Site icon الباحثون الجزائريون – Algerian Researchers

نيوتن أم أينشتاين، من هو الفيزيائي الأعظم على مر العصور؟

نيوتن أم أينشتاين، من هو الفيزيائي الأعظم على مر العصور؟ سنحاول في هذا المقال التعرض إلى هذين العظيمين من حيث مساهمتهما و تأثيرهما في تاريخ العلوم بشكل عام، للنظر أيُّهما سيكون جديرا بلقب أعظم فيزيائيٍ على مر العصور. والبداية ستكون من إنجازات الرجلين.

إنـجـــازات نيـــــوتـن:

يُعد السير إسحاق نيوتن (1642-1727)، الفيلسوف الطبيعي الانجليزي، أحد أكثر الشخصيَّات تأثيرا في الثورة العلميَّة التي حدثت في أوروبا من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر. إسهامات الرجل كثيرة، لكنَّ أعظمها يندرج ضمن ثلاث محاور: تأسيسه لعلم الميكانيك الكلاسيكي، إكتشافه لقوة الجاذبية وكذا تطويره لعلم التحليل الرياضي.

نيوتن هو أب الميكانيك الكلاسيكي، حين أسَّس لهذا العلم الذي لا نزال نستخدمه بكل دقَّة منذ أكثر من ثلاث مئة سنة، حيث أنَّه وضع القوانين الثلاثة للحركة، والتي تكفي وحدها لوصف أيِّ حركة من حولنا. هذا يسري على كل الأجسام من التفاحة التي تسقط من على شجرة، إلى غاية المسار الذي اتَّبعته مركبة أبولو للوصول إلى سطح القمر. كان هذا فعلا فتحََا علميا كبيرا نحو دراسةٍ نظريةٍ وكميَّةٍ دقيقةٍ جدََا للظواهر الفيزيائية، بعدما كانت أغلب الدراسة تقتصر على الملاحظة والوصف. وبالتالي كان طبيعيا أن هذه القوانين كانت أحد أهم المفاتيح العلمية للثورة الصناعية في أوروبا فيما بعد.

كما أنَّ له الفضل أيضا في اكتشاف أوَّل قوة من قِوى الطبيعة الأربعة، وهي الجاذبية. سواء كانت رواية التفاحة التي سقطت على رأسه حقيقيَّة أم لا، فمما لا شك فيه أنَّ هذا الاكتشاف كان عظيما جدا، لأنه كان يشرح أحداث السماء ولأول مرة بدقة كبيرة: سمح اكتشاف قانون الجذب الكوني ليس فقط بفهم خصائص هذه القوة، بل والبرهانُ رياضيا على سبب الشكل البيضوي لمدارات الكواكب حول الشمس وبقية الملاحظات التي جاء بها كبلر.

أما الإسهام الثالث الذي نتحدث عنه، فلا يندرج في دائرة الفيزياء، بل يتجاوزها إلى بقية العلوم، لأنه يدخل ضمن الرياضيات. إذ يرجع الفضل لنيوتن، رفقة الألماني ليبنييز، في وضع أسس التحليل الرياضي، وهو أحد فروع الرياضيات والذي يهتم بحساب النهايات، الإشتقاق و التكامل.

كان لنيوتن أيضا إسهام جليل في علم البصريات، حينما بيَّن في تجربته الشهيرة أنَّ الضوء الأبيض هو في الحقيقة مزيج لجميع ألوان الطيف. يضاف لذلك اختراعه للتليسكوب العاكس، وهو الذي لا نزال نستخدمه في دراستنا للكون إلى يومنا هذا. كما أنَّ له السبق في فكرة الطبيعة الجسمية للضوء التي أعاد أينشتاين إحياءها. وكذلك إدخاله مفهوم السائل النيوتوني، وتطويره نظرية ثنائي الحد والسلاسل في الرياضيات.

إنـجــازات أينشـــتاين

ألبرت أينشاين (1879-1955)، عالم الفيزياء النظرية، ألماني المولد، هو أبرز علماء القرن العشرين على الإطلاق، رجل القرن حسب مجلة التايم العريقة. كان له تأثير كبير على تطور الفيزياء الحديثة في القرن المنصرم. يمكن أن نضع أهم إنجازات أينشتاين في محورين اثنين: النسبية العامة و ميكانيك الكم.

عندما نقول النظرية النسبيَّة العامة فإنَّنا نقول أينشتاين. رغم أنَّ النسبية الخاصة لأينشتاين تعد توسيعا لقوانين الحركة لنيوتن كي تشمل السرعات القريبة من سرعة الضوء، وأنَّ النسبيَّة العامة ما هي إلاَّ نظرية هندسية تصف قوة الجاذبية التي جاء بها نيوتن، إلا أن اكتشافهما أحدث ثورة عميقة جدا في الفيزياء. اهتم ألبرت بأحد أبرز المشاكل في نهاية القرن التاسع عشر، وهو عدم توافق الميكانيكا الكلاسيكية لنيوتن مع النظرية الكهرومغناطيسية لماكسويل، رغم أنَّه تم التأكد من صحة النظريتين تجريبيا، وبالتالي كان الحل في نظريته التي نشرت سنة 1905، والتي تقوم على تصورٍِ جديد للزمان والمكان، وهو الفضاء الذي تطبق فيه قوانين الميكانيكا الكلاسيكية والكهرومغناطيسية. فبعد أن كان يُنظر إليهما على أنهما كيانان منفصلان تماما، أصبحنا نتحدث عن تداخل بين الزمان والمكان في نسيج واحد رباعي الأبعاد يدعى الزمكان. أينشتاين امتلك تلك النظرة العميقة التي جعلته يتجرأ على أحد المسلَّمات السائدة حينها وهي كون الزمن مطلقا، فبيَّن أنَّه نسبي، قابل للتمدد، شأنه شأن المكان، بعد أن دمجهما في نسيج واحد. أدرك كل هذا بإدخال مسلَّمة جديدة واحدة على الفيزياء، وهي كونية سرعة الضوء. لكن سرعان ما أدرك أينشتاين أن نظرية النسبية هذه “خاصة” لأنها لا تأخذ بالحسبان قوة الجاذبية.  و هو ما أدى به لنشر نظريته للنسبية التي تأخذ الجاذبية بعين الاعتبار سنة 1916، وهي نظرية النسبية العامة. في هذه النظرية تتجلى ذروة عبقرية أينشتاين، حيث نظر إلى قوة الجاذبية على أنها ليست قوة تقليدية وإنَّما هي إنحناءُُ في نسيج الزمكان،  إنحناءُُ تُسبِّبه الأجسام الكبيرة مثل الشمس. من أهم المفاهيم التي انبثقت عن النسبية نجد تمدد الزمن، الثقوب السوداء، الأمواج الجاذبية، أما استعمالاتها، فهي كثيرة، نذكر منها التكنولوجيا النووية ونظام الجي بي أس.

أما إسهام أينشتاين في ميكانيك الكم، والتي هي النظرية الأكثر غموضا، صعوبة ونجاحا على مر التاريخ، فكان غزيرا.  فقد نفض أينشتاين الغبار عن فكرة كانت تعود إلى نيوتن، وهي الطبيعة الجسمية للضوء، بعد أن اعتقد الجميع أنها فكرة خاطئة عفى عنها الزمن بحجة أن التجارب أثبتت أن الضوء مَوجيُّ الطبيعة. في ورقة بحثية سنة 1905، بيَّن ألبرت كيف لجسيمات الضوء المتقطعة، كمات الطاقة، أو الفوتونات، أن تفسر جميع ألغاز الفعل الكهروضوئي بشكل بسيط، بعيدا عن أي تعقيد. هذا يعني أن للضوء طبيعة ثنائية موجة-جسيم، وهو المفهوم الذي سيكون فيما بعد أحد ركائز النظرية الكميَّة التي يُعتبر هو أحد آبائها المؤسسين.

لأينشتاين إسهامات متميزة أخرى في النسبية العامة، ميكانيك الكم، الفيزياء الإحصائية وعلم الكون.

مـا يجـمعـهما

إنه لمن الجميل أن نرى أن النقاط التي تجمع هذين العظيمين على الصعيد العلمي عديدة، فمثلا نيوتن كان أول من جاء بفكرة الطبيعة الجسمية للضوء، الفكرة التي نبذها الفيزيائيون بعد أن اتضح جليا أن للضوء طبيعة موجية، فقط رجل جاء سنة 1905 ليعيد الحياة لهذه الفكرة اسمه ألبرت أينشتاين.

من أوجه التشابه أيضا بين الرجلين هو أن كلا منهما عالج موضوع الجاذبية. نيوتن وضع لنا قانونا رياضيا محكما يصف علاقة القوة التي تجذب أي جسمين لبعضهما بكتلتيهما وكذا المسافة الفاصلة بينهما. أينشتاين في المقابل يصف الجاذبية على أنها فقط إنحناء في النسيج الهندسي للزمان-مكان، تسببه الطاقة أو الكتلة.

ربما من الطريف أيضا أن أشهر معادلتين على الإطلاق هما القانون الثاني لنيوتن:

و معادلة التكافؤ طاقة-كتلة لأينشتاين:

مـا يفـرقــهما

رغم كل ما يجمعهما، إلا أن هنالك بعض النقاط التي اختلف فيها الرجلان.

بلغة عملية، نيوتن هو أب الفيزياء الكلاسيكية. ذلك أنه أخرج لنا الفيزياء من عالم الملاحظة والرصد والدراسة الوصفية فقط، إلى عالم التكميم والشمولية، وذلك بقوانين رياضية دقيقة تصف حركة أي جسم في هذا الكون. كان نيوتن بهذا يعلن مولد علم جديد قائم بذاته هو الفيزياء، بعيدة عن الفلسفة الأم. يقول أينشتاين في كلمته التقديمية لكتاب نيوتن حول البصريات (Opticks): “نيوتن المحظوظ… الطبيعة بالنسبة له كانت كتابا مفتوحا تقرأ رسائله دون أي جهد”.

قرنين بعد ذلك، وبالضبط في بداية القرن العشرين، وصل بعض عظماء الفيزياء من أمثال اللورد كالفين و روبرت ميكلسون، إلى نتيجة مفادها أن الفيزياء قد كشفت عن كل أسرارها تقريبا، و أن كل ما بقي لكي يُكتشف هو قياسات أكثر دقة لا أكثر. لكن الأوراق البحثية الأربع التي نشرها أينشتاين في السنة المعجزة 1905، بالإضافة إلى أعمال أخرى، أحدثت ثورة حقيقية في الفيزياء، تُوجَت بميلاد النظريتين اللتين تعتبران ركيزتي الفيزياء الحديثة: النسبية العامة وميكانيك الكم. بالنسبة للفيزياء، فإن أينشتاين يعتبر ثائرا و مُجدِدا.

من حيث الإختصاص، نيوتن كان فيلسوفا طبيعيا، لذلك كانت إسهاماته في مجالات عدة بما فيها الفيزياء، بينما أينشتاين كان عالم فيزياء نظرية.

من الناحية الإجتماعية، تزوج أينشتاين مرتين في حياته وله ثلاثة أبناء، طفلة وولدان، أما نيوتن فلم يتزوج أبدا.

من الناحية الدينية ورغم الغموض الذي يكتنفه توجهه الديني، نفى أينشتاين عن نفسه الإلحاد وبين أنه يؤمن بإله واحد أو يفضل اللاأدرية. نيوتن في المقابل كان متدينا، لكنه كان يرفض بشكل غير معلن عقيدة الثالوث، وتقلد مناصب من الكنيسة.

الحــــكـم النــهـائي

لنعرف الجواب النهائي عن الفيزيائي الأعظم على مر العصور، يجب علينا أن نلقي نظرة على بعض وجهات النظر في هذا الخصوص، والتي ترجح كفة أحدهما على الآخر.

أولا، قد يقول البعض أن أينشتاين قد كان محظوظا بأن وُجد في حقبة شهدت ميلاد أعظم الفيزيائيين مثل ماكسويل، فون نيومان، بور و غيرهم الكثير، بينما نيوتن لم يتمتع بهذه الصحبة المميزة. هذا إضافة إلى أن الفيزياء كانت في عهد أينشتاين تعيش أوج عصرها الذهبي. لكن يرُد آخرون بأن وجود أينشتاين في القمة مع هؤلاء العظماء، لم يمنعه أبدا من أن يحلِق بأفكاره بعيدا عنهم، ويكون عظيم العظماء، وفي قمة القمم، وهو أمر استثنائي بامتياز.

ثانيا، يقول رأي آخر أن أينشتاين صحح قوانين نيوتن وعممها، وهو بالتالي يمتلك نظرة أكثر عمقا وشمولية من نيوتن. لكن مراجعة سريعة ستظهر أن نيوتن امتلك، على الأقل، نفس النظرة في زمانه، عندما فكر في قوانين الحركة و الجاذبية والتحليل الرياضي من لا شيء تقريبا. ثم إنه من وجهة نظر علمية بحتة، فإن نظرية النسبية لأينشاين تبقى صحيحة فقط ما لم يثبت خطأ تنبؤاتها أو قصرها. لأن في الواقع، هنالك الكثير من الجهود التي تبذل في الفيزياء النظرية اليوم لإدخال تعديلات على نظرية أينشتاين، علَّها تُمكننا من الإجابة على الأسئلة الكثيرة المحيرة في الكون اليوم. من يدري؟ قد يكون نيوتن أو أينشتاين القادم هو العالم الذي سيوحد نظرية النسبية مع مكانيك الكم، لنقول في النهاية أنه امتلك نظرة أكثر عمقا وشمولية من كليهما.

وجهة النظر الثالثة تقول أن نيوتن كان فيلسوفا طبيعيا (رياضي، فلكي، عالم لاهوت، كاتب، وفيزيائي) وكانت له إسهامات في ميادين عديدة، على عكس أينشتاين الذي برع في الفيزياء وحدها. لكن يرد آخرون على هذا الرأي بالقول أنه، منذ نيوتن وإلى عصر أينشتاين، استقلت الفيزياء عن الفلسفة وباتت لوحدها مجالا عظيما يتوسع كل يوم، لذلك صار وجود فلاسفة طبيعيين أو علماء لهم آثار في ميادين مختلفة أمرا نادر الحدوث إن لم نقل مستحيلا. لذلك نرى أن أينشتاين تخصص في الفيزياء النظرية فقط، حيث كان إسهامه فيها ثوريا وعميقا جدا. لكن، من جهة أخرى، يجب أن نعترف أنه رغم وجاهة هذا الرد، إلا أن إنجازات نيوتن في كل ميدان من تلك الميادين كانت هي الأخرى ثورية و عميقة.

حتى استطلاعات الرأي التي كانت تجرى بين صفوة الفيزيائيين، لم تُرجح كفة أحدهما على الآخر. ففي سنة 1999، استطلاع للرأي قام به موقع PhysicsWeb ، أفرزت نتائجه تقدم نيوتن على حساب أينشتاين. استطلاع مواز للرأي أُجري على مئة من الفيزيائيين الرائدين في نفس السنة نشرت نتائجه على موقع BBC، أعطى أينشتاين لقب “الفيزيائي الأعظم على مر العصور”، على حساب نيوتن. سنة 2005، أُجري على أعضاء الجمعية الملكية (أحد أقدم الأكاديميات العلمية) استطلاع عن “العالِم الذي له الأثر الأكبر على العلوم و على البشرية”، صوتت الأغلبية لنيوتن دون أينشتاين…

ربما أينشتاين نفسه كان سيصوت لنيوتن، فقد ظهر احترامه له جليا عندما كان ألبرت يعلق على جدار مكتبه صورة لنيوتن، مع  أخرى لجايمس ماكسويل و مايكل فاراداي.

في الأخير، لا يسعنا سوى أن نقول، إذا كان نيوتن قد أنشأ الفيزياء، فإن أينشتاين قد أحدث الثورة فيها. ربما سيبقى صعبا أو مستحيلاًَ تحديد ما إذا كان نيوتن أم أينشتاين أعظم، لكن ما هو أكيد هو أن كلا منهما أعظم بكثير من جميع بقية الفيزيائيين.

المراجع: (1) ، (2) ، (3) ، (4)

تدقيق لغوي: بشرى بوخالفي

تعديل الصورة: رامي نزلي

Exit mobile version