يلعب التقمّص العاطفي دوراً حيوياً في تفاعلاتنا اليوميَّة، رغم أنَّنا نادرًا ما نُفكر بذلك.
للتّعاطف أو التقمّص العاطفي عدَّة مفاهيم وتعريفات، لكنَّ المفهوم الأكثر شيوعاً هو أنَّ التعاطف يعني القُدرة على فهم أو الشعور بما يُحسُّه الآخرون (سواءاً كان الآخر إنسانًا أو حيوانا ) من وجهة نظره الخاصَّة، وهو أيضا قُدرتكَ على وضع نفسك محلَّ شخص آخر واستيعاب ما يواجهه، بطبيعة الحال لا يتمتّع الجميع بهذه المهارة أو المقدرة.
إنَّ أكثر الطرق استخدامًا لقياس تعاطف شخصٍ ما هي ما يسمى ب (Empathy Quotient (EQ “حاصل التعاطف” والذي يمكن اعتباره النّظير العاطفي لمعدل الذكاء IQ.
ينقسم التّعاطف عادة إلى قسمين :
- أولاً: القدرة على التعرُّف على حالة الشخص وفهمها، أو ما يُعرف بالتعاطف المعرفي.
- ثانيا: القدرة على الاستجابة لهذه الحالة بالشكل المناسب، أو ما يُعرف بالتعاطف العاطفي.
يقيس ال EQ مجموع هذين الجزأين.
تمَّت دراسة التعاطف أو التقمص العاطفي من عدَّة زوايا، لكن وبغضِّ النظر عن الطريقة التي اتبعها العلماء لدراسته،كانت التربية دائما الجزء المركزي والأهم. تشير دراسة جديدة اليوم قادها علماء من جامعة كامبريدج، معهد باستور بجامعة ديديروت (باريس)، شركة CNRS وشركة 23andMe لعلم الوراثة إلى أنَّ العامل الوراثي قد يلعب دوراً أيضا، وإن كان صغيرًا في التقمّص العاطفي.
قام الباحثون خلال إعدادهم لهذه الدراسة، بمعاينة بيانات أزيد من 46 ألف زبون لدى شركة 23andMe، ووجدوا أنَّنا نكتسب عُشرا من تعاطفنا من عوامل وراثيَّة.
فارون وارير، المؤلف الرّئيسي للدّراسة يقول: “هذه خطوة مهمَّة لفهم الدّور الصغير والمهم الذي تلعبه الوراثة في التقمّص العاطفي، لكن يجب أن نضع في الاعتبار أن عُشر الاختلافات الفرديَّة في التعاطف بين الاشحاص فقط ما يرجع إلى علم الوراثة، سيكون مُهما أيضا فهم العوامل اللّاوراثية التي تفسر ال 90 بالمائة الباقية.
كما أكد الفريق الباحث ما سبق ذِكره في دراسات سابقة على أنَّ النّساء في المتوسط أكثر تعاطفًا من الرّجال، إلا أنَّ هذا الاختلاف ليس وراثيا، وبدلا من ذلك، يمكن تفسير هذا الاختلاف إمَّا بالفوارق البيولوجيَّة بين الجنسين (كتأثير الهرمونات قبل الولادة ) أو العوامل الغير بيولوجيَّة (كالتنشئة الاجتماعيَّة ) وكلاهما يختلف حسب الجنسين أيضا.
يضيف البروفيسور توماس بورجيرون وهو أحد المشاركين في الدراسة: “توضح هذه الدراسة الجديدة دور الجينات في التعاطف، لكنَّنا لِحد الآن لم نحدِّد بعد الجينات المعنيَّة، خطوتنا التالية هي جمع أكبر قدر من العينات لتكرار هذه النتائج، وتحديد المسارات البيولوجيَّة الدقيقة المرتبطة” .
كان الباحثون مهتمين أيضا بكيفيَّة ارتباط هذه الاختلافات الجينيَّة بالتوحُّد، ووجد الباحثون أن الأشخاص المصابين بالتوحد يسجِّلون، في المتوسط، انخفاضا كبيرا في EQ حتى لو كان تعاطفهم العاطفي سليما، فإنَّهم غالبا ما يصارعون التعاطف المعرفي، بمعنى آخر، يمكنهم التفاعل مع العواطف بشكل صحيح إذا تعرَّفوا عليهم، لكن الأمر يشكل في الغالب تحديًّا لهم.
البروفيسور سايمون بارون كوهين، أحد أعضاء الفريق المعِدْ للدراسة، علَّق قائلا: “إنَّ العثور على جزء بسيط من سبب اختلافنا في التعاطف يرجع إلى العوامل الوراثيَّة التي تساعدنا على فهم الأشخاص مثل المصابين بالتوحد، والذين يكافحون لتخيُّل مشاعر أشخاص أُخَر وهو ما بإمكانه التسبب في تفاقم إصابتهم بدرجة لا تقل صعوبة عن غيرها من الإعاقات الأخرى على غرار عسر القراءة أو ضعف البصر، نحن كمجتمع نحتاج إلى دعم الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصَّة مع أساليب تدريس جديدة أو عمل يناسب وضعباتهم أو القيام بتعديلات لتعزيز اندماحهم في المجتمع “.
يأمل الباحثون أن تساعد هذه النتائج الجديدة في تطوير أساليب أفضل للتعامل مع التّوحد، ومع ذلك، لا يبدو أنَّه هنالك رصاصة فضيَّة، فالاختلافات من شخص لآخر كثيرة حتى يتمكن الباحثون من تطوير نهج واحد مناسب لعلاج الجميع وتسهيل اند ماجهم.
إذا كنت مهتما بتعاطفك الخاص، قام الباحثون في مركز أبحاث التوحد( وهو مكان عمل الفريق المعِدِّ للدراسة ) بتطوير العديد من الإختبارات المتعلِّقة بالذكاء العاطفي والتّعاطف، يمكنك تجربتها من هنا
تدقيق لغوي: جيلالي زروخي
المصدر: هنا