يدخل الكثيرون في لَغَطِ المُناظرات والمناقشات حول الإجهاض، هل يُعتبر حقًّا من حقوق المرأة إذ تكون هي المسؤولةَ عن جسدها وما فيه؟ أَم هل يُعتبر هذا الحملُ إنسانًا منذُ لحظةِ تكوُّنِهِ فيَتمتع بحقوقِه كاملةً، وأهمها الحقُ في الحياة؟
العديد من الناس يَتبنَّونَ مبدأَ الحقِ في الحياة “freedom of life” أو الحق في الاختيار والولادة «freedom of choice and reproduction” انطلاقًا من فهمهم للحياة والحمل والإجهاض، أو انصياعًا لارتباطاتِهم الدِّينيّة أو الاجتماعية أو حتى القانونية، فتجدُ الجدالَ يَحتَدم ويقوم ولا يَقعُدُ حولَ شرعيّة الإجهاض من عدمها، وإنسانيّتهِ من وحشيّتهِ. ولكن في الحقيقة، العديدُ من الناس لا يعرفون ما هو الإجهاض في الأساس ولا كيف يتم سواءً لأسبابَ طبيّةٍ أو اختياريّة، وما هي مضاعفاته على صحة المرأة، إن وُجدتْ، كما لم تُقِرَّهُ دُول ومنظماتٌ من أجل الحفاظ على صحة المرأة، ولم تمنعه وتذمه أخرى؟
هذا المشكل الجدليُّ ليس حكرًا على المناظرات التي تكون في دُورِ الثقافة أو حلقاتِ الأصدقاء أو مجموعاتِ و صفحاتِ الفيس بوك، بل يمتدُّ كذلك لبيوت البرلمان و الحكومات، و الدليل يمكن أن يتم الاطلاع عليه في مقال لِ AMERICAN ASSOCIATION FOR THE ADVANCEMENT OF SCIENCE ( المؤسسة الأمريكية لتقدم العلم ) و الذي حرّره PHILIP H. ABELSON لمجلة SIENCE تحت عنوان Abortion and the limitations of science = الاجهاض و حدود العلم، و الذي يُناقِش طلب الكُونْغْرِسْ الأمريكيّ من هيئة العلماء، تعريف الإجهاض و رأيهم في القضية، و كذلك الصراع الطويل الذي قامت به الفرنسية سيمون فايل SIMONE VEIL أمام البرلمان من أجل تشريع و تقنين الإجهاض الاختياري في كامل التراب الفرنسي. كما يمكن الاطّلاع على مقالٍ لمُنظمة الصحّة العالميّة والذي يُقَدِّرُ أنّ رُبْعَ حالاتِ الحملِ عالميًّا تنتهي بالإجهاض، والمُعَنْوَنُ making abortions safe: a matter of good public health policy and practice 2000 والذي يناقش ضرورة فتح باب الإجهاض الاختياري لكافة النساء حول العالم.
عدمُ التّوافقِ فيما يخصُّ هذه المسألة و التَعصُّبُ للآراء يُمكن أن ينجرَّ عنه العديدُ من التجاوزات و التي نذكر منها: الحملات الإرهابية التي قام بها العديد من المتطرفين الدينيّين في الولايات المتحدة الامريكية ، إذ انتقلت احتجاجاتهم من التظاهر السلمي أمام عيادات الإجهاض إلى التفجير و قتل الأطباء و رمي الأَسِيدْ ( روح الملح ) على النساء اللاّتِي يدخلنَ إلى تلك العيادات، للمزيد من المعلومات يُرجى الاطّلاع على مقالَيْ جريدة نيويورك تايمز و سي ان ان بخصوص الموضوع، (الرّابط موجود في المصادر) أو القوانين المجرمة لذلك في العديد من البلدان و خاصة دول العالم الثالث.
لذلك ارتَأينا أن نتناول الإجهاض من وجهة نظرٍ طبيّة وعلميّة، سنتحدث عن الإجهاض المَرَضِيِّ اللاّإرادي، الإجهاض الاختياريّ القانونيّ وغير القانونيّ، كما سنتناول طُرق عملِ أدوية الإجهاض وسنُنَاقش العديدَ من المعتقدات الطبيّة الخاطئة فيما يخص الإجهاض. ومن أجل إثراء معلوماتِ القرّاءِ الناطقين بالعربية، نقدم لكم هذا المقال العلميّ والطبّي من أجل ترسيخ الفَهم بخصوص الإجهاض، وجعلِ المعرفةِ والاطّلاع معيارَ قراراتنا. فكما يُناقشُ عالِمُ الأحياء، عُضوُ الجمعيّة الملكيّة البريطانية للعلوم و المُدَرِّسُ في جامعة أوكسفورد ريتشارد داوكنز في الفيديو الذي شاركه على موقع يوتيوب تحت عنوان Richard Dawkins: letting science inform morality و يتفق معه عَالِمُ الأعصابِ ، مؤسِّسُ “مشروع سبب” Project Reason الطامح إلى رفع الاهتمام بالعلم في المجتمع الأمريكي و الكاتب سام هاريس Sam Harris في خطابه في مؤتمر ted فإن أفضل معيار لتكوين موقف عادل و حيادي حول أي معضلة أخلاقية هو فهم ماهيتها و ترك القرار للعلم.
فبعيدًا عن الآراءِ المُسبقَةِ، ماذا يقول العلم فيما يخصُّ مسألةَ الإجهاض؟
ما هو تعريف الإجهاض؟
مفاهيم الإجهاض مختلفةٌ باختلافِ المصدرِ: طبيّ، علميّ أو القانونيّ، في هذا التعريف سنعتمد على المفهوم العلمي المُتّفقُ عليه من طرف مجموع العلماء والهيئات الطبية.
في قاموس DICTIONNAIRE ILLUSTRE DES TERMES DE MEDECINE «GARNIER DELAMARE» 30e édition يعرف الإجهاض على أساس: أن لفظ الإجهاض في حد ذاته مستوحى من اللاتينية “aboriri” والتي تعني الولادة قبل الوقت المحدد، ويضيفُ للتوضيح أكثرَ أنّهُ عبارةٌ عن خروجٍ للجنينِ قبل اِكتمالِ 6 أشهر من الحمل أي ما يُوازي 24 أسبوعًا، ويُضيفُ أنّ الجنينَ قانونيًّا – يتحدث هذا القاموس من وجهة نظر القانون الفرنسي-لا يكون قادرًا على الحياة قبل 180 يومًا أي ما يعادل 6 أشهر.
كما يُقدِّمُ شرحًا باللُّغة الطبيّة المستعملة للتعبير عن أنواع الاجهاض والمستعملة في القاموس الطبي الفرنسي، فمثلا يتم استعمالُ: fausse couche للتعبير عن الإجهاض اللاإراديِّ وavortement للإشارة إلى الإجهاض الإرادي، وهذا الأخير يمكن أن يكونَ لغرضٍ طبيٍّ وعلاجيٍ سواءً لأسبابَ متعلِّقةٍ بتشوهاتِ الجنين أو في حالة وجود خطر على صحة الأم. أو اختياري قانوني أو غير قانوني. وفي كل الحالات يكون طبيًّا باستعمال أدوية مثل ال mifépristone أو جراحيًّا بالاعتماد خاصة على تقنيات الشفط والكشط.
منظمة الصحة العالمية world health organization أو organisation mondial de la santé تُعرِّفُ الإجهاضَ على أساسِ أنَّه كذلكَ خروجُ الجنين من الرحم قبل إكمال 22 أسبوعًا من انقطاع آخر عادة شهريّة أو ما يُعادله 20 أسبوعًا من الحمل أو أن يكون وزن الجنين لا يتعدّى 500 غرام عند خروجه من الرحم. لشرح هذا الاختلاف البسيط في الحساب تَجْدُرُ الإشارة إلى أنّ عمليّةَ الإباضة عند المرأة تكون في منتصف الدورة الشهريّة و التي تستمر في المتوسط 28 يومًا، أي تكون في اليوم الثالث عشر أو الرابع عشر عادةً، و البويضة تستطيع العيش بعد الإباضة ما بين 12 إلى 24 ساعة و هو الوقت الأمثل لعملية التّلقيح من طرف الحيوانات المنويّة الذكريّة التي تستطيع العيش لمدة تصل إلى 3 أيام في الجهاز التناسليّ للأنثى؛ أي إذا حدثت عملية التلقيح la fécondation في منتصف الدورة الشهريّة للأنثى فهذه الأخيرةُ لن تنتبه لوجود حمل حتى اليوم الأول من الدورة القادمة و ذلك بسبب تأخر سَيَلَانِ دَمِ الحيضِ أو دم العادة الشهريّة، و في هذا الوقت يكونُ قد مرَّ على عملية الإلقاح و الحمل 15 يومًا بالتقريب، أي أسبوعين، و هما الأسبوعانِ اللّذانِ يَخلُقان ذلك الاختلاف البسيط في الحساب.
هذا التعريف في أساسه قائم على قدرة الجنين بعد الولادة على العيش خارج رَحِمِ الأمِّ وتطوُّرِ أجهزته الداخليّة بما يسمح بالحياة والبقاء، وقبل 6 أشهر يكون الجنين غير قادر على الحياة. وهو تفسير علميّ وطبيّ بحت.
واعتمادا على هذا التعريف العلميّ يتم تقسيم حالات الإجهاض إلى ثلاث، وذلك على حسب وقت حدوثها:
- إجهاض ابتدائي: fausses couches précoces والذي يحدث قبل 12 أسبوعًا من تاريخ انقطاع العادة الشهريّة (14 أسبوعَ حملٍ)
- إجهاضٌ متأخّر: والذي يكون ما بين 12 إلى 22 أسبوعًا من تاريخ انقطاع العادة الشهرية
- موت داخل الرحم: mort fœtal in utero والذي يكون بعد 24 أسبوعًا من الحمل (اخر تقسيم لا يدخل في تعريف الإجهاض)
تاريخ الإجهاض
وفقا لعلماء الإنسان، يمكن اقتفاء أثرِ الإجهاض المُسَبَّبِ من طرف ثالثٍ إلى العصور القديمة. وهناك أدلّة تاريخيّة تدعمُ إيقافَ الحمل الاختياري في المجتمعات القديمة بالاعتماد على أعشابَ تسببُ الإجهاضَ: أدوات حادة، تطبيق ضغطٍ على منطقة الرحم وغيرها من الوسائل الأخرى.
قسمُ هِيبُوقْرَاطْ The Hippocratic Oath يُلْزِمُ جميعَ الأطباء بالامتناع عن إجراء عمليات الإجهاض. ولكن في أحد الكتب القديمة والذي يعود لِـ سُورَانِيسْ Soranus وهو طبيب يونانيٌّ أتى بعد حِقْبَةِ هِيبُوقْرَاطْ، يَنصحُ النساءَ الراغباتِ في إيقاف الحملِ بالقيام بأعمالَ عنيفةٍ: القفزُ، رفعُ أحمال ثقيلة وركوبُ الحيوانات. كما يقوم بوصف مجموعة لا بأس بها من الأعشاب منها عشبة ال-silphiumالمشهورةُ في العهد اليونانيّ والرومانيّ والتي انقرضت بسبب الاستعمال الجائر-التي تساعد على إحداث إجهاض ولكنه لا يُنصحُ باستعمال الأدوات الحادة وذلك لأنها يمكن أن تسبب ثقب الأعضاء الداخلية، بالرغم من فعالية تلك الوسائل إلا أنها لم تخلوا من المخاطر والمضاعفات.
فترة ما قبل التاريخ – القرن الخامس
أولُ تسجيلٍ لعملية إجهاضٍ يعود إلى وثيقةٍ طبيّةٍ من الصين يَرجعُ تاريخها إلى ما قبل 500-515 سنة قبل الميلاد. كما يصف الفُلْكْرُولُ الصينيّ أنّ أوّل عمليّة أُجريَتْ كانت في عهد الإمبراطور شِينُونْغْ Emperor Shennong الذي استعملَ الزئبقَ لإحداث إجهاضٍ قبل 5000 سنة من الآن.
كما عَرَفَتْ الحضارة اليونانيّة والرومانيّة إيقافَ الحمل الإرادي كذلك، حيث كانت تُستعمل العديدُ من الوسائل لإحداث ذلك ومنها تناول كميّة معتبرةٍ من السمِّ عن طريق الفم أو مباشرة داخل الرّحم من أجل إيقاف الحمل، أو إدخال أدوات حادّة للرّحم. ويمكن القول دون مفاجئة في الأمر أنّ أغلب تلك الحالات انتهت بِموت الأمِّ والجنين.
الكثير من الأساليب المعتمدة في الحضارات القديمة كانت غير جراحية وإنما في أغلبها ميكانيكية أو عشبية تم اكتشافها بالاعتماد على الملاحظة والصدفة. ومن تلك الأساليب نذكر: العمل المجهد، رفع الأثقال، الغطس، الصيام، سكب ماء ساخن على البطن، إسالة كمية من الدماء، الاستلقاء على قشرة جوز هند ساخنة….
من القرن الخامس إلى القرن السادس عشر
نص سنسكريتي Sanskrit text يعود إلى القرن الثامن ينصح النساء الراغبات في القيام بإجهاض بالجلوس على البخار القادم من قدر. تقنيات التدليك وتطبيق ضغط على منطقة الرحم كانت من أكثر الطرق المستعلة في منطقة جنوب شرق اسيا، والتي يمكن ملاحظة الرسم التخطيطي لها على أحد جدران معبد انغكور وات the temple of Angkor Wat في كمبوديا، والذي يظهر شيطانا يقوم بهذه العملية لإمراه أرسلت إلى العالم السفلي. ويعتقد أن هذا الرسم هو أقدم رسم يجسد عملية إيقاف حمل في التاريخ.
كما تظهر بعض الوثائق اليابانية حالات إجهاض تعود للقرن الثاني عشر وذلك خلال فترة ايدو Edo period خاصة عند الفلاحين والطبقة الفقيرة التي تأثّرت بشكل كبير بالمجاعة المنتشرة في ذلك الوقت والضّرائب التي فرضت عليهم من طَرف الحُكَّام. بعد ذلك بدأت تماثيل Boddhisattva Jizo التي تمثل الأطفال المُجهَضِين والذين لاقَوْا حَتْفَهم وهم صغار تَظهرُ في معبد يوكوهاما Yokohama عام 1710 لتمجيد ذكراهم. في هذه الفترة أيضا كانت وسائل الضرب، التّمرين والتّضييق على البطن الأكثر انتشارًا في بريطانيا من أجل إحداث إجهاض.
من القرن السابع عشر حتى القرن التاسع عشر
وهي الفترة التي شَهدت ثورةً في المجال الصناعيّ والطبيّ حيث تَطوّرت الوسائل الطبيّة والجراحيّة المستعملة في الإجهاض مما ساعد بِشكل ما في تقليل حالات الموت نتيجةَ الطرق التقليدية لإيقاف الحمل، ولكنّ سلطة المجموعات الدّينيّة وَقفتْ حائلاً أمام هذا التّطور.
الإجهاض اللاّإرادي المُتَكرّر أو ما يعرف ب Fausses couches à répétition
أو ما يعرف بمرض الإجهاض أو بالفرنسية la maladie abortive والتي تكون حسب التعريف: تَوالي ثلاث حالات إجهاض عَرَضِيّ لا إرادِيّ مُسَجِلةً بدقّةٍ بعد التأكّد من الحمل سَريريًّا (انقطاع العادة الشهرية) وبيولوجيا (فحوصات طبيّة مخبريّة على رأسها يأتي تحليل الدم بحثا عن bêta-HCG) وبدون وجود بين هذه الحالات الثلاث من الإجهاض حمل ناجح يُفضي لولادة جنين حيٍّ، عند امرأة واحدة لم تُغيّر الشريك.
وتزداد احتمالية حدوث إجهاض لا إرادي آخر بزيادة حدوث عدد الإجهاضات سابقًا لتصل إلى 50% في حالة 6 حالات إجهاض قَبْليّة. الإجهاض اللاّإرادي fausses couches يصيب من 1 إلى 2 % من إجماليّ حالات الحمل.
ماهي العوامل المساعدة على الإصابة بمرض الإجهاض اللاّإرادي؟
- عمر المرأة الذي يفوق 36 عاما أو أقل من 18 سنة.
- التّشوّهات الخَلقيَّة والتّشريحيّة للرّحم.
السّمنة، بمعدل يفوق 30 (يتمُ حساب معدل السُّمْنة باستعمال معامل يُدعى indice de la masse corporel أو ما يُعْرَف بالإنجليزية body mass حيث يقوم عاملُ الصّحة بتقسيم الوزن بالكيلوغرام على مُربع الطول، ويقارن النتيجة بجدول مُقارِن لمعرفة هل الشخص مصاب بالسُّمنة أم لا).
- انخفاض عمل وإنتاج الغُدّة الدَّرَقِيّة hypothyroïdie.
- التهاب بَطانَة الرَّحم المُزْمِن.
- التّدخين، سواءً من طرف الأم أو التدخين السّلبي من المحيط.
- نقص في الفيتامينات خاصّة B9 وB12.
- مشاكل تَخثُّر الدّم.
- الاستهلاك المُفرَط للكافيِّين بمعدل يتجاوز 100mg في اليوم الواحد، ما يجعل الكافيين يعمل مثل الأسبيرين كمانع لتخثر الدم.
- القلق والإجهاد.
ماهي أسباب هذا المرض؟
يمكن تقسيم أسباب حدوث الإجهاض اللاإرادي إلى العديد من المجموعات ومنها التي يمكن أن تُصيب المرأة أو الرجل أو الاثنين معًا وفي نفس الوقت.
أسباب جِينِيّة
تمثل 5-10% من أسباب الإجهاض اللاإرادي la maladie abortive وتتعلق أساسًا بالكْروموسومات والجينات، والتي يُمكن الكشف عن الخلل فيها بتحليل الطابع الوِراثيّ للجَنين أو والديه أو المَشيمَة وهو ما يعرف بال caryotype. من الاختلالات الجينيّة التي قد تسبب الإجهاض يمكن ذكر ثُلاثيّة الكروموسومات 11 , 13 , 18 كما يمكن أن تتسبب ثُلاثيّة الكروموزوم 21 أو ما يعرف بمُتَلازِمَة دَاوْنْ حالات إجهاض خاصة في وجود تشوهات أخرى.
أما في حالة إجهاض الأجنة من جنس ذكر فقط ، فيمكن طرح فرضية الإصابة ب des maladies géniques létales récessives liées à l’X و هي جُمْلة أمراضٍ تُصيب الصَّبْغِيَّ الجِنْسِيَّ X و تُسبب موت الجنين الذكري الحامل له، يجب التذكير أن الطابع الجيني للأنثى هو XX أما الذكر فهو XY، و خلال عملية صنع الحمولة الجينيّة للخلايا الجنسيّة الأنثويّة و المتمثّلة في البويضة فهي تحمل الصَّبْغِيَّ الجِنسيّ X فقط، أما بالنسبة للذكر و الذي يصنع النّطاف فتنقسم حُمولَته الجنسيّة بنسبة متساوية لتحمل 50% من النطاف الطابع الجينيّ الجنسيّ X و 50% الأخرى تحمل الصبغي الجنسي Y و عند التلقيح يعتمد تحديد جنس الجنين على الطابع الجينيّ الجنسيّ المحمول من طرف النطاف, و في حالة و جود أنثى XX فإن وجود X وحيد مريض يتم التستر عليه من طرف الصبغي X المقابل و لا تظهر أيّة اضطراباتٍ سريريّة، أما في حالة الجنين الذكري XY فإنّ وجود صبغي X وحيد مريض يمكن أن يسبب العديد من الأمراض أو يسبب الإجهاض لغياب صبغي مقابِلٍ له ليتستّر عليه .
في هذه الحالة يلجأ العديد من الأزواج إلى التّلقيح الاصطناعيّ أين يُمكن التّحكم في الصبغيات المريضة وعزلها مخبريًّا وإنتاج بويضات مُلَقَّحة سليمة في عمليات مخبريّة جِدُّ مُكلفة.
أسباب هُرمونِيّة
وهي كذلك جِدُّ مُتنوعة، منها انخفاض إنتاج هرمونات الغُدّة الدَّرَقِيّة la thyroïde، ارتفاع إنتاج الهرمون المُحفِّزِ لإنتاج حليب الأم hyper-prolactinémie، ارتفاع مستويات هرمون الأندروجين، ارتفاع هرمون القلق cortisol، عدم فعالية أو انعدام الهرمونات التي يفرزها الجسم الأصفر) هو بقايا عملية الإباضة وإخراج البُوَيْضة من المِبْيَض والذي يُنتج هُرمونات البْروجِسْتْرونْ والتي تحفز بطانة الرّحِم على النّمو والاستمرار لضمان ودعم حمل سليم وعادي).
أسباب متعلقة بالرحم:
و هي في الأغلب تشوهات تشريحية في الرحم , إذ يمكن أن يكون الرحم متكون من جزئين منفصلين fig:12.13 , مقسوم في الوسط بغشاء fig:12.17 , فتحت الرحم مصابة بتشوهات, التصاق جدران الرحم نتيجة حدوث التهاب أو تدخل طبي غير فعال….
الالتهابات
وتكون في الأساس نتيجة التهاب بطانة الرّحم بسبب بكتيريا، فيروسات، أو حتى طُفَيْلِيَّات.
أسباب مناعية
يمكن تقسيم المناعة إلى جزئين، خلوية تعتمد على الخلايا القاتلة مثل LTKiller وهرمونيّة والتي تعمل على إنتاج أجسامَ مُضادَّة للأجسام الدخيلة على الجسم؛ وفي هذه الحالة تكون بسبب اختلالات في آليات الدّفاع المَناعيّ ممّا يُسَبّب مُهاجمة الأجسام المضادة التي صنعها جسمُ الأم جسمَ الجنين وقَتلَه باعتباره جسمًا دخيلًا، ومن أهم هذه الأمراض “اليبيس” le lupus érythémateux disséminé.
أسباب مناعية أخرى أو التهابات
والتي تصيب الأمعاء مثل مرض كرون maladie de Crohn والأمراض المناعيّة التي تصيب الغُدّة الدَّرَقِيّة مثل la thyroïdite وكذلك بعض الأمراض التي تصيب الصفائح الدموية مثل la thrombophilie
أسباب متعلقة بالحيوانات المنويّة الذكريّة
وفي هذه الحالة يمكن أن يكون سببُ الإجهاضات المتكررة متعلقًا بشكل وعدد وحركة النِّطاف والذي يَرجِع في الغالب للتغذية الفقيرة بالفيتامين C وE، عمليات جراحيّة سابقة على الأجزاء التناسليّة الذكريّة مثل الخصيتَين، التهابات في المجاري البَوليّة والتّناسليّة والتي يكون بِسبب الالتهابات البوليّة أو الاصابات المتكرِّرَة بالأمراض الجنسيّة ” les maladies transmises sexuellement MTS ” …
ممّا يَستدعي تحليلَ السّائِلِ المَنَوِيّ والحيوانات المنوية للزّوج في كل حالات الإصابة بمرض الإجهاض اللاإرادي fausses couches spontanées à répétition. والذي يظهر في الغالب تشوّهات في أقسام من جسم الحيوان المنوي أو قلة عددها أو حتى ضعف حركتها.
الإجهاض الاختياري القانوني Interruption volontaire de grossesse
ويمكن أن يكون بغرض علاجيّ لصالح الجنين أو لصحّة الأم أو بكلّ بساطة اختياريًّا. حيث يكون للمرأة الحق في اختيار الطريقة المناسبة لها طبيَّة كانت أو جراحيّةٍ وحتى نمط التخدير. في أيامنا هذه 81% من كل عمليات الإجهاض تكون جراحيّة و71% منها يكون تحت تخدير كامل.
وسنعتمد في هذا الشرح على طريقة الإجهاض المنتهجة في فرنسا والموافق عليها من طرف الجامعة الوطنية لأخصائيِّي أمراضِ النّساء والولادة Collège National des Gynécologues et Obstétriciens Français “CNGOF”.
كيف يتمّ الإجهاض الطبِّي والجراحيّ؟
أولا: الإجهاض الطبيّ
وهو البديل الطبيّ عن عمليّة الشَّفْطِ من الرَّحِم وتَتمّ في حدّ أقصاه 49 يومًا أي ما يُعادل 7 أسابيع منذ انقطاع العادة الشهريّة وتعتمد هذه الطريقة على أدوية مضادة للبروجسترون antiprogestérone :mifépristone أوMifégyne وأدوية أخرى تحتوي على البروستاغلندين prostaglandine (والتي سيتمّ شرحها وطريقة عملها في أسفل المقال) حيث تسبب نزيفًا داخل الرّحم بسبب سقوط الحمل فيما يُشابِهُ سقوط دماءِ العادة الشهريّة.
اليوم الأول: وكَزِيارة أولى يتمّ تقديم 200 مغ من ال mifépristone” Mifégyne®” أو 600 مغ حسب التّوصيات المتّبعة، دُفْعة واحدة تحت إشرافٍ مِن طرف الطبيب أو الممرضة، بعد أن تكون المريضة قد وقّعت على وثيقة تُثبت مُوافقتها واطّلاعها على خطوات العلاج ومخاطره المحتملة، ويمكنها الانصراف بعد ذلك.
اليوم الثالث: وبعد مرور من 36 إلى 48 ساعة من تناول mifépristone تأتي المريضة مرة أخرى للعيادة لأخذ حبتين من®misoprostol :Cytotec وذلك عن طريق الفم أو عبر فتحة المهبل. عند ملاحظة نزيف دمويٍّ يُعتبر ذلك إشارة جيدة على بداية عمل الدواء ولكنه ليس دليلًا قاطعًا على حدوث الإجهاض، تبقى المريضة تحت المراقبة لمدة 3 إلى 4 ساعات حيث يُقدَّمُ لها مضادات للألم عند الحاجة وanti-D وذلك في حالة كون الزمرة الدّمويّة للمريضة ذات ريزيس Rhésus سالب وزمرة الجنين موجبة الريزيس وذلك لتفادي حدوث مناعة ضد دم الجنين وإجهاض الأجنة المستقبليّة ذات الريزيس الموجب. وفي حالة عدم حدوث إجهاض يمكن مضاعفة فعاليّة الدواء بإعطاء المريضة جُرعةً إضافيَّةً من الدّواء حيث يصل معدل نجاح العمليّة لما يُقارب 95% بعد إضافة 400 μg من misoprostol.
*** يمكن ممارسة هاذه العملية بأكملها في البيت، خاصة إذا كان عُمْرُ الحمل لا يتجاوز 49 يومًا و لكن بعد اتخاذ بعض الإجراءات الوقائيّة. وفي حالة تَجاوز هذه المدّة وإصرار المريضة على الطريقة الطبيّة فيجب أن تمارس هذه الأخيرة داخل المستشفى.
الأيام من 10-14: يجب أن تزور المريضة العيادة الطبية بعد أجل يتراوح بين 10 إلى 14 يوما من تناول ال mifépristone للتّأكُّد من سقوط الحمل والقيام بفحص إيكوغراف echographie.
وكَكُلّ علاج طبيٍّ يمكن أن تترافق الطريقة الطبية بمضاعفات، نذكر منها: استمرار الحمل عند 0 إلى 1.5 % من الحالات، توقف الحمل دون خروجه بالكامل عند 1.3 إلى 4.6 %، حدوث نزيف حاد عند نسبة من المرضى تتراوح بين 0 إلى 1.4 %
ثانيا: الإجهاض الجراحي
والتي يُمكن أن تتمّ تحت تخديرٍ مَوْضِعي أو كُلِّي وذلك حسب اختيار المريضة. تعتمد هذه التقنية على توسعة فتحة الرحم وتفريغ محتوى هذا الأخير باستعمال عمليّات الشَّفْطِ التي عَوَّضت بشكل كبير عمليّات كشط جدار الرّحم، في حالة الرّغبة في إجهاض حَمْلٍ يَتراوح عُمره بين 12 إلى 14 أسبوع من انقطاع الحَيْض يكون في أغلب الأحيان الشّفط غير كامل ويجب إتمام العمليّة باستعمال مِلْقَطٍ بُغية تنظيف الرّحم من البقايا.
ثالثا: ماهي التعقيدات التي يمكن أن ترافق عمليّة الاجهاض المُمَارَسة تحت إشراف طبّي؟
- الموت، والذي يكون في أغلب الأحيان بسبب تقدم الحمل في العمر وقلّة خبرة المُمَارس، حيث تُحْصِي مُنظّمة الصّحة العالميّة حوالي 0.6 الى 1.2 حالة وفاة لكل 100 ألف حالة إجهاض حمل أقل من 13 اسبوعا.
- مخاطر متعلّقة بالتخدير.
- نزيف دمويّ.
- ثَقبُ جدار الرّحم.
- إصابات على مستوى فتحة الرّحم.
- التهابات.
- مشاكل مع الخصوبة.
يُقدر بحث علمي ل Bixby Center for global reproductive health والتابع لجامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو والمُعَنْون ب: التشديدات والتقييدات على الإجهاض تضع حياة المرأة وصحّتها في خطر (abortion restrictions put women’s health، safty and well-being at risk) المخاطرَ التي ترافق عمليات إنهاء الحمل الإرادي في الوسط الطبيٍ المُؤَهَّلِ لذلك، بما يعادل النسبة المرافقة لعملية استكشاف المَعْيِ الغَليظ وأقلَّ من نسبةِ المضاعفات المرافقة لعملية إزالة ضرس العقل.
كيف تعمل أدوية الإجهاض؟
تتحدث Becky Little في مقال لها موجود على مجلة smithsonian mag عن كيفيّة عمل أدوية الإجهاض التي تلاقي رواجًا كبيرًا في الولايات الأمريكية المتّحدة خاصّة في الولايات المُحافظة أين تُشَدّد وتُضيّق حُكومَاتها على عيادات الإجهاض رغم قانونيّة الإجهاض في الولايات الأمريكيّة منذ أكثر من 45 عامًا.
تقول Susan Yanow مستشارة صحية تعمل مع منظّمة (Women help women WHW) أو نساء يُساعدن نساء : ” إن واقع وجود عيادة إجهاض في بعض الولايات لا يعني أن كل النساء قادرات على الاستفادة منه و حماية أنفسهن به ” و هذا ما دفع المنظمة لتأسيس موقع إلكتروني مجّاني يٌقدّم استشارات طبيّة للنّساء الرّاغبات في إجراء عمليّة إجهاضٍ بِغَضِّ النّظر عن شرعيّة أو عدم شرعيّة ذلك .
تشرح Becky ; تقوم عيادات الإجهاض في الواقع باستعمال نوعين مختلفين من الأدوية: الأول حبة واحدة من الميفيبريستون mifepristone والنوع الثاني هو أربع حبّات من الميزوبروستول misoprostol. تقوم الجرعة الأولى من 200 مغ من mifepristone بتوقيف إنتاج الجسم لهرمون البروجسترون progesterone وهو هرمون يحتاجه الجسم لضمان استمرار عمليّة الحمل بسلاسة إذ يضمن تَطوُّر ونُموّ بطانة الرّحم لتدرجة تسمح بدعم الجنين خلال الأشهر الأولى من نموه. تقول الدكتورة لورن ثاكستن Lauren Thaxton أخصائيّة أمراض النساء والتوليد في مدينة أَلبَكركي، نيو مكسيكو والتي تقوم بعمليات الإجهاض منذ أكثر من 6 أعوام: ” عندما تعاني المرأة من العادة الشهريّة، فإن أحد العوامل الهرمونيّة المساعدة على ذلك هو انخفاض مستويات هرمون البروجسترون”.
وكنتيجة لتوقيف هرمون البروجسترون بواسطة الجُرعة الأولى من الدّواء تسقط بطانة الرّحم (نفس البطانة تسقط في كل دورة شهرية) والتي تطوّرت تحت تأثير هرمونات الحمل ومنها البروجسترون لاستقبال الجنين وضمان استمراره. ومنه يسقط الجنين الذي يعتبر في الأسابيع الأولى من الحمل عبارة عن كتلة من الخلايا التي تبدأ في أخذ شكل ما. بعد ذلك تقوم المريضة بتناول أربع حبات ذات 200 ميكروغرام من ال misoprostol تحت لسانها ليساعدها على طرح البقايا بشكل أفضل.
ال Misoprostol ” نوع من أنواع الادوية التي تدعى البروستاغلندين prostaglandin ” يقول أخصائي أمراض النساء والتوليد الدكتور Daniel Grossman مدير تحرير مجلة // Advancing New Standards in Reproductive Health //
«واحد من تأثيرات البروستاغلندين أنها تسبب ما يسمى نضوج عنق الرحم و كذلك توسيعه و تليينه و تسهيل طرح البقايا خارجا، كما يساعد على تقلص عضلات الرّحم“.
” يعرف قاموس GARNIER DELAMARE ال prostaglandine أنها مواد مُشتقّة من الأحماض الأمينيّة الغير المُشَبَّعة المُتكونة من 20 ذرة كربون ، و التي تتموضع على شكل نواة أو حلقة يلتصق بها ذراعان جانبيّان. نعرف أكثر من 20 نوع طبيعي من البروستاغلندين وتقسم إلى 9 أقسام (من A إلى I) وهذا التقسيم مبني على شكل النواة. وتقسم كذلك إلى 3 سلاسل بالاعتماد على شكل الأذرع الجانبي. يتوضح أن القسمين E وF من السلسلة 2 هما من يتميزان بدور كبير. لقد تمّ اكتشاف البروستاغلندين في البروستات والسائل المنوي، ولكنها توجد أيضا في العديد من الأعضاء، لأن كل الخلايا قادرة على تصنيعها. ولا تنتقل عبر الدّم ولكن تأثر في الموقع الذي تصنع فيه. لها تأثيرات واسعة وقوية جدا فتأثر على العديد من المواقع مثلًا، الجهاز التناسليُّ لتُسهّل التّلقيح والولادة. الجهاز الدّوراني للجنين لكي تحافظ على استقرار دورته الدموية. تُخثر الدم. القصبات الهوائية. الجهاز الهضمي. الكليتين ….“.
تم تطوير عقار Misoprostol للمرة الأولى في الولايات الأمريكية المتحدة وذلك عام 1973 لعلاج القرحة المعدية، وذلك بتقليله لإفرازات المعدة الحمضيّة. ولكن كان العقار يعاني من تأثير جانبي كبير على النساء الحوامل إذ يُسبّب إجهاضهن. في عام 1980 قام باحثون فرنسيون بتطوير mifepristone والذي يعرف أيضا باسم RU-486 وهو حبّة علاجيّة يمكن تناولها بعد ال misoprostol لتسبب الإجهاض. وبعد ذلك بمدة قامت الدولة الفرنسية بتقنين الإجهاض كحقٍّ من حقوق الإنسان وتَبِعَتها العديد من الدول. أما في الولايات الأمريكية فقد أملت جماعات حقوق الإنجاب أن توافق الهيئة الأمريكية للغذاء والدواء والتي تعرف اختصارا ب FDA على ذلك كبقية دول العالم، لكن المنظمات المعارضة للإجهاض نجحت بتأخير ذلك حتى سنة 2000 أين وافقت رسميًّا هيئة الغذاء والأدوية على عمليات الإجهاض باستعمال الأساليب الطبية.
في فيديو معنون: (ماذا يحدث فعلا عندما نجري إجهاضًا: what actually happens when you have an abortion) على قناة اليوتيوب “ASAP science ” يقوم كل من ميتشل موفيت Mitchell Moffitn وشريكه غريغوري براون Gregory Brown بتقديم شرح قصير وعلمي عما يحدث فعلًا عند الإجهاض والذي ننصح فعلا بمشاهدته:
خرافات طبيّة حول الاجهاض
يتناقل الناس الكثير من الحجج المعارضة للإجهاض والتي يمكن ان تُعتبر في رأيهم الخاص علميّة أو طبيّة، وذلك كحجج قوية لعدم تشريع الاجهاض الاختياري، وانطلاقا من ذلك قام David Robert Grimes بكتابة مقال لصحيفة the guardian يناقش فيه خمسة من أكثر الحجج التي تُتَنَاقَلُ كأدلّة على خطر الإجهاض أو كأسباب لرفضه.
الدكتور دافيد روبرت غريمز هو فيزيائيّ وباحث في مرض السرطان في جامعة أوكسفورد Oxford University، كاتب في جريدة أيرلاند تايمز Irish Times ومتحصل على جائزة جون مادوكس John Maddox Prize عام 2014 للدفاع عن العلم.
يقول دافيد: ” هناك العديد من المواضيع المناقشة في عالمنا المعاصر والتي يتخلّلها شك كبير وسوء فهم هائل والتي تساعدنا على التمسك بصحة قناعاتنا ومنها الإجهاض. هناك الداعمِين لحركة الحريّة في الولادة والإجهاض والذين يَعتبرون ذلك حقًّا من حقوق المرأة وخَيَارًا من خياراتها التي يجب احترامها. وهناك الجانب الأخر الرّافض لذلك والذي يتحجّجُ أنّه منذ لحظة الإلقاح، للجنين الحقُ غيرُ المشكوك فيه في البقاء والاستمرار، وقد استعَرَ في هذه الأعوام الماضية النقاش السياسي حول هذه المسألة.“
في ظِلِّ كلِّ تلك الحُجَجِ الشَّغوفَة والمتشدّدة، يكون من السّهل انتشار سوء الفهم ويسهل كذلك للخيال مَلْءٌ الفراغ بين القناعات المختلفة، ولتسهيل النقاش فإنّه من الأساسي والرئيسي إزالة الغموض والجهل بخصوص الحقائق العلمية. ومنه يجب توضيح وتفنيد العديد من الادعاءات التي تظهر كلما ناقشنا مسألة الإجهاض.
الإجهاض يؤدّي إلى الإحباط والانتحار
من بين كل الإشاعات المنتشرة بخصوص الإجهاض، أشعر أن الاعتقاد والترويج لفكرة أنه يسبب الإحباط ويقود للانتحار يجب أن تُتَنَاولُ هي الأولى، بما أنّها من الحجج المُفَضّلة للجمعيات المعارضة للإجهاض. حيث تقوم هذه الأخيرة بالإشارة لذلك ب PAS اختصار لمتلازمة ما بعد الإجهاض (post-abortion-syndrome) وهو مصطلح يعود في الأصل للدكتور فينسنت روو Vincent Rue والمعروف بمعاداته ورفضه لفكرة الإجهاض أين شهد أمام الكونغرس الأمريكي عام 1981 أنّه لاحظ مُتلازمة ما بعد الصدمة (post-traumatic stress syndrome) عند النساء اللاتي أجهضن. هذا الادعاء سريعًا ما تَطَوَّرَ إلى فكرة أن الإجهاض يسبب الإحباط والانتحار.
و بالرغم من انتشار هذه الادعاء إلا أن PAS غيرُ معترفٍ به من طرف بقية السلك الطبي و العلمي، و هو كذلك لا يدخل في تصنيف DSM-V للمشاكل العقلية و النفسية (DSM-V هو تصنيف أمريكي للأمراض النفسية و العقلية و يعتبر كقاموس للأمراض و الاختلالات النفسية يصدر عن مؤسسة الأطباء النفسانيين الأمريكية و تم إصدار النسخة الخامسة منه عام 2013 ) , إضافة إلى ذلك فإن الرابط بين المشاكل الصحية النفسية و الإجهاض مرفوض من أغلب المؤسسات العلميّة النفسيّة منها مؤسسة الأطباء النفسانيّين الأمريكيّة (American Psychiatric Association) , مؤسسة النفسانيين الأمريكية (American Psychological Association ) والمؤسسة الملكيّة لأطباء النساء والتوليد Royal College of Obstetricians and Gynaecologists .
إن سبب هذا الرفض وعدم القبول من الطرف الطبي والعلمي بسيط، فبالرغم من العديد من سنوات البحث فلا يوجد أي دليل على أن PAS يوجد فعلا. وأنّ النظريّة القائلة إن النساء اللواتي أجرَين عمليات إجهاض اختياريّة يعانِينَ من مشاكل نفسيّة بالمقارنة مع نساء أُخرَيَات هي في أساسها ادّعاء غير علميّ ولا يوجد أيُّ سبب أو دليل يثبت هذا الإدعاء.
في دراسة تَمَّتْ في الدنمارك والتي تابعت الحالة النفسية ل 365550 امرأة منهم 84620 أجرَت إجهاضًا. لم تجد أيّ ارتفاع لمشاكل نفسيّة عند النساء اللّاتي أجرَين عمليّة إجهاض ولا أيّ ارتفاع في خطر الانتحار عندهن. هذه النتيجة في حد ذاتها غير صادمة إطلاقًا، فَفِي العديد من الدراسات السابقة والتي أخذت على عاتقها معالجة والبحث في ادّعاء ارتفاع نسبة الانتحار عند النساء اللّاتي أنهَين حملًا غير مرغوبٍ به، فقد تمّ الإشارة إلى ذلك وتفنيد الادّعاء.
في مقال للجريدة الأمريكيّة التابعة لمؤسّسة الأطبّاء الأمريكيّين (the Journal of the American Medical Association) والمعنون “The myth of the abortion trauma syndrome” أين يتم تفنيد وجود حلقة ربط بين الإجهاض والمشاكل النفسية تصرح الدكتورة ندا ستوتلاند Dr. Nada Stotland:
” في الوقت الراهن، توجد العديد من المحاولات لإقناع الرأي العام وخاصة النساء بأن للإجهاض رد فعل سيّء على الصحّة النفسيّة للمرأة… لكن الأغلبيّة من النّساء اللّاتي قُمْنَ بعمليّة إجهاض يتعاملن مع الوضع بشكل جيد من ناحية نفسية.”
هذه النتيجة للدكتورة Stotland يمكن ملاحظة تكرارها في أغلب المقالات العلمية.
إن استمرار اللاعلاقة بين المعلومة العلمية الجيدة و بين صناع القرار في بعض الولايات الأمريكية – في إشارة إلى القانون الذي أجبرته ولاية ساوث داكوتا الأمريكية على العمال في القطاع الطبي عام 2005 لإبلاغ المرأة المصرة على الإجهاض بخطورة ذلك على صحتها و خاصة النفسية – لشيء مقلق للغاية، و هو ما دفع the Guttmacher institute للإدلاء بالتصريح التالي:
“ … إنّ المؤسسات المناهضة للإجهاض قادرة على استغلال جهل القاعدة الجماهرية و صناع القرار بمعايير العلم الجيد … للدفاع على موقفها، هؤلاء النُشَطَاء في أغلب الأحيان يعتمدون على أبحاث علميّة مشكوك بدرجة كبيرة جدًا في معاييرها المعتمدة للبحث والتي تحتوي على العديد من الأخطاء أو يعتمدون على استخلاص نتائج غير متلائمة مع محتوى الأبحاث العلمية ذات المنهج الجيد.”
الإجهاض يسبب السرطان
وكأنّ الإجهاض في حد ذاته ليس بالمسألة المثيرة في المقام الأول حتى يُربط بالسرطان، لقد زَعَمت المجموعات المناهضة للإجهاض منذ زمن طويل أن النساء اللاتي يخترن القيام بعملية الإجهاض يعانين من خطر الإصابة بالسرطان وخاصة سرطان الثدي بالمقارنة مع قريناتهن اللاتي لا يفعلن. هذه قطعًا تُرَّهَاتٌ غيرُ معقولة من أعلى المرتبات. إن خرافة the abortion breast cancer أو ما يرمز إليه ب ABC اختصارًا، تمّ التّرويج لها من طرف العضو الفعال في مجتمع ” مسيحي ولد من جديد – born again christion ” وفي الحركات المعارضة للإجهاض الدكتور Joel Brind في بداية التسعينات من القرن العشرين. في الواقع هذا الادّعاء غير مدعوم من طرف المنشورات العلمية وكذا المجتمع الطبي.
وبالرغم من غياب أيّ داعم علميّ أو طبّي لفرضيّة الإجهاض يُسبب سرطان الثدي. إلا أن هذا لم يمنع إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش – George W. Bush من تعديل الموقع الإلكتروني للمعهد الوطني للسرطان – National Cancer Institute لكي يجعل الإجهاض الاختياري عاملا مساعدًا على الإصابة بسرطان الثدي وذلك في بدايات عام 2000 ميلادي. و كرد فعل لهذه الحركة التي اعتبرها المجتمع العلمي بالسيئة، قامت جريدة نيويورك تايمز – New York Times بتوجيه صفعة لإدارة الرئيس و ذلك بوصفها لهذه الحركة في أحد مقالاتها “بالالتواء المقرف” , هذا الردّ دفع المعهد الوطني للسرطان إلى إقامة حلقة بحث علمي في فيفري 2003 من أجل التأكد من صحة هذه الادعاءات والنظر فيها، واستخلص البحث أن هذه الفرضية فارغة من أيّ أساس علميّ واعتبرها غاية سياسيّة أكثر منها طبيّة. ردُّ فِعل الدكتور بريند لم يتأخر ولَجَأ كحجة إلى نظرية المؤامرة للمدافعة عن نظريّته واصفًا المعهد الوطني بالمؤسسة الفاسدة التي تسعى لحماية صناعة الإجهاض.
إن الادعاءات بأن الإجهاض الاختياري يسبب سرطان الثدي لا قيمة علمية أو أساس لها إطلاقا وهذه الفكرة يتشاركها كل من منظمة الصحة العالمية، المعهد الوطني الأمريكي للسرطان، الجامعة الأمريكية لأخصائيِّي أمراض النساء والتوليد وكذلك الجامعة الملكية. ورغم ذلك لاتزال هذه الفرضية سلاحا في ترسانة المنظمات والهيئات الرافضة لحق الولادة والاختيار.
في مقال لمجلة تاريخ الطب Medical History يشرح استمرار هذا الدعم للرابط غير الموجود بين الإجهاض وسرطان الثدي قد أتى كرد فعل للمنظمات المعارضة للإجهاض بعد الأحداث العنيفة التي شنها أعضاؤها في التسعينيات على عيادات الإجهاض في محاولة لكسب الاحترام من جديد وتلميع صورتها كحركة لحماية لحقوق الإنسان.
الإجهاض يقلل من الخُصُوبة والإنجاب
إنّ الادّعاء أنّ أيّ محاولة إجهاض طبيّة أو جراحيّة قد تُقلّل من الخصوبة أو إمكانيّة الحمل في المستقبل لادّعاء مُقلق، ولكنّه كنتيجة أو استخلاص معتمد على معطيات عتيقة وقديمة، حيث كان الإجهاض يعتمد على أساليب جراحيّة تقوم على مبدأ توسيع عنق الرحم وكَشَط محتواه بواسطة أدوات حديديّة جراحيّة والتي يمكن – في حالات قليلة -أن تسبب جراحا في الرحم والتي تشفى لتعطي ندبات يمكنها أن تكون السبب في بعض المضاعفات.
على كل حال فقد تم استبدال هذه العمليّات بعمليّات الشَّفْط التي تُعتبر أكثر فعاليّة وسلامةً وذلك في بداية السبعينات. أما في القرن الواحد والعشرين فإن هيئة الأمم المتحدة توصي باستعمال طرق الشّفط في عمليات الإجهاض ممّا يُقلّل من مخاطر الضرر على الخصوبة في المستقبل إلى حد أدنى.
زيادة على هذا فإن أغلب الدول الحالية تُشَرّع الإجهاض الاختياريّ في أولى مراحل الحمل (أقل من 9 اسابيع)، وعمليّات الإجهاض في هذه الحالات هي طبيّة في طبيعتها والتي تستعمل أدوية مثل mifepristone RU-486 لذلك. لا يوجد أي دليل على أن الاجهاض الطبي أو الجراحيّ يؤثر على الخصوبة في المستقبل.
يستطيع الجنين الإحساس بالألم
واحدة من أكثر الحجج استعمالًا وإثارةً للعواطف والتي تعتمد على فرضيّة أنّ الجنين يشعر بالألم ويُحِسّ، ومنه فإنّ عمليّة إجهاضه هي عمل وحشيّ. هذا شيء غير مُرَجّح لدرجة كبيرة جدًا. الجنين وفي أولى مراحل تكونه لا يمتلك الترسانة اللّازمة والمتطوّرة للجهاز العصبيّ ليحسّ بالألم أو حتى أن يكون مدركًا لما يحيط به. إن التّشكيل التشريحيّ والعصبيّ اللازم للإحساس بالألم والإحساس لا يكتمل نموّه وتشكيله ليصبح فعّالًا حتى ما يقارب 26 أسبوعًا من الحمل. وأغلبيّة التّشريعات المُقنِّنَة للإجهاض تَتُّخذُ عتبة ال 24 أسبوعًا من الحمل كحدٍّ أعلى لكي يكون الإجهاض ممكنًا، وأغلبُ عمليّات الإجهاض عالميًّا تكون قبل ذلك بكثير (في المملكة المتحدة يكون الإجهاض عادة قبل الأسبوع التاسع).
إن مسألة الألم عند الجنين ما هي إلا دعاية إعلاميّة غير ممكنة علميًّا، وهذا ما ينعكس في تقرير الجامعة الملكيّة لأخصائي أمراض النساء والتوليد الذي يستخلص:
“… إن المعلومات الموجودة تقترح أنّ الإدراك وإمكانية معالجة المعلومات في القشرة للدماغ ومنه إحساس الجنين بالألم لا يمكن أن تكون ممكنة قبل انتهاء 24 أسبوعًا من الحمل “.
بالرغم من فراغ هذا الزعم من أيّ دليل علمي إلّا أنه يستمرّ في الانتشار بشكل واسع وخاصة في بعض التشريعات في عدة ولايات أمريكيّة والتي تلزم الطبيب بإبلاغ المرأة أن الجنين يعاني من الألم عند الإجهاض… المجتمع العلمي يقترح:
” إن اقتراح إعلام المرأة التي تختار الإجهاض بأن الجنين يعاني من ألم خلال ذلك غير مدعوم بأي أدلة أو اعتماد أي الزامات طبية أو قانونية لمنع حدوث ذلك الألم هي علميّا غير عقلانية ويمكن أن تعرض المرأة إلى حوادث خطيرة أو حتى أمراض.”
تصعيب الوصول للإجهاض يُقلّل من حدوثه والطلب عليه
العديد من المنظمات الرافضة للإجهاض تنشط تحت الاعتقاد أن فرض عراقيل أكثر فيما يخص الإجهاض سيقوم في نهاية المطاف بتقليل الطلب عليه أو إجرائه، وهذا شيء خاطئ. إن التقليل أو التصعيب من الوصول للإجهاض لا يقلل الطلب عليه، ومنعه يجعل عمليات الإجهاض أكثر خطرًا لا أكثر حدوثاً. الدلائل تشير إلى أن نسب الإجهاض في الدول المقننة له والمانعة له متقاربة إلى حد التساوي. دراسة لانسات Launcet التي أُجريت في عام 2012 وجدت أن المناطق المحافظة تعاني من نسب إجهاض أكثر منه في قريناتها الليبيرالية، والمناطق المعرقلة لهذه العملية تعاني من نسبة إجهاض غير آمن أكبر.
عالميًّا، تختار حوالي 42 مليون امرأة الإجهاض في كل عام، ومن هذا العدد 21.6 مليون حالة تعتبر غير آمنة. وتداعيات هذا المنع هائلة إذ تتسبب في مقتل 47000 امرأة في كل عام، ممّا يجعلها من أكثر الأسباب في موت النساء الحوامل عالميا (13%) أي امرأة من أصل عشر نساء يمتن حواملا تموت امرأة واحدة على الأقل وهي تحاول إجراء إجهاض غير قانوني. ويمكن أن تؤدي إلى مضاعفات خطيرة جدا إذا نجت المرأة من ذلك.
في الدول المتقدمة أين توجد سهولة حركة وتنقل بين الدول، أي منع للإجهاض يمكن أن يكون ضربًا من السُخف. نأخذ إيرلندا كمثال على ذلك، والتي تتميز بقوانين مانعة للإجهاض متشدّدة بشكل كبير، ولكن في خِضَمِّ فَخر المنظمات المعارضة للإجهاض في إيرلندا بأنّها أرض اللّاإجهاض، تتناسى هذه المنظمات أنه يوجد معدل يقدر ب 12 امرأة تسافر من إيرلندا إلى بريطانيا طلبًا لعمليات الإجهاض، في الحقيقة هذا العائق لا يقلل من رغبة النساء في الحصول على الإجهاض بل يزيد من الضرر النفسي والمالي على النساء الراغبات في القيام به. وقد تمّ توبيخ إيرلندا الشمالية من طرف هيئة الأمم المتحدة على قوانينها المتعلقة بالإجهاض والتي تسبب ضررًا أكثر منه نفعًا للمرأة.
هذه لا يمكن إلا أن تُعتبر بعض النقاط التي تظهر كلما تحدثنا عن مسألة الإجهاض وهذا المقال بالتأكيد لا يقوم بمناقشتها كلها… ولكن بالطبع لكل الناس الحق الكامل في التمسك بأي رأي يعجبهم، ولكن هذا لا يعني أن لنا الحق في اختراع حقائقنا العلمية الخاصة أو إقحام مشاعرنا وأحاسيسنا في العلم أو التشريعات القانونية على أنها الحقيقة المطلقة لإثبات آرائنا أو فرضها على الأخرين.
الإجهاض الاختياري الغير قانوني مشكل صحي
في العديد من الدول التي يُمنع فيها الإجهاض الإرادي تُقرر النساءُ أخذَ زمام الأمور بأيديهن – يدعى ذلك ب auto-avortement -ولتحقيق ذلك يعتمدن على طرق تقليدية أو طبيعية، قليلة السلامة من الناحية الطبية ومكلفة جدًّا من أجل الاجهاض ممّا يسبب في الكثير من الأحيان العديد من المضاعفات التي تتراوح بين التشوّهات الدّائمة إلى الموت. لا يمكن النصح من ناحية علمية أو طبية أبدًا بإجراء أي نوع من أنواع توقيف الحمل بدون إشراف طبيب ممارس.
ولكن ما هي أكثر الطرق المستعملة للإجهاض؟
تستعمل العديد من النساء الأعمال الشاقة كرفع أحمال ثقيلة أو إجهاد أنفسهن من أجل الإجهاض، كما تقوم البعض بضرب منطقة الرحم أو شرب منقوع بعض الأعشاب مثل منقوع أوراق نبات التبغ وهي الطريقة الأكثر استعمالًا في الأماكن الريفيّة في الجزائر، بالإضافة إلى القرفة، الزنجبيل، النعناع وحبة الطيب…
فمثلًا القرفة تحتوي على مادة مشابهة لهرمون الأوسيتوسين ocytocine الذي يفرز في لحظة الولادة ليساعد الرّحم على التقلص وإخراج الجنين، ويحفز كذلك على طرح الحليب عند إرضاع المولود ويزيد من العاطفة بين الأم وصغيرها. أو الزنجبيل الذي يحتوي على البروستاغلندين prostaglandines والتي تساعد على تطرية وتليين عنق وفتحة الرحم لتسهل الولادة.
كما تقوم بعض السيدات في الجزائر وخاصة الكبيرات في السن بمساعدة النساء الراغبات في الإجهاض بإدخال عود نبات الدَّفْلَةِ في رحم المرأة وتحريكه بدقة وإبقائه في الداخل من أجل احداث رد فعل والتهاب لبطانة الرحم والتي تصبح غير قادرة على دعم بقاء الجنين وتطرحه للخارج.
أما أكثر الطرق الحديثة والمستعملة في المجتمع حاليًّا فهي تقوم على استعمال الأدوية أو التوجه إلى أطباء النساء والتوليد من أجل التخلص من هذا الحمل غير المرغوب فيه بطريقة لا قانونيّة ومن أكثر الأدوية استعمالًا ال syntocinon وهو ما يعادل هرمون الاوسيتوسين وكذلك سيتوتيك cytotec والذي يُستعمل أساسا لعلاج القرحة المعدية ولكنه يستعمل كذلك لأعراضه الجانبية على النساء الحوامل إذ يُسبب إجهاضهن -يخضع حاليًا لمراقبة الدولة الجزائرية ويمنع بيعه دون وصفة علاجية من عند طبيب.
وبسبب هذا التشديد تقوم العديد من السيدات والقادرات ماليا على السفر إلى بعض الدول من أجل الإجهاض ومثال ذلك، الجزائريات اللاتي يتوجهن لتونس التي شرعت الإجهاض الاختياري منذ سنوات عديدة، لإجراء العملية بمقابل مادي قد يصل إلى 300 € في عيادة مختصة ومراقبة من وزارة الصحة التونسية ومما ساعد على انتشار هذه الطريقة، سهولة دخول الجزائريين لتونس بدون تأشيرة، كما تتجه العديد منهنّ إلى فرنسا التي يسمح قانون الإجهاض فيها بالعملية للنساء الأجنبيات.
في مقال ل women’s health naturally والمعنون 18 طريقة طبية طبيعية لإجراء الإجهاض في بدايته ” 18 Natural Abortion Methods For Early Termination Of Pregnancy “، يقترح كاتب المقال عددًا من الطرق الطبيعية لإجراء الإجهاض منها استعمال الفيتامين C، الأسبرين، حبوب السمسم، مسهلات الأمعاء وحتى طرق تدليك. كما توفر منظمة نساء يساعدن نساء “women help women” موقعا إلكترونيًّا لنصح النساء غير القادرات على الوصول للإجهاض بخصوص كيفية ذلك وتسهيله لهن. كما يمكن العودة الى قسم:” تاريخ الإجهاض” من أجل الاطلاع على المزيد من الطرق التقليدية للإجهاض في العصور القديمة.
إن واقع منع الإجهاض الاختياري له أثر سلبي هائل على صحة النساء، وفي حالة ثبوت محاولة القيام به يمكن أن تتعرض المرأة ومن ساعدها لعقوبات قانونية.
يرجى عدم محاولة أي طريقة إجهاض تقليدية أو عند أشخاص غير متمكنّين.
شهادات نساء جزائريات قمن بالإجهاض الاختياري رغم منع القانون – l’avortement clandestin en Algérie
من أجل إثراء النقاش وتوسيع افاق اطلاعنا قمت بمحاولة إجراء بعض اللقاءات مع نساء جزائريات اخترن الإجهاض رغم منع القانون لذلك، وهذه بعض المقتطفات من مقابلاتي لهن.
ملاحظة: المقابلات هي عبارة عن تسجيلات صوتية ولا يمكن مشاركتها لأسباب أمنية. لقد تم تغيير الأسماء والمواقع لأسباب أمنية ايضا.
قصة شيماء.
سؤال: أهلًا شيماء، هل من الممكن أن نسمع قصتك مع الإجهاض؟ ما كانت أسبابك؟ وكيف فعلت ذلك؟
جواب: ككل الفتيات في عمري، كان عندي حبيب والذي أمضى معي سنوات فيها الجيد وفيها السيّء، بعد انتقالي للثانوية وبعد عام 2010 بدأنا نمارس الجنس كأيّ حبيبين عاديين بعد ذلك وقعت بالحمل، في بادئ الأمر لم أدري ما أفعل أو ما حصل فقد تأخرت عادتي الشهرية لما يقارب الشهرين وأنا تحت الضغط والقلق. في الأخير قررت سؤال صديقتي المقربة وإخبارها أن عادتي الشهرية قد تأخرت. كان أول اقتراح لصديقتي هو أن أستعمل اختبار الحمل المنزلي، وقد فعلت، الأول أتى بنتيجة إيجابية والثاني والثالث كذلك.
سؤال: هل أخبرت شيماء حبيبها بالخبر وكيف كانت ردة فعله؟
جواب: بالطبع فعلت. لكن رده لم يكن متوقعا، فقط شكك أن الطفل منه واتهمني بالخيانة لأني حامل ورفض مساعدتي.
سؤال: في غياب الدعم المالي والمعنوي من طرف حبيبك كيف استطعت التكفل بالمشكل؟
جواب: بالطبع لم يكن لي أيّ دخل مالي بحكم أني كنت فتاة ثانوية لا أزال أدرس ولا أملك أي مال (تجيب أخت شيماء التي كانت حاضرة خلال اللقاء: كيف تتوقع من فتاة في عمر الثامنة عشر أن يكون لها دخل مالي؟) لقد لَجَأْتُ إلى بيع مجوهراتي والاستلاف من أجل العلاج.
سؤال: كيف استطاعت شيماء معرفة إلى من تلجأ وماذا تفعل؟
جواب: في البداية بدأتُ بطرح الأسئلة على أختي عن حالات مشابهة لحالتي وكيف يمكن توفير الدواء، بعد البحث تعرفتُ على ممرضة تعمل على توليد النساء وهي أيضا زوجة طبيب تعمل في الإتجار بالسيتوتك – cytotec هو دواء يقصد به معالجة القرحة المعدية ويستعمل كذلك للإجهاض – لقد كانت عائلة كاملة تعمل على الإتجار بهذه المادة.
سؤال: كيف تقربتْ شيماء من هذه المرأة وكيف عاملَتها؟
جواب: تَقَرّبتُ منها على مستوى وحدة الولادة وأخبرتها حالتي وطلبت منها الدواء، تستطيع فعل أي شيء إن كنت تمتلك النقود. أعطتْنِي أربع حبات من الدواء بقيمة ثلاثين ألف دينار جزائري – أي ما يعادل 200 €.
سؤال: ألم تكن شيماء خائفة من المضاعفات ومن إمكانية حدوث نزيف أو التهاب يمكن أن يودي بحياتها؟
جواب: بالطبع ولكن تلك الممرضة شرحت لي كل ما سيحدث حتى أُجْهِض. وصراحة لم أكترث لأي من المضاعفات الممكن حدوثها وحتى موتي. لقد رغبت في التخلص منه وفقط. كلّما تفكرت في المضاعفات وتذكرت كيف سيعيش هذا الجنين الذي أحمله وألده في مجتمع مثل مجتمعنا دونَ أب أو كيف سأُعَامَلُ أنا كأم عزباءَ، نسيت تلك المضاعفات ورضيت باحتمال موتي لأُنقذَ حياتي ولكيلا أكون السبب في شقاء هذا الجنين إن عاش. لقد وزنت اختياراتي وحسبت المخاطر فكان الإقدام على هذه المخاطرة مع احتمال الموت أفضل من موتي أنا وقتلي لإنسان أحكم عليه بالشّقاء طوال الحياة، إن كان الناس من أب وأم وعائلة لا يُعاملون باحترام وإنسانية كيف سيعامل هذا الجنين وهو دون أب ويلقب باللقيط أو الطفل X؟
سؤال: هل حدثت لشيماء مضاعفات أثناء الإجهاض؟
جواب: قبل الاجهاض كنتُ أعاني من إحباط حادٍّ وقلقٍ شديدٍ، لم اذهب للدّراسة وتوقّفت، راودتني أفكارُ الانتحار ولم تُفارقني، وأثناء العملية نزفتُ بشكل رهيب ولمدة شهر كامل كل يوم وكان يمكن أن أموت، الألم، غياب الدعم، وكذلك الاثار الجانبية للدواء مثل الحساسية الجلدية وانخفاض ضغط الدم، كلها جعلت تجربتي مع الإجهاض رهيبة فعلا.
قصة رانيا.
سؤال: من هي رانيا؟
جواب: رانيا الان مهندسة دولة، امرأة مستقلة تتحكم في حياتها، تستمتع بالحياة وتعمل على تحقيق أحلامها والعمل على تطوير المجتمع. أنا فتاة عادية من العاصمة عشت قصة رهيبة لا أتمناها لأي إنسان حتى وإن كان عدوي. قصة تستحق أن تُنشر وتُفهم.
سؤال: هل يمكن لرانيا أن تحدثنا عن قصتها مع الإجهاض؟
جواب: بدأ الأمر مع تأخر عادتي الشهرية في بداية عام 2017. اختبارُ الحمل المنزلي الإيجابي واتصالٌ بصديقي الحميم لأزفّ إليه الخبر. بالطبع لم نكن متزوجين في ذلك الوقت.
سؤال: كيف كان رد فعل صديقك الحميم اتجاه هذا الخبر؟
جواب: لقد اقترَحَ عليَّ إيقاف الحمل وكنت موافقة على الفكرة. قال لي يوجد حلٌّ، والحل كان ال cytotec. اتصلتُ بإحدى الممرضات اللاتي كنت أعرف أنّهنّ يعملن في هذا المجال وطلبتُ المساعدة. اشتريتُ منها أربع حبات وذهبت للمنزل لتناولها. للأسف لم يكن لهن أيّ مفعول وكل ما سبَّبْنَ لي كان الألم والنزيفَ الحادَّ. أعدتُ الاتصال بالممرضة وأخبرتُها بما حدث من نزيف وطول مُدَّتِهِ وكيف أصبحت أتعفن من الداخل ويغمى علي في الأماكن العمومية وفقر الدم الذي أصبت له نتيجة النزيف، فاقترحت على جملة من الأدوية والمضادات الحيوية، وطلبت مني العودة للمزيد من السيتوتاك فذهبت إليها مرة أخرى واقتنيت أربع حبات من الدواء بسعر 30000 دينار كالمرة السابقة.
سؤال: هل كان المال عائقًا؟
جواب: صراحة؟ لا، فصديقي كان إنسانًا مترف الغنى ووقف معي ماديا – على الأقل في بادئ الأمر-خلال العملية. ولكن بالطبع هذا الترف بشكل ما لم يبعد عنى الألم والمعاناة. أتذكر أني تناولت أكثر من 30 حبة دواء دون فائدة بقيمة إجمالية تتجاوز 220000 دينار (اثنان وعشرون مليون سنتيم أو ما يعادل ما قيمته أكثر من 1000€). هذا ما دفعني إلى الاتصال بصديقي الحميم وإخباره بما حدث وبضرورة إيجاد حل سريعًا وهذا ما جعلنا نتصل بممرضة أخرى والتي التقيتها في منزل صديقي لكي تساعدني على الخروج من هذا الوضع.
عند وصولها اقترحت أن نزور طبيبة أخصائية في توليد النساء وأن نمثل دور الأم وابنتها. عند دخولنا إلى العيادة والتي كانت ممتلئة عن آخرها بالإضافة إلى صف طويل من السيارات التي تحمل المزيد من المرضى أمام الباب. ودون علم الطبيبة بأني في خِضَمِّ عمليّة إجهاض اختياري أعلمتني بأن الجنين قد مات وهو الان لا يزال في رحمي وأنه يجب على انتظار نزوله لوحده.
عدنا إلى البيت وباشرنا تلك السلسلة من تناول الدواء وشرب الأعشاب وحقن الأوسيتوسين ocytocine التي لم أعرف ماهي وماذا تفعل ولكني تناولتها على أي حال من أجل التخلص من ذلك الجنين الذي بدأ في التعفن داخلي. لقد استمر عذابي يومًا كاملًا ولكن دون جدوى. بعد ذلك، وفي يأس اتصلت بأحد أصدقائي المقربين والذي يدرس طب وأخبرته بالقصة فاقترح على الذهاب لفرنسا وإكمال الإجهاض في الخارج في شروط سليمة لعلمه أن القانون الفرنسي يسمح بذلك ولواقع امتلاك صديقي الحميم للجنسية الجزائرية والفرنسية أو التوجه لتركيا أو تونس في أسرع وقت إن كان هناك مشكل مع التأشيرة لفرنسا. فكرت فيما اقترح علي صديقي واقتراحه أن يرافقني ويدعمني وقررت التوجه لتونس، لقد ذهبت لوحدي، لأني في تلك الفترة ابتعدت شيئًا ما عن صديقي الحميم الذي بدأ يتملص من المشكلة ولأني لم أرد أن أكلف صديقي لامتحاناته ودروسه من أجلي. اتصلت بعيادة في تونس ورويت لهم القصة فرحبوا بي وحجزوا لي مكانا في العيادة ويومين في فندق حتى أرتاح قليلا، دفع لي صديقي الحميم تكاليف الرحلة والعلاج في العيادة الذي كلفني لوحده 300€.
سؤال: كيف كانت معاملة الطاقم الطبي لك في تونس؟
جواب: لقد كانت معاملة رائعة ومليئة بالدعم، في وقت كنت فعلا أحتاجها. عاتبتني الطبيبة على تركي للأمور هكذا حتى ساءت لدرجة كبيرة وانتقل التعفن أكثر خلال جسمي وتفاجأت عندما أخبرتها أن الإجهاض الاختياري وتحت المراقبة الطبية في الجزائر غير قانوني. أُجريَت لي عملية تحت تخدير كامل ووصفت لي الطبيبة جملة من الأدوية، المضادات الحيوية والمقويات. وبعد يومي راحة في الفندق عدت إلى المنزل. وأخبرتني أنه إن أتيت مبكرا لما بقيت تلك المدة هناك وكان من الممكن أن أوقف الحمل وأعود إلى بيتي في نفس اليوم.
الإجهاض حول العالم
تختلف القوانين بخصوص الإجهاض باختلاف المكان ، فمنها من يمنعه حتى لأسباب طبية و منها من يُقرّه شرعًا لأي سبب كان، يمكن للناطقين بالفرنسية الاعتماد على هذا الفيديو الذي يتحدث عن الاجهاض حول العالم L’avortement dans le monde .أو قراءة التقارير التي اعتمدتها صاحبة المقال لإعداده (هنا), أما للناطقين باللغة الإنجليزية نهديكم هذا المقال لجريدة the guardian والذي يتحدث عن الإجهاض حول العالم الذي يحمل عنوان: Abortion laws around the world: from bans to easy access
مثلا
في بعض البلدان اللاتينية مثل السلفادور والتشيلي فالإجهاض مرفوض لأي سبب كان، حتى وإن كانت صحة المرأة في خطر أو الجنين مشوه لدرجة تمنعه من العيش أو تَحدُ من قدراته بشكل كبير أو حتى في حالة حدوث حمل بعد اغتصاب ويعاقب القانون النساء اللاتي يجرين الإجهاض أو يُشتَبه فيهن بمدة سجن قد تصل إلى 40 عام. في مقال لمنظمة العفو الدولية amnesty تم سجن ناجية من عملية اغتصاب لمدة 30 عاما لأنها حاولت الإجهاض كما تم إجبار فتاة في عمر العاشرة على إتمام حملها بعد أن اغتصبها أبوها.
الوضع في الولايات الأمريكية المتحدة يختلف باختلاف الولايات ولكنه أساسًا حق دستوري منذ أكثر من 40 سنة، فنجد أن الولايات المحافظة تجرّب تشريع تقييدات قانونية وطبية على عيادات الإجهاض بغية تقليل نشاطها والتصعيب من الوصول إليها وهذا ما سبب زيادة في نسبة وفيات النساء الحوامل وهن يحاولن الإجهاض بالمقارنة مع الولايات الأخرى.
في المنطقة المغاربية والأفريقية توجد دولتان فقط تشرعان الإجهاض بشكل أوسع من البقية، هما تونس وجنوب أفريقيا، وكنتيجة لذلك تتمتع القارة الأفريقية بأكبر عدد لحالات الوفيات نتيجة عمليات الإجهاض الغير الامن والتي وصلت حسب تصريح Lucy Asuagbor المسؤولة عن شؤون المرأة في الهيئة الإفريقية لحقوق الأنسان Commission africaine pour les droits de l’homme et des peuples في 18 فيفري 2016 إلى 29000 حالة وفاة.
وتحصي الجزائر التي تتميز بأكثر القوانين المتشددة فيما يخص الإجهاض من 200 إلى 300 حالة إجهاض غير قانوني معلن عنها في العام، ولحسن الحظ تشرعه لأسباب صحية من أجل حماية حياة الأم، وتم طرح مشروع قانون صحة جديد سنة 2017 يسمح بالإجهاض في حالة ثبوت وجود خطر على الصحة الفيزيائيّة والسيكولوجيّة للمرأة ولكنه قُوبِلَ بالرفض والاستهجان من طرف الشارع الجزائري والهيئات الدينية للبلاد.
أما في المغرب فإن لائحة الأسباب التي تغفر الإجهاض في عين القانون فهي أكثر توسعا من بعض الدول في المنطقة وتشمل حالات الاغتصاب وسفاح القربى. وتُعيب عليها الهيئات العالمية ومنظمات حقوق المرأة الإبقاء على شرط موافقة الزوج من أجل إيقاف الحمل.
أما في القارة الاسيوية فلعل أكثر البلدان التي تجذب الانتباه فيما يخص الإجهاض، هي الهند والتي وبالرغم من مشروعية الإجهاض فيها إلا ان نسبة إيقاف الحمل بطرق تقليدية لا تزال مرتفعة وخاصة في المناطق الريفية والفقيرة. كما نلاحظ أن جل عمليات الإجهاض تكون في حق الأجنة من جنس أنثى وذلك لاعتبارات ثقافية واقتصادية.
توصيات وأراء الجمعيات الطبية والعلمية بخصوص الاجهاض
“إن الإجهاض غير القانوني (سواء بطرق تقليدية أو عند أناس غير مؤهلين) هو من أكثر العوامل المؤثرة سلباً على صحة المرأة و حقوق الانسان” يصرح Mahmoud F Fathalla و Rebecca J Cook في تقريرهما حول التوصيات الواجب اتخاذها فيما يخص الإجهاض و المُوجه لمنظمة الصحة العالمية عام 2012. ويضيف التقرير، في الوقت الراهن نقدر أنه يوجد أكثر من 22 مليون عملية إجهاض غير آمنة في العالم سنويا، وحوالي 47000 امرأة تموت كل عام وتعاني 5 ملايين اخريات من إعاقات وعاهات دائمة في محاولتهن لإيقاف حملهن. إن الحرية في الوصول إلى عمليات الإجهاض الاختيارية والمقننة يمكن أن يمنع كل حالة وفاة أو إعاقة من الحالات السابقة.
تاريخيًا لجأت النساء لعمليات الإجهاض كوسائل لتحديد النسل والتحكم فيه، أما في الوقت الحاضر وبتوفر وسائل منع الحمل حول العالم فنلاحظ انخفاض نسبة الإجهاض كوسيلة لتحديد النسل بشكل كبير، إلا أن هذا لا يعد بأي شكل سببا لمنع الإجهاض الاختياري بصورة جذرية، ففي نتائج تقرير لهيئة الصحة العالمية عام 2007 يوجد حوالي 33 مليون حمل بالرغم من الاستعمال المضبوط والمراقب لوسائل الحمل المتنوعة والتي تتميز بدرجة حمائية تختلف من أسلوب للآخر، فمثلا في حالة الواقي الذكري تتراوح نسبة فشله بين 1-2 %.
إن مسألة توفير إجهاض امن للراغبات في ذلك ليس فقط مشكل صحة عمومي فقط، وإنما مسالة حقوق إنسان كذلك، فدول العالم ملزمة دستوريا ومن خلال معاهدات حقوق الإنسان التي وقعت عليها أن توفر شروط رعاية صحية لجميع مواطنيها دون تمييز. في تصريح مشترك عام 1999 يؤكد التجمع العام لهيئة الامم المتحدة United Nations General Assembly على ضرورة توفير جو مناسب وآمن لعمليات الإجهاض في ظل القانون. في المقابل، في الدول المانعة أو المعيقة للإجهاض، تبقى مسألة رفاهية إيقاف الحمل في ظروف آمنة حكرا على الطبقة الغنية دون الفقيرة والتي تلجأ لوسائل تقليدية وخطيرة في أغلب الأحيان.
أما في ورقة بحث قدمت لمؤتمر 15-18 مارس 1998 الدولي حول الصحة والإنجاب ببومباي الهند International Conference on Reproductive Health والتي شاركت فيه العديد من المنظمات التابعة لهيئة الأمم المتحدة منها، UNDP، UNFPA، WHO إضافة الى البنك العالمي والعديد من الأجهزة الحكومية الهندية المختصة في المجال. تم تقديم التالي:
إن الحق في الإنجاب يعني أن للمرأة الحق في الاختيار إن كانت تريد الإنجاب أم لا، الحق في إكمال الحمل أو إيقافه، وكذلك الحق في اختيار وسيلة تحديد النسل التي تراها ملائمة لها. بالإضافة إلى أن الحق في تعليم ملائم وتوفير المعلومات بخصوص التنظيم العائلي لهو المفتاح الأساسي لصحة المرأة الجنسية وواجب دولي، خاصة في ظل ارتفاع أعداد المضاعفات التي تنجر عن عمليات الإجهاض غير الآمنة في البلدان المانعة له. لذلك فإن توفير أساليب منع الحمل والتوعية الجنسية للجميع لشيء واجب، خاصة في الدول التي تمنع الإجهاض.
في تقرير لمؤسسة GUTTMACHER تحت عنوان “Access to Safe Abortion in the Developing World: Saving Lives While Advancing Rights الحق في الوصول لإجهاض امن في البلدان السائرة في طريق النمو: إنقاذ للأرواح وتقدم للحقوق ” تناقش الكاتبة Susan A. Cohen الفعالية الصحية للإجهاض القانوني وغير القانوني في مختلف الدول وتكتب:
في بعض الدول المقننة للإجهاض، لا يزال شبح الإيقاف غير الآمن للحمل منتشرًا – في الهند على سبيل المثال-لأن العديد من النساء لا يزلن غير واعيات بحقوقهن أو لا يستطعن تخطي بعض الحواجز الثقافية، المالية أو الجيوغرافية للحصول على خدمات صحية آمنة. إلا أن هذه النتيجة لا تنفي إطلاقا أن المناطق المانعة للإجهاض تتميز بأكبر نسبة لحالات الإجهاض غير الآمنة وذلك لانتشار شبكاته غير القانونية والتي تكون في الغالب خطيرة. وأنه في المناطق المقننة للحق في الإجهاض يكون هذا الأخير في أغلب الحالات امناً.
جنوب إفريقيا والتي شرعت الإجهاض عام 1997 هي مثال حي عن الفرق الإيجابي الذي يمكن أن يتسبب فيه تشريع الإجهاض الاختياري، كما توضح أن التشريعات وحدها غير كافية لحل المشاكل المتعلقة بهذه المسألة، وأن خطوات إضافية يجب أن تتخذ، مثل تدريب الطقم الطبية، توفير البنى التحتية لذلك وتوفير التوعية الصحية والجنسية. ولكن وبالرغم من تقنين الإجهاض تحت شروط غير مُستَكمَلَة ومراعية لمعايير الصحة العالمية إلا أن نسبة الوفيات المتعلقة بالإجهاض في جنوب افريقيا انخفضت بنسبة 90% في السنوات التي تلت هذا التشريع.
في المناطق التي فيها يكون الإجهاض قانوني، آمن، وفي متناول اليد بالإضافة إلى سقوط الحواجز الثقافية المانعة له فإن جملة التعقيدات المرتبطة بالإجهاض تنخفض بشكل كبير وملحوظ. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية يبقى الإجهاض الغير الامن واحد من أكثر الأسباب التي تزيد من نسبة الوفيات عند النساء الحوامل حيث تثبت النسبة في حدود 13 % من إجمالي حالات الوفاة والتي تحدث أغلبها في مناطق مانعة أو مقيدة للإيقاف الاختياري للحمل.
من البديهي أن نسبة الخطر جرَّاء عمليات الإجهاض غير الآمن يمكن تخفيضها من خلال التكفل الملائم بالنساء اللاتي مارسْنَه أو من خلال جعله أكثر سهولة وذلك بتشريعه. بالإضافة إلى التقليل من نسبة الحمل الغير مرغوب والغير مخطط به من خلال توفير وسائل الحمل، التعليم وتوفير المعلومات اللازمة لذلك والاستثمار في المناهج الدراسية للتوعية الجنسية. أما بخصوص تلك العمليات التي ستبقى لازمة، فيجب أن تتمّ في ظروف صحية ملائمة وعلى الحكومات أن ترفع كافة التشديدات على الإجهاض وتشرعه بغيت توفير خدمات صحية ضرورية وتتفادى تبعات التعنت في منع الإجهاض وترقية حقوق الانسان في تلك المناطق وهذا ما يؤكده ويقره تقرير هيئة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لعام 2011 ومنظمة الصحة العالمية عام 2011 و2012.
أناند غروفر – Anand Grover محامي حقوق إنسان هندي ومستشار لهيئة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وناشط في مجال الصحة في الهند يستخلص في ورقة بحثه لعام 2011 قائلا:” عندما يُستعمل القانون الجنائي من طرف الدولة لتعديد سلوكيات وقرارات الناس فيما يخص حقوقهم الجنسية وحقوقهم في الإنجاب، فإن الحكومات تبدل إرادة الناس بإرادتها الخاصة”، ويضيف : ” إن التدخل في قرارات الأفراد الجنسية، يرجع برد فعل سلبي على الصحة، ويتداخل مع الكرامة الإنسانية للأفراد… إن احترام الكرامة الإنسانية لشيء رئيسي في كل التشريعات والقوانين الإنسانية، وهي كرامة تلزم أن للأفراد كامل الحرية في تقرير مصائرهم بدون تدخل للدولة خاصة في مسائل حميمية مثل الحق في الإنجاب والحق في التمتع بحياة جنسية”. أما تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2012 فهو يحث صناع القرار على التطور والحفاظ على صحة النساء بالإضافة لكرامتهن الانسانية.
في تقرير ل Department of Reproductive Health and Research التابعة ل World Health Organization توجد فقرة مطولة تتحدث عن الكلفة الاقتصادية لعدم تشريع الإيقاف الاختياري للحمل وتقنينه.
إن العلاجات المرافقة لمضاعفات الإجهاض غير الآمن تثقل عاتق دول العالم الثالث. ومنطقيا ومن خلال التّجارب العالمية العديدة فإن ضمان قاعدة صحية وقانونية لتوفير عمليات إيقاف الحمل الغير مرغوب فيه يقلل بشكل هائل تلك التكلفة. في بعض الدول ذات الدخل الاقتصادي المنخفض أو المتوسط يذهب حوالي 50% من الميزانية المخصصة لمستشفيات أمراض النساء ومتابعة الحمل للتكفل الصحي بمضاعفات عمليات الإجهاض الغير امنة.
في مراجعة ل 569 تقرير طبي للمستشفيات العمومية في مصر لمدة شهر واحد لوحظ أن حوالي 20% من إجمالي 22656 دخول للمستشفيات “شعبة امراض النساء والحمل” كانت لمعالجة مضاعفات عمليات الإجهاض الغير قانوني. الكلفة الصحية للتكفل بمضاعفات الاجهاض الغير الامن تتضمن عمليات نقل الدم، العمليات الجراحية، الوسائل والأدوات، كلفة العمال في القطاع الصحي … وغيره، مثلا في تانزانيا يستهلك علاج مضاعفات عملية الإجهاض عند امرأة واحدة سبع مرات الميزانية المخصصة من وزارة الصحة لعلاج شخص واحد. وفي دراسة تابعة لوزارة الصحة الأوغندية وجد أن كلفة إجهاض غير آمن واحد تمثل 10 عمليات إجهاض آمنة في مؤسسات الدولة.
في دراسة نيجيريّة عام 2002 قدرت التكلفة السنوية لعلاج مضاعفات الإجهاض بين 7-11 مليون دولار أمريكي، وفي دراسة أخرى تابعة لجنوب إفريقيا عام 1997 تم تقدير التكلفة السنوية الناتجة عن عمليات الإجهاض غير الآمن ب 1-4 مليون دولار. هذا دون التذكير أن الدول الفقيرة اقتصاديا لا تخسر فقط من المؤسسات الصحية بل أيضا من استثمار أموال إضافية لمعاقبة السيدات اللاتي اخترن الإجهاض وبذلك تحرك قوى أمنية وتشريعية كبيرة ضد ما يمكن أن يصف بحق أساسي من حقوق الإنسان.
ملاحظة : هذا المقال علمي بالدرجة الاولی و ليس للحث علی الاجهاض الا فيما تسمح به القوانين.
إعداد: زكريا فرطاس
تدقيق لغوي: زهير خساني
مراجعة علمية: عماد.ب
مراجعة قانونية: طاهر دعاس
المصادر:
1
http://science.sciencemag.org/
Abortion and the limitations of science AMERICAN ASSOCIATION FOR THE ADVANCEMENT OF SCIENCE by: PHILIP H. ABELSON . 17 July 1981, Volume 213, Number 4505
2
DICTIONNAIRE ILLUSTRE DES TERMES DE MEDECINES 30e Édition GARNIER DELAMARE.
3
Coures 5eme année médecine faculté de médecine- Sétif. Avortements spontanés à répétition Dr. CHOUALI Leila maitre assistante en gynécologie obstétrique. Hôpital mère et enfant CHU sétif – Algérie.
4
Coures 5eme année médecine faculté de médecine- Sétif. Cycle ovarien / fécondation migration et nidation par : Dr. N. FELOUSSIA médecin spécialiste en gynécologie.
5
H Fernandez. Fausses couches à répétition،Encycl Méd Chir (Elsevier, Paris), AKOS Encyclopédie Pratique de Médecine, 3-1320, 1998, p.2
6
Interruption volontaire de grossesse. Dr Clouet-Delannoy. Fédération de Gynécologie-Obstétrique CHU Paule de Viguier
7
making abortions safe: a matter of good public health policy and practice 2000. Article of the world Heath organisation
8
H Fernandez. Fausses couches à répétitionEncycl Méd Chir (Elsevier, Paris), AKOS Encyclopédie Pratique de Médecine, 3-1320, 1998, p.2
9
Association Nationale des Centres d’Interruption de Grossesse et de Contraception: www.ancic.asso.fr
10
Brunerie-Kauffmann J. Interruption volontaire de grossesse. EMC (Elsevier SAS, Paris), Traité de Médecine .Akos, 3-1370, 2005.
11
Interruption Volontaire de Grossesse (IVG) Collège National des Gynécologues et Obstétriciens Français (CNGOF). 2010-2011 – Université Médicale Virtuelle Francophone.
12
Interruption volontaire de grossesse La reference iKB gynecologie obstetrique par: Pr. Blandine COURBIERE et Pr. Xavier CARCOPINO edition 2017 page:323-334
13
http://www.assemblee-nationale.fr/histoire/interruption/simone_veil_tribune-1.asp
14
https://www.theguardian.com/science/blog/2015/aug/12/five-main-anti-abortion-arguments-examined
15
https://www.smithsonianmag.com/health-medicine/science-behind-abortion-pill-180963762/
16
http://consult.womenhelp.org/en/page/416416/using-misoprostol-for-safe-abortion-in-the-usa
17
http://womens-health-naturally.com/natural-abortion-methods/
18
https://www.youtube.com/watch?v=vWKqeJxzeBc
19
http://deboutcongolaises.org/wp-content/uploads/2017/07/Avortement-san-srisques.pdf
20
21
http://www.who.int/bulletin/volumes/90/9/12-107144/en/
22
https://www.annualreviews.org/doi/pdf/10.1146/annurev.pu.04.050183.001255
23
24
https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0968808014437881
25
26
Anatomie clinique par: Pierre KAMINA professeur émérite d’anatomie Université de Poitiers 4eme Édition, partie: développement des organes génitaux externes
27
https://edition.cnn.com/2015/11/30/us/anti-abortion-violence/index.html
28
https://www.nytimes.com/interactive/2015/11/29/us/30abortion-clinic-violence.html
29
https://www.youtube.com/watch?v=AnnDvw0M7tU
30
https://docs.google.com/document/d/1-rOR1-wsjDCZz7MAFzj0aEFTbeqeb7zrZg0At3aeAOI/edit#
31
32
33
34
WHO Department of Reproductive Health and Research: a pre-print copy of a paper published in the journal The Lancet : Unsafe abortion: the preventable pandemic. The Lancet Sexual and Reproductive Health Series, October 2006
35
36
http://www.un.org/womenwatch/daw/csw/shalev.htm
37