“لا تقرأ لتهاجم وتعارض، ولا لتؤمن وتسلم، ولا لتجد ما تتحدث عنه، بل لتزن وتفكر”، الفيلسوف فرانسيس بيكون.
هل سمعت خبرًا من مصدر موثوق، وبعدها بأيّام سمعت خبرًا من مصدر آخر ينفي الخبر الذي سمعته من قبل؟
في أحد الأيام سجلت دخولك على موقع facebook، وشاهدت فيديو في إحدى الصفحات، ومن مصدر معيّن تثق فيه عن شاب تعرفه، تعرض للتعذيب من طرف الشرطة، عند مشاهدتك للخبر، شعرت بغضب وقلق شديدين، فنشرت الخبر تحت تعليق: “النظام الفاسد”، بعد أيّام تُعيد تسجيل دُخولك على facebook لتُشاهد خبرًا، عن نفس الشخص من مَصدر آخر تثق فيه أيضًا يقول: “إن الشاب الذي تعرض للضرب، كذّاب ونصّاب وأن الفيديو قديم، وليس له علاقة بالنظام الحُكومي أو الشرطة.”
في هذه اللحظة تشعر أنّه تم خداعك، أو بمعنى أصح أنه انخدع عليك. أي حدث لك الـ”confirmation bias” أو ما يعرف بـ: الانحياز التأكيدي، ويُدعى أيضًا بالانحياز الذاتي، وهو الميل للبحث عن تفسير وتذكُّر المعلومات بطريقة تتوافق مع معتقدات وافتراضات الفرد.
حيث في بداية حياتنا، وبناء مفهومنا عن العالم الخارجي، عندما تُريد أن تبني أُسس وقواعد شخصيّة، لتتعايش بها في الحياة عمومًا، مثلًا: منذ صغرك تعلّمت أنّ: “الرجل لا يجب عليه ضرب المرأة”، ومنه تلقائيًا لا يمكنك إيذاء المرأة، أو حتى محاولة عنف ضد المرأة، تُعتبر جريمة يُعاقب عليها القانون، وبالتالي عند مشاهدتنا شُرطيًا يضرب شخصًا ما في الشارع، يكون الخطأ دائمًا من طرف ذلك الشخص حتى بدُون عِلمنا بالقصّة الحقيقيّة، فعلى مدار حياتنا نقوم بجمع قناعات عن العالم الخارجي، لنعيش بها ونتخذها كأسلوب حياة.
وكلما كانت هذِه القناعات مهمة لتكوين شخصياتنا وأفكارنا، كلّما كانت سببًا لكثير من المشاكل في بعض المواقف، فعند مشاهدتك لخبر تعرض الشاب للضرب، بدون أيّ مراجعة لتفاصيل الخبر، أو حتى وضع نسبة قليلة من الشك في صحة الخبر أو عدمه، يكون الصحيح دائمًا في الجانب الذي تفرضه علينا قناعاتنا، وبالتالي نقع في مصيدة الانحياز التأكيدي (confirmation bias).
ولا يجب فقط أن تكون هذه القناعات سياسيّة، إنما أيّ قناعة يكتسبها الإنسان تُسبب له مشكلة في الانحياز لها، أي “إذا كانت لك قناعة أنّك غبيٌ، ستبقى دائمًا بهذا المفهوم عن نفسك حتى حتى ولو كان العكس”.
وتعود المشكلة في هذا الانحياز، عندما يتعرض الإنسان لأي موقف ما، يجب عليه أن يُعيد شريط قناعاته لمُواجهة الموقف بأي طريقة، بمعنى “الإنسان يُصدق فقط ما يريد أن يصدقه”.
فلابد من الإنسان أن يحترم أفكار الآخرين، وقبل أن يحكم على شيء ما، أو يتحمس لأي خبر يوجب عليه أن يُفكر لثوانٍ قليلة، ويقوم بتحليل موقفه، هل هو نابع من تحليل علمي محايد، مصادر وأدلة؟، يستطيع أن يجزم بها صحة وعقلانية موقفه، حتى ولو كانت ضد موروثاته التقليديّة وأفكاره الإجتماعية والثقافيّة.
المصدر: هنا