في الأمر الواقع، يلعب الذّكاء الاصطناعيّ دوراً كبيراً في اتخاذ القرارات في حياة إنسان اليوم، من مساعدة الشّركات على تحديد الشّخص الذي توظِّفه، إلى تقييمٍ للأساتذة. لكن ما القرار العادل؟ سؤالٌ بسيط، و لكنّه سؤالٌ بدون أجوبةٍ سهلة، وهذا عملياً صحيحٌ في عالم الذّكاء الاصطناعي، حيث وجود آلة تتميّز بالذَّكاء وانعدامُ المشاعر وتتّخذ قراراتٍ بشكلٍ مثالي، هو أمر بدأ يتداعى!
ربما بدأ هذا الأمر في عام 2016، أين انتهى تحقيقٌ إلى استخلاص أنّ المعلومات التي تقود برنامجاً للذكاء الاصطناعي (COMPAS) -يستعمله القُضاة لتقرير إذا ما كان للمجرم قابليّةٌ لارتكاب جرائم أخرى مجدّداً- وُجِدَ أنه مُنحازٌ ضد الأقليّات! صحيح أن الشّركة (Northpointe) التي قامت بصنع الخوارزمية قامت بالرّد، ولكن هذه التحاليل، النقاشات والرّدود من الطّرفين أفرزت إشكاليّة: كم يمكن أن تكون حتى أذكى الآلات محلّا للثّقة في اتخاذ القرارات؟ “هو موضوعٌ ساخن للغاية-كيف يمكنك صنع خوارزميّات مُنصفة ومحلّ ثقة؟” يقول دانيال نيل (Daniel Neill): ”هي مشكلةٌ مهمّة.” بين هذا الأخذ والرّد، يجد نيل نفسه وسط النّقاش، وهو عالم كمبيوتراتٍ في جامعة كارنيجي ميلون، حيث قام رفقة باحثٍ آخر، ويل غور (Will Gorr)، قبل سنواتٍ بتطوير أداةٍ برمجيّةٍ لتوقّع الإجرام تسمى CrimeScan.
فكرتهم الأصليّة هي أنه، في حالات ما، جرائم العنف تكون مثل مرضٍ معدي، وأنّها تميل للخروج في عناقيد جغرافية. كما يعتقدون أيضاً أن جرائم أقلّ يمكنها أن تكون نذيرة لجرائم عنف أكثر. لذلك قاموا ببناء خوارزمية مستعملين نطاقا كبيرا وواسعا من ”المؤشّرات الرئيسية”، التي تتضمّن تقرير جرائم، مثل الاعتداءات البسيطة، التّخريب والسلوكيات غير المنضبطة، اتصالات الطوارئ 911 عن مثل هذه الأمور كإطلاق ناري أو شخص تمت رؤيته حاملا لسلاح. يدمج البرنامج أيضاً ويأخذُ بالحسبان تغيّرات المواسم وأيام الأسبوع، بالإضافة إلى معدّلات الجرائم العنيفة الحقيقيّة على المدى القصير والطويل. يمكننا تلخيص الفكرة في أنها تُعقّب للشرارة قبل أن يندلع الحريق. يقول نيل بهذا الصدد:” اعتداءات بسيطة يمكنها أن تتطور إلى اعتداءاتٍ شديدة، أو قد يصبح لديك نمط متصاعد من العنف بين عصابتين.”
يُذكر أن هذا ليس أول برنامج فيما يسمى بـ ”الشرطة التنبئية”، حيث قبل 8 سنواتٍ، تم صنع برنامج يسمى PredPol من طرف علماء يعملون مع شرطة لوس أنجلس، بهدف رؤية كيف يمكن أن يساعد التحليل العلمي لبيانات الجريمة في تحديد أنماط السلوك الإجرامي. يستخدمه الآن أكثر من 60 إدارة شرطة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث يقوم بتحديد المناطق أين من المرجح أن تحدث فيها جرائم خطيرة خلال فترة معينة.
كِلا البرنامجين CrimeScan و PredPol يَحُدّ إسقاطات توقعاته في المكان الذي من الممكن أن تحدث فيه جرائم فقط، ويبتعد عن أخذ الخطوة الموالية في توقع من قد يرتكبهم. ولا بد هنا للإشارة إلى مقاربةٍ مثيرةٍ للجدل، حيث قامت مدينة شيكاغو بوضع لائحة من الأشخاص الذين من المرجح أن يكونوا متورطين في عمليات إطلاق النار في المستقبل، إما بمثابة مطلق النار أو الضحية.يقول نيل:” لا أستطيع القول أننا أحرارٌ من الانحياز، و لكنه بالتأكيد أكثرُ انخفاضاً مما لو كنا نحاول التنبؤ بحيازة المخدرات مثلا.”
في ظلّ النّقاش الحادّ حول ما إذا كان بإمكاننا أن نثق في آلة لاتّخاذ القرارات، خاصّة في ميادين حسّاسة كعالم الإجرام، بين من يُؤيّد ويعارض و بين من يرجّح ويعتقد أنّها على الأقل ستكون وسيلة مساعدة لاتخاذ القرارات بالنسبة للشرطة والقضاة.ربما يوما ما سنحصل على آلة ذكيّة يمكنها أن تتوقع بدقة عالية الإجرام كما شاهدنا ذلك في البرنامج التلفزي Person of interest.
تدقيق لغوي: جيلالي زرّوخي