Site icon الباحثون الجزائريون – Algerian Researchers

سلسلة نظرية النسبية: الحلقة الرابعة

 

رأينا في الحلقة السابقة كيفية حدوث تباطؤ الزمن مع زيادة السرعة، نعرف أن المكان ليس مُطلق بل يتغير وفقًا للسرعة واتجاهها، وبالمثل الزمن. كما رأينا في علاقة (لورنتز) يتباطأ ويتسارع بحسب سرعتك، وهذا يعني أن الزمن يمكن التحكم فيه. أي أنه يمكننا بشكلٍ ما من خلال تغيير سرعتنا التحكم في مرور الزمن علينا، أي أنه وبشكلٍ ما أصبح الزمان كالمكان، يمكننا الذهاب فيه للأمام وللخلف. وهذه أحد مضامين علاقة (لورنتز)، وجدنا أن الزمان مثل المكان، للمكان ثلاث أبعاد (dimensions) وهي (الأعلى-أسفل) و (اليمين-يسار) و (الأمام-خلف)، لكل بُعد اتجاهين (directions) ذهاب وعودة كما بالشكل:

 

لتصميم هيكل أي جسم، نستخدم تلك الأبعاد الثلاثة فقط، لكل بُعد اتجاهين – ذهاب وعودة، وهذا يُعطينا 6 اتجاهات. فالمُكعب مُجسم، وهو هيكل ذو ستة أوجه، وأي مُجسم في الفراغ مثل الكرة، يَستخدم أبعاد الفراغ الثلاثة.

تَستخدم النملة بُعدين اثنين فقط، وهما (اليمين-يسار) و (الأمام-خلف). فهي لا تعرف الحركة إلا في هذين البُعدين، لأنه لا يمكنها أن تطير بشكلٍ عموديّ فجأة على مستوى حركتها القديم لأعلى أو لأسفل. وحتى إن تحركت على حائط مثلًا، وصعدت لأعلى فهي الآن أيضًا لا تعرف أنها ترتفع إلا من خلال الجاذبية، لأنها لا تعرف الفراغ كما نعرفه؛ هي ترى العالم كله بالنسبة لها كسطح مستوٍ مثل الورقة ذات بُعدين اثنين فقط. ولا يُمكن للنملة بأي حالٍ من الأحوال تخيل بُعد ثالث لأعلى ولأسفل، لأن خِبرتها العقلية لا تعرف سوى الحركة في بُعدين على مستوى مُسطح. ليست الفكرة في أنها لا تستطيع أن تصعد لأعلى أو لأسفل، الفكرة أنها لا تُدرك أنها تصعد لأعلى أو تنزل لأسفل، في نفس الوقت الذي تُدرك فيه أنها تتحرك لليمين أو لليسار وللأمام أو للخلف. فبمجرد أن تتحرك على حائط لأعلى مثلًا، فهذا بالنسبة لها حركة للأمام، وذلك لأسبابٍ كثيرةٍ تتعلق بحجمها وطبيعة حركتها وحواسها.

لكن لنصل نحن لأي نقطة في الفراغ، نتحرك أو نحسب مكان تلك النقطة بمحاذاة ثلاث أبعاد:

 

المحاور x,y,z تمثل قطاع (اتجاه واحد فقط) من أبعاد الفراغ الثلاثة.

من علاقة (لورنتز) لتباطؤ الزمن أصبح الزمان بُعدًا رابعًا للمكان، وأتضح أن الزمان والمكان معًا شيئًا واحدًا، أَطلق عليه أينشتاين (الزمكان). إن الزمن كبُعدٍ رابع في الزمكان بالنسبة لنا كالبُعد الثالث في المكان بالنسبة للنملة. من الصعب فهمه وتخيله بالطرق التقليدية، إن تحكمنا في بُعد الزمن لا يحدث إلا عند السرعات العالية جدًا، ولذلك فهي تجربة جديدة وغريبة وصعبة علينا:

 

في الحقيقة إنك بمجرد أن تصل لسرعة عالية، فأنت تُسافر في المستقبل بالنسبة لباقي الكون. وهذا ما رأيناه في مفارقة التوأمان في الحلقة الثانية ، حيث سافر الأخ الذي استقل سفينة فضاء تقترب من سرعة الضوء، في مستقبل أخيه أربعين سنة ليراه عجوزًا. لكن مُشكلة بُعد الزمان، أنه اتجاه واحد فقط لا يمكن الحركة عمليًا فيه إلا ذهاب فقط ولا يمكن العودة. ولذلك لن يستطيع الأخ الذي مازال شابًا أن يرجع لأخيه العجوز في شبابه، ليعودا كما كانا توأما، ومع ذلك تُؤكد بعض المعادلات -نظريًا فقط- أنه يمكن العودة في الزمان للماضي، ولكن هذا مازال مستحيل عمليًا.

إن الحركة بسرعات تقترب من سرعة الضوء، لا تضيع في تأثيرها على تباطؤ الزمن فقط، بل أيضًا في تأثيرها على طول وكتلة المادة.

من المفترض أن أطوال وكتل الأشياء ثابتة ولا تتأثر بالسرعة، إلا أنه وطبقًا لعلاقات أخرى ل(لورنتز)، فإن الأطوال والكتل ستتأثر تأثيرًا مباشرًا، نعود لتحويلات (لورنتز) التي توضح كيف لطول المَرصود أن ينكمش بالنسبة للراصد عند السرعات العالية، وكذلك طول الراصد بالنسبة للمرصود. وللتبسيط نقم بتجربة ذهنية:

لنفرض أن هناك صاروخًا طوله عشرين مترًا، أُطلق فى الفضاء بسرعة تقترب من سرعة الضوء، وقام راصد على الأرض -طوله 180سم- بحساب طول المركبة الفضائية بأجهزه دقيقة، سيلاحظ انكماش طول المركبة، وسيكون أقل من عشرين مترًا، وكذلك إذا كان هناك راصد داخل المركبة، وحاول حساب طول الراصد الأول على الأرض، سيجد أن طوله انكمش وسيكون أقل من 180 سم. طبقًا لعلاقة (لورنتز) لانكماش الأطوال، لا تهتم لشكل العلاقة المُعقدة هي شبيهة تمامًا بعلاقة تباطؤ الزمن:

تقول العلاقة: “ينكمش طول الأجسام L أكثر كلما اقتربت من سرعة الضوء”

 

هذا معناه أن الأجسام ستختفي تمامًا بالنسبة لبعضها إذا وصلت لسرعة الضوء!

لا تنمكش الأطوال فقط، تزداد الكُتل عند السرعات العالية، لن نقوم بتجربة ذهنية هذه المرة، فالإلكترون خفيف الكتلة، يمكننا تسريعه حتى يقترب من سرعة الضوء. تصل الإلكترونات في بعض مُعجلات الجسيمات إلى سرعة 99.9999 % من سرعة الضوء، أى أقل من سرعة الضوء فقط بمقدار 300 متر/ ثانية. تم اختبار زيادة كُتلة الإلكترون مع زيادة سرعته عمليًا. ويمكن للفيزيائيين مقارنة كتلة الإلكترون الساكن بكتلة الإلكترون السريع. وتتفق نتائج التجارب على أن الكتلة تزداد بزيادة سرعة الجسم. طبقًا لعلاقة (لورنتز) لزيادة الكُتل:

تقول العلاقة: “تزداد كتل الأجسام m أكثر كلما اقتربت من سرعة الضوء”

 

عندما اِعتبر (أيشنتاين) أن الكتلة نسبية، تتغير بتغير السرعة، كان ذلك تقييدًا لأفكار (نيوتن) عن الكتلة، قانون (نيوتن) الثانى ينص على أن تسارع الجسم a يتناسب طرديًا مع القوة المؤثرة عليه F باعتبار أن الكتلة m “ثابتة”، طبقًا لعلاقته:

F = ma

تقول العلاقة: “يتسارع الجسم كلما زادت القوة المؤثرة عليه”

ولكن طبقًا لعلاقة (لورنتز) لن تكون الكتلة m ثابتة في حالة الحركة، وبالتالي ستكون علاقة (نيوتن) المُسَلّم بها لفترات طويلة خاطئة عند السرعات العالية، لأن الكتلة تزداد كلما تسارع الجسم. وبالتالي ستضيع الكثير من القوة في زيادة كتلة الجسم، وليس في زيادة تسارعه فقط، وسنحتاج لتعديل علاقة (نيوتن) بحذف الكتلة الثابتة وإضافة الكتلة النسبية ل(لورنتز)، لتصف علاقة التسارع والكتلة النسبية، بالقوة المؤثرة عند السرعات العادية والعالية معًا.

 

إن علاقة زيادة الكتلة تباعًا للسرعة، كانت مُفتاح عصر القنابل النووية، التي حررت المادة على شكل طاقة هائلة. إن علاقة (لورنتز) لزيادة الكتل ضمنت في جوفها تكافؤ الكتلة والطاقة. لم يصبح الزمان والمكان شيء واحد اسمه (الزمكان) من خلال علاقات (لورنتز) فقط، بل أصبحت الطاقة والكتلة وجهان لعملة واحدة، تُعبّر عنها علاقة تكافؤ الكتلة والطاقة الشهيرة ل(أينشتاين):

E=mc²

سنستنتج تلك العلاقة باستخدام علاقة (لورنتز) لزيادة الكتل، وسنفهم مضامينها الخطيرة، وعلاقتها بالقنبلة النووية في حلقتنا القادمة.

 

الحلقة الخامسة

 

المصادر:

هناهناهنا

السفر في الزمان الكوني لباري باركر

موجز تاريخ الزمان لستيفن هوكنج

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إعداد: حسام الدين حسن
تدقيق علمي: ثروت الخطيب
تدقيق لغوي: Mohammed Diab
قراءة صوتية: أمينة ايغود

Exit mobile version