تشير الأدلة التجريبية الجديدة أن الوعي قد تطور لمساعدتنا على التعلم والتكيف مع الظروف المتغيرة للعالم، ومن أجل فهم الوعي لابد من معرفة سبب وجوده في المقام الأول.
فمنذ القدم جرى الإعتقاد أن الوعي هو ميزة إنسانية فريدة، لكن علماء الأعصاب حاليا يعتقدون أننا نتشارك هذه الميزة مع العديد من الحيوانات الأخرى، مثل الطيور والأخطبوط التي تختبر بيئتها بوعي، في حين تعتبر النباتات وبعض الحيوانات الأخرى كقناديل البحر، قادرة على الاستجابة للعالم من حولها دون وعي.
في القرن التاسع عشر، اعتبر عالم الأحياء البريطاني توماس هنري هكسي أن الوعي «ظاهرة» وهو مجرد أثر إيجابي لوظائف الدماغ، وبرهن مؤخرا، أن الوعي يسمح لنا بتجميع المعلومات الخارجية، مثلا: عند رؤية سيارة وسماع صوتها يتم إدراكها بطريقة موحدة على الرغم من أن سرعة الضوء و الصوت مختلفين.
تجارب أخرى تكشف لنا أن العديد من سلوكيات الإنسان لا تحتاج إلى انتباه واعي، حيث يقول الدكتور «ايوين ترافرز- Eoin Trevers» في كلية الدراسات المتقدمة بجامعة لندن: “بمجرد أن تتعلم ركوب الدراجة يمكنك قيادتها بغير الوعي الذي يجب ان تكون عليه أثناء تعلم القيادة”.
ولمعرفة الإختلافات بين إدراكنا الوعي واللاوعي، قام ترافرز باختبارٍ، يتم فيه اختبار إعطائنا إشارات خاطئة أو مظللة. حيث جعل متطوعين يحدقون في علامة (+) وسط شاشة الكمبيوتر لمدة ثلاثة أرباع ثانية، ثم يتم استبدال الإشارة بسهم يشير إلى اليمين أو إلى اليسار، ويبقى هذا السهم ظاهرا لمدة 30 ملي ثانية (يتم إدراكه باللاوعي فقط)، ومرات أخرى يظهر لمدة 400 ملي ثانية (الوقت الكافي لإدراكه بالوعي)، وفي الأخير تظهر علامة (X) مع إشارة السهم لكن على جانب واحد فقط، إما على يمين الشاشة أو على يسارها، وطلب من المتطوعين الضغط على زر يشير ما إذا كانت علامة (X ) قد ظهرت على الجانب الأيمن أو الأيسر من الشاشة، وقَسَّم ترافرز هذه التجربة إلى جزئين:
أولا، قام بإخضاع كل متطوع إلى 200 محاولة يتم خلالها إدراك إشارة السهم بالوعي، حيث خلال مائة محاولة منها كان السهم يشير إلى الإتجاه الصحيح لوجود علامة (X)، و خلال المائة الأخرى يشير السهم إلى الإتجاه الخاطئ.
ثانيا، أعاد نفس المحاولات 200 مرة، لكن هذه المرة جعل إشارة السهم تدرك باللاوعي، مائة منها يشير السهم إلى الإتجاه الصحيح أين توجد علامة (X)، والمائة الأخرى تشير إلى الإتجاه الخاطئ.
تظهر النتائج أنه عندما كانت الإشارة تدرك باللاوعي، تم خداع المتطوعين بالضغط على الزر الخطأ في بعض المرات، لكن عندما كانت الإشارة تدرك بالوعي، يضغط المتطوعون على الزر الصحيح دائما و يتجاهلون السهم عندما يشير إلى الإتجاه الخاطئ.
ولتفسير النتيجة، قام ترافرز في نفس التجربة بتتبع حركات العين للمشاركين، لمعرفة تأثير تغير إتجاه الإشارات على سرعتهم في إيجاد الاجابة الصحيحة، ومنه استنتج الباحثون أنه عندما كانت الإشارة تدرك باللاوعي و تشير إلى الإتجاه الخاطئ، قام المتطوعون بالنظر إلى اتجاه السهم وأخذوا وقتً أطول في الضغط على الزر حيث كان عليهم إيجاد الموقع الحقيقي لإشارة (X).
في الأخير، يقول ترافرز: “يسهل الوعي تعديل سلوك الإنسان بسرعة استجابة لتغيرات العالم من حوله.” ويقول البروفيسور توماس ميتزينغر«Tomas Metzinger» من جامعة ماينز الألمانية: “إنّ هذا بحث رائع و يثبت أن الوعي ساعد في القدرة على التعلم السريع والفعّال، وعلى الأغلب تطوّرنا نقحه وحافظ عليه “، و قال أيضا: “هذه الدراسة تقترح أن هذه القدرة تتطلب إدراكا واعيا، وهذا يعطي للباحثين المفتاح لحل النظرية التي تقول أن للوعي تأثيرٌ سببي.”
المصدر:هنا
تدقيق لغوي: بن طبة فاطمة الزهراء.