هل تتحكّم مواقع التواصل الاجتماعي بعقولنا؟
كيف يمكننا عيش الحياة التي نريد –حرية وخصوصية– واتخاذ القرارات متجنّبين كلّ تلاعبات وتأثيرات الآخرين علينا؟
لفعل ذلك، يجب أن نتعلّم كيف “نعرف أنفسنا” كما قال أحد الحكماء القدامى، وللأسف نحن جدّ سيّؤون في ذلك.
هل يمكن أن يعرفك الآخرون أكثر من معرفتك بنفسك!
مع تطوّر التكنولوجيا وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، يتمّ معرفتك بشكلٍ جيّد؛ ذكاؤك، توجّهاتك السياسية، توجّهاتك الجنسية، بل وأكثر من ذلك. حيث يمكن لحواسيب باستخدام خوارزميات معرفتها انطلاقًا من اعجاباتك على الفيسبوك مثلا. باستعمال بيانات بصمتك الرقمية digital footprint يمكن للحواسيب أن تكون أفضل حكمًا لشخصيتك، أكثر حتى من أصدقائك وعائلتك. وسيتمكّن قريبًا الذكاء الاصطناعي قريبًا من معرفتك بشكلٍ أكبر باستخدام بياناتك على مواقع التواصل الاجتماعي، وسيكون أكبر تحدٍّ في القرن 21: هو كيف تعيش حين يكون الآخرون على معرفة بك أكثر من نفسك!
إلى أيّ حد تتمتّع بحرية اتخاذ القرارات في الوقت الحالي؟!
توجد شركات مكرّسة لمراقبة أفعالك واهتماماتك على الأنترنت وبيعها لجهاتٍ أخرى. وأفضل طعمٍ لذلك هي مواقع التواصل الاجتماعي. نعم، تلك المواقع التي قرّبتنا من بعضنا البعض وجعلتنا كأنّنا في مخيّمٍ صيفيّ نتشارك فيه اهتماماتنا وانسانيتنا مع الآخرين أهمّها: الفيسبوك، الانستغرام والتويتر. وللأسف، لكلّ فائدة مقابل، لذلك كلّ من يهتمّ بخصوصيته يجب عليه أن يقرّر إن كانت هذه المواقع تستحق المقابل الذي يدفعه لأجلها. ويجب أن يتّخذه بحرية. ولكن، هل يمكن أن يتحقّق؟ علمًا أنّها قد تكون مثيرة للادمان؟
في نقاشٍ مع شون باركر Sean Parker –أول رئيس للفيسبوك– حول كيف تحوّلت فكرة بناء شبكة الفيسبوك إلى واقع، وصفها أنّها:
”كلّ شيء يتعلّق بكيف نستغلّ وقتك ووعيك قدر الامكان… ”.
ولفعل ذلك، يجب اِعطاء المستخدم:
”جرعة من الدوبامين كل مرة يقوم شخص ما بالاعجاب او التعليق على صورة او منشور له … و ذلك سيأدي به للمشاركة أكثر”.
وواصل قوله:
“ذلك بالضبط نوعٌ ممّا يحبّه الهاكرز -مثلي- ليجد كيفية استغلال نقاط الضعف النفسية .. المكتشف، المبتكر، إنّه أنا، إنّه مارك زيكربيرغ .. علمنا ذلك مسبقًا .. وفعلناها على كلّ حال”.
الاحتياجات البشرية تخلق نقاط ضعفٍ لها
فيما تتمثّل نقاط الضعف هذه؟
نحن كبشر نمتلك حاجة أساسية للانتماء ورغبة أساسية في تحسين نظرة الآخرين إلينا. ونتيجةً لذلك، تعامِل عقولنا أيّ معلومة عن أنفسنا على أنّها مكافئة. وعندما يُكافؤ سلوكنا على أفعالٍ كالغذاء أو المال، ينشِّط نظام التقييم الخاصّ بعقولنا، النظام الذي ينشُط افتراضيًا عندما نواجه ما يتعلّق بذاتنا كالنّجاح مثلًا. مثل هذه المعلومات لها تأثيرٌ كبير على النفس. لهذا، عندما ينطق شخصٌ ما اِسمك حتى وإن كان ذلك في غرفةٍ صاخبة فإنّه تلقائيًا يثير وعيك.
المعلومات التي تتعلّق بسمعتنا وشعبيتنا في المجتمع مهمّة بشكلٍ خاص، ونحن مبرمَجون للاحساس بها، نحن نظهر أحاسيس خاصة للروابط الاجتماعية ابتداءً من عمر 15 شهرًا فقط!
تجذبنا مواقع التواصل الاجتماعي لأنّها تقحم معلوماتنا الشخصية وتعتمد على حالتنا الاجتماعية وسمعتنا، الحاجة للانتماء والشعبية، كلّما كافئك نظام التقييم الخاصّ بعقلك بتعزيز سمعتك الاجتماعية، كلّما ازداد تعلّقك بتنبيهات Notifications هذه المواقع.
هل مواقع التواصل الاجتماعي مثيرة للادمان؟
يعتبر القمار اِدمانًا لأنه لا يمكنك معرفة كم عدد المرات التي يتوجّب عليك المراهنة فيها لكي تربح. كشف فريدريك سكينر B F Skinner- مختصّ في علم النفس والسلوكيات– عن ذلك بتجربته في مختبر الحمام بجامعة هارفرد Harvard pigeon lab سنة 1950، إن تمّ اِعطاء الحمامة الطعام كلّ مرّة تنقر فيها الزرّ، فستنقر عدّة مرات. ولكن، اِن تمّ اِعطاؤها الطعام فقط بضع مرات وليس مع كلّ نقرة زرّ، فلن تنقر بشكلٍ أكثر من السّابق فحسب، بل ستفعل ذلك بشكلٍ جنونيّ وجامح، سلوكٌ قهريّ compulsive manner.
https://www.youtube.com/watch?time_continue=169&v=_SRE7QF-4FI
وللعلم أنّه تمّ اِحياء مختبر سكينر للحمام في جامعة هارفرد سنة 2004، ولكن مع تعديلين، تمّ تسميته بـ” الفيسبوك”. ولم يتمّ استخدام الحمام به.
عندما تتجوّل في المنشورات على الفيسبوك، لا يمكنك التنبّؤ إذا كان شخصٌ ما قد ترك منشورًا ذا صلة بك أم لا، مواقع التواصل الاجتماعي ما هي إلّا ماكنات قمارٍ تدفع لك تنبيهاتٍ تثيرك بدلًا من المال، وهذا هو السبب في أنّ مئات ملايين من الناس تسحب العتلة، فهل يمكن أن يصبحوا مدمنين؟
وصف الفيسبوك في بدايته على أنّه ”اِدمان الكلية”، اليوم يمكن أن نقول أنّ اِدمان الفيسبوك ”أصبح حقيقة”، ومع ذلك فإنّه غير معترفٍ به على أنّه اضطّرابٌ نفسي وتوجد عدّة تساؤلاتٍ حول هذا المفهوم.
يقوم الناس بعدّة أنشطة على الفيسبوك، من ألعاب إلى التواصل الاجتماعي، وبالتالي فإنّ مصطلح ”اِدمان الفيسبوك” يفتقر إلى النوعية، أيضًا هو مجرّد واحدة من العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، لهذا فإنّ مصطلح ”اِدمان الشبكات الاجتماعية” يبدو أكثر ملاءمة.
مصطلح ”اِدمان” بحدّ ذاته معضلة، عادةً ما يعتقد أنّ الادمان من الحالات المزمنة التي تتسبّب بمشاكل في حياتك، ومع ذلك، وجدت دراسة متابعة لمدّة 5 سنوات أنّ العديد من السلوكيات المفرطة التي تعتبر اِدمان مثل: الجنس، التسوق، ألعاب الفيديو كانت مؤقّتة لحدٍّ ما. وعلاوةً على ذلك فإنّ الافراط في استخدام الشبكات الاجتماعية لا يتوجّب أن يشكّل مشكلةً للجميع، ولكن تبقى حقيقة أنّ تسمية المشاركة المفرطة في نشاط بـ”الادمان” قد ينجم عنه سلوكات مرضية مفرطة.
الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي قد يؤدّي إلى أعراض مرتبطة بالادمان، وذلك يشمل الانشغال بهذه المواقع، قدرتها على التأثير على مزاجك وتغييره، الحاجة إلى استخدامها أكثر وأكثر للحصول على نفس التأثير، والمعاناة من أجل التوقّف عن استخدامها والتي قد تؤدّي غالبًا إلى استخدامها مجدّدًا.
حوالي 5 بالمئة من المستخدمين المراهقين لديهم أعراض هذا الادمان.
استعادة السيطرة
كيف يمكننا الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي دون أن ندمنها؟ يمكن لهذه المواقع اِعادة تصميم واجهاتها للتخفيف من خطر الادمان، ويمكنها أيضًا تعطيل الاعدادات الافتراضية للميزات التي تشجّع الادمان والتسهيل على الأشخاص عملية التنظيم الذاتي لاستخدامهم لها. يدّعي البعض أنّ الطلب من هذه المواقع ”أن تكون أقلّ من الجودة في ما تفعل، سيبدو كطلبٍ سخيف”، لذلك قد تكون هناك حاجة إلى تنظيمٍ حكومي مماثل لتلك المستخدمة مع صناعة التبغ.
وأخيرًا، يتمكّن مستخدمو هذه المواقع من تقوية أنفسهم والتحكّم فيها، فمن الممكن بالفعل التحكّم في الوقت المستهلك على هذه المواقع باستعمال تطبيقات مثل « Freedom-Moment- stayFocused، أغلب مستعملي الفيسبوك تمكّنوا من أخذ استراحة منه باِرادتهم، مع أنّهم كانوا يظنّون أنّ ذلك أمرٌ صعب.
”أنا سيّد قدري، أنا قبطان روحي”، بيت شهير من شعر Invictus للشاعر الانجليزي ويليام ايرنست William Ernest Henley، من المحزن أنّ الأجيال القادمة قد تجده غير مفهوم!
المصدر: هنا
تدقيق لغوي: هاجر بن يمينة