يعتبر علم الأساطير من بين أكثر المواضيع التاريخية تدريسا في وقتنا الحالي، ليس فقط كجزء من المنهاج الأدبي بل في دروس التاريخ أيضا. قد يتساءل البعض لم لا يزال العالم مهتما بهذه القصص الإغريقية القديمة، لكن بمجرد النظر إلى العدد الهائل من المؤلفات والأفلام المقتبسة منها، يتضح أنها تتعدى كونها قصصا خيالية، فهي قد كتبت من طرف حكماء ذاك العصر وساهمت بشدة في وضع أسس التفكير المعاصر.
ماهي الأساطير الإغريقية؟
هاديس وبرسيفوني، أفروديت وأدونيس، صندوق باندورا وغيرها من الأساطير الإغريقية، قد لا يراها البعض سوى حكايات ملحمية عن الآلهة وما تستطيع فعله من أمور خارقة، وصراعاتها مع البشر، التي قد تنتهي بحروب دامية أو بتحويلهم إلى حيوانات ونباتات، لكن دراسة أكثر عمقا لهذه الأساطير تجعل لها قيمة أكبر، فهي قصص أُلِّفت لتحمل عديد المعاني، وتقدم دروسا ومواعظا، كما تشرح العديد من المناهج الفلسفية.
نادرا ما تنتهي الأساطير الإغريقية بنهايات سعيدة، عكس القصص التي اعتدناها في عصرنا الحالي، لأن هذه الأساطير لم تكتب للترفيه بل لهدف أكثر جدية، فيجب ألا نتوقع من كبار المفكرين الإغريق أن يهدروا وقتهم في تدوين القصص فقط للتدوين، فهم استعملوها لغاية أكثر ذكاء، فقد كانت وسيلتهم لنشر المعرفة.
ما دور الإغريقيين في حياتنا الآن؟
للإغريق تأثير كبير على ما نعيشه حاليا. في الواقع، من المستحيل فهم قواعد الفنون والأدب دون الإلمام ببعض الأساطير والمفاهيم الإغريقية القديمة. لقد كانت هذه الأساطير جزءً لا يتجزأ من الثقافة الإغريقية لأنها كانت وسيلتهم لنقل الدروس من جيل لآخر بطريقة ممتعة. عندما نشاهد الأفلام المقتبسة من هذه الأساطير نجد دوما أنها تدور في عالم خيالي بعيد كل البعد عن الواقع، لكن هذا التشويق هو ما جعل لها رونقها الخاص، فتوارثت بين الأجيال ولم تندثر.
ما كان دور هذه الأساطير آنذاك؟
كانت هذه الأساطير تساعد الناس على التمييز بين الصواب والخطأ، وترشدهم إلى السلوك الحسن والمتواضع وألَّا يظنوا أبدا أنَّهم خالدون، وإلا قد ينتهي بهم المطاف بنهايات لا يحمد عقباها. ولازالت هذه الأساطير ملهمة حاليا، فكل من يقرأ كتابا حولها يتأثر بمحتواها، ويستذكر ما حصل للآلهة والسكان الإغريق في مواقف مشابهة في حياته.
لماذا ندرس الأساطير الإغريقية؟
من المقبول جدا أن نطالع الأساطير الإغريقية من حين لآخر، لكن وضع علم بذاته لدراستها قد يبدو مبالغا بعض الشيء. في الحقيقة، لا يزال العلماء يدرسون الأساطير كأيِّ من أشكال الثقافة الأخرى ليستخلصوا معلومات ودروس منها، خاصة حينما يتعلق الأمر بحضارة على قدر من التطور والدهاء كالحضارة الإغريقية، فالأساطير تمنحنا لمحة عن الحياة آنذاك، كيف كان الناس يفكرون، ومحل انشغالاتهم. من جهة أخرى، هي تساعدنا على فهم الكثير من الأدبيات الإغريقية لكونها حافلة بأسماء الآلهة والرموز التي تعود لهذه القصص. لذلك فقد تبدو الأساطير دون أهمية، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما.
قد يبدو العالم الآن، لما أثبته من إنجازات واكتشافات، متطورا كفاية لتجاوز التاريخ والحضارات القديمة ومآثرها، لاسيما الخيالية منها كالأساطير، لكن ما يقترفه الإنسان يوميا من هفوات وأخطاء نابعة من تفكيره الساذج وسلوكه الضال يجعل لهذه القصص والأساطير فائدة أبدية، فكأنما هي المَعلم الذي ينتهي به الإنسان حينما تتفرق به السبل.
المصادر: هنا
تدقيق لغوي: بشرى بوخالفي