئات، إلكترونات..، على عكس نظرية النسبية العامة التي تصف الكون على المستوى الكبير جدا. نُشِرت هذه المعادلة سنة 1926، من طرف الفيزيائيين النمساوي إروين شرودينغر (1887-1961) و الألماني وارنر هايزنبرغ (1901-1976)، إثنين من الأباء المؤسسين للنظرية الكمية، رغم أنها مشهورة باسم الأول فقط. فعلا، رفقة النظرية النسبية، نظرية الكم أحدثت ثورة في الفيزياء و فتحت أبوابا جديدة للعلم ككل، بكل ما جاءت به من روعة و غرابة. قد لا يتسع المجال لذكر إستخداماتها، لكن يمكنك أن تتصور فقط أن لها الفضل في معظم النجاحات التكنولوجية التي يشهدها الإنسان، بداية من التكنولوجيا النووية، أنصاف النواقل و الترنزيستورات… نهاية بفهم تكوين النجوم و المجرات، و حتى حاسوبك أو جهازك اللوحي الذي تستعمله لقراءة هذا المقال.
7. نظرية المعلومة (Information Theory):
في سنة 1948، و في ورقة بحثية شكلت منعطفا حاسما، نشر المهندس في مخابر بال الأمريكية العبقري كلود شانون (1916-2001) معادلة أنتروبي المعلومة، المعادلة الأشهر في نظرية المعلومات (و هو فرع من الرياضيات يدرس تكميم، تخزين و كذا نقل المعلومات). هذه المعادلة تسمح بتقدير كمية المعلومات في كلمة، صورة، فيديو، … رغم كونها إحدى أقل المعادلات شهرة في عالمنا اليوم، إلا أن لها أهمية بالغة ليس على صعيد العلم فقط، بل حتى في حياتنا اليومية. بعد ذلك، توسع إستخدام نظرية المعلومات حتى بعيدا عن الرياضيات و تكنولوجيا الكمبيوتر، حيث وصلت تطبيقاتها إلى علم اللسانيات، علم الوراثة الحديثة، الحوسبة الكمية و حتى التطرق لأحد ألغاز الثقوب السوداء.
8. نظرية الفوضى (Chaos Theory):
أبصرت هذه النظرية النور على يد مؤسسها العالم الأمريكي الفذ في جامعة أم-أي-تي إدوارد لورنتز (1917-2008)، عند دراسته لظواهر الطقس. هي أحد فروع الرياضيات التي تدرس التغيرات في الأنظمة الديناميكية والتي لها حساسية بالغة تجاه الشروط الإبتدائية. كمثال بسيط في الإقتصاد، تغيير الأسعار في منتوج ما مثلا قد يؤدي إلى تغيير درماتيكي في سلوك الزبون تجاه هذه السلعة. يشرح لنا مؤسس هذه النظرية فكرته في مثاله (المجازي) عندما يقول أن ضربات أجنحة فراشة ما تطير في البرازيل قد تتسبب في نشوء إعصار في لندن بعد أسابيع! اليوم، تطبيقات هذه النظرية تتعدى علم الطقس أو العلوم الدقيقة كالرياضيات، الفيزياء، علوم الحاسوب و الهندسة. في الحقيقة، تطبيقات نظرية الفوضى تمتد إلى كل الميادين تقريبا، من البيولوجيا و الجيولوجيا إلى الإقتصاد، علم النفس، علم الاجتماع و غيرها.
9. نموذج بلاك- شولز-ميرتون (Black-Sholes-Merton Model):
نموذج بلاك-شولز يعد أحد أبرز المفاهيم في النظرية المالية الحديثة. سنة 1973 تم وضع هذه المعادلة من طرف ثلاث إقتصاديين محنكين هم: الأمريكي فيشر بلاك (1938-1995)، الكندي ميرون شولز (1941) و الأمريكي روبرت ميرتون (1944). تعد هذه المعادلة إحدى أهم نتائج الهندسة الإقتصادية إذ تبين لنا تطور سعر الخيار (وهو أحد أنواع المشتقات المالية) مع الزمن، كما ساعدت في نشوء سوق المشتقات المالية الحالي الذي يساوي ترليونات الدولارات. على الرغم من أنه يُعتَقد أن الإستعمال السيء لهذه المعادلة هو الذي أوصل للأزمة الاقتصادية، إلا أنها مازالت تستعمل ليومنا هذا.
10. التوزيع الطبيعي (Normal Distribution):
لهذا القانون عدة تسميات أخرى مثل توزيع غاوس أو منحنى الجرس، وهو القانون الذي ينص على أن القيمة الأكثر احتمالا لمتغير ما هي القيمة المتوسطة لهذا المتغير، بينما يتناقص بشكل أُسِّي إحتمال الحصول على أي قيمة على جانبي القيمة المتوسطة. إذا أخذنا الذكاء كمتغير مثلا، سنجد أن أكبر عدد من الأشخاص في عينة ما سيكون ذكاءهم متوسطا، لا عاليا ولا منخفضا. تعد هذه المعادلة الأساس لعلم الإحصاء الحديث. مادامت تتعلق بالإحصاء و الإحتمالات، فتطبيقاتها تمتد إلى معظم الميادين العلمية، من الإجتماعية إلى الطبيعية و الدقيقة.
تدقيق: زين العابدين لطرش