Site icon الباحثون الجزائريون – Algerian Researchers

مفارقة فيرمي: أين هم الفضائيون؟

تسعى مفارقة فيرمي (Fermi Paradox) للإجابة على سؤال “أين هم الفضائيون؟”. بالنظر إلى أن نجمنا وأرضنا جزء من نظام شمسي حديث مقارنة ببقية الكون، وأن السفر بين النجوم من السهل تحقيقه إلى حدٍّ ما، تقول النظرية بوجوب زيارة الفضائيين للأرض بالفعل.

وكما تحكي القصة، فالفيزيائي الإيطالي إنريكو فيرمي – Enrico Fermi، الذي اشتهر بإنشاء أول مفاعل نووي، توصل إلى النظرية بملاحظة عفوية وهو يتناول غذاءه في سنة 1950. ومع ذلك، فإن تبعات ذلك جعلت الباحثين عن الحياة خارج الأرض يحُكّون رؤوسهم لعقود للإجابة عنها منذ ذلك الحين.

وقال معهد البحث عن الحياة الذكية خارج الأرض (SETI) في ماونتن فيو، كاليفورنيا، عبر موقعه على الإنترنت: <<أَدرَك فيرمي أن أي حضارة بمعرفة متواضعة عن تكنولوجيا الصواريخ ودفعة من الحوافز الإمبريالية يمكن لها أن تستعمر المجرة بأكملها وبسرعة>>. <<في غضون عشرة ملايين سنة يمكن جلب أي نظام شمسي هناك تحت جناح هذه الإمبراطورية. قد تبدو عشرة ملايين سنة طويلة، لكنها في الواقع قصيرة جدًا مقارنةً بعمر المجرة، والتي تقارب عشرة آلاف مليون سنة. إذا استعمار درب التبانة يجب أن يكون تمرينًا خفيف>>.

وبحسب ما ورد فإن فيرمي أدلى بالملاحظة الأولية لكنه توفي في عام 1954. سقط عمله في أيدي أشخاص آخرين مثل مايكل هارت، الذي كتب مقالًا بعنوان “شرح لغياب كائنات فضائية على الأرض” في مجلة الجمعية الملكية الفلكية (RAS) في عام 1975. يقول البعض أن هذه أول ورقة علمية -من هذا النوع- تستكشف مفارقة فيرمي، على الرغم من صعوبة إثبات هذا الاِدّعاء قليلاً.

كتب هارت في الملخص: <<نلاحظ أنه لا توجد كائنات ذكية من الفضاء الخارجي موجودة الآن على كوكب الأرض>>. يقترح أن هذه الحقيقة يمكن تفسيرها على أفضل وجه بفرضية أنه لا توجد حضارات متقدمة أخرى في مجرتنا. ومع ذلك، فقد أشار إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث في الكيمياء الحيوية وكيفية تكوّن الكواكب وغلافها الجوي لنقترب أكثر من الإجابة الدقيقة.

بينما يميل رأي هارت إلى أننا كنا الحضارة المتقدمة الوحيدة في المجرة حيث جادل بأنه في تاريخ الأرض كان بإمكان شخص ما زيارتنا بالفعل ما لم يبدأ رحلته قبل أقل من مليوني عام، فقد أوجز أربع حجج مستكشفا المفارقة:

1- لم يأت الفضائيون أبدًا بسبب الصعوبة البدنية التي تجعل السفر في الفضاء غير ممكن، والذي قد يكون مرتبطًا بعلم الفلك أو علم الأحياء أو الهندسة.

2- فضّل الفضائيون عدم القدوم إلى الأرض أبدًا.

3- نشأة حضاراتٍ متقدمة في الآونة الأخيرة فقط ما يجعل الوصول إلينا صعب حاليا.

4- زار الفضائيون الأرض في الماضي، لكننا لم نلاحظ ذلك.

وقد تم الطعن في الحجة من منطلقات عديدة. حيث كتب باحث في المفارقة روبرت غراي منشورا على مدونة Scientific American عام 2016 قائلا: <<ربما يكون السفر بين النجوم غير ممكن، أو ربما لا أحد يختار ويرغب في استعمار المجرة، أو ربما تمت زيارتنا منذ فترة طويلة ولكن الدليل دفن مع الديناصورات -لكن التفكير في الحضارات الغريبة أصبح راسخا. >>

عقب فرانك تيبلر – أستاذ الفيزياء في جامعة تولين سنة 1980 – على المفارقة بورقة بعنوان “لا وجود لكائنات ذكية خارج الأرض”، نُشرت أيضًا في مجلةRAS Quarterly Journal. تناول الجزء الأكبر من ورقته حول كيفية الحصول على موارد كافية لتحقيق السفر بين النجوم، والذي اقترح أنه يمكن تحقيقه من خلال وجود نوع من الذكاء الاصطناعي المكرر ذاتيًا ينتقل من نظام شمسي لآخر مع إنشاء نسخ باستخدام الموارد المتوفرة هناك.

نظرًا لأن هذه الكائنات ليست على الأرض، جادل تيبلر بأننا على الأرجح الكائنات الذكية الوحيدة الموجودة في المجرة. وقال أيضا أن أولئك الذين يؤمنون بوجود كائنات ذكية في مجرتنا خارج الأرض هم نفسهم أولئك الذين يصدقون قصص الأجسام الغريبة (UFOs)، لأن كلا المعسكرين يعتقدان “أننا سننقذ أنفسنا من أنفسنا من خلال تدخل معجز من أحد الحضارات الفضائية “.

اليوم، أصبح موضوع الكائنات الذكية خارج الأرض شائعًا، حيث تظهر العديد من الأوراق العلمية كل عام من باحثين كثيرين بخصوص هذا الموضوع. كما أنه دفع مؤخرا بعد اكتشاف كواكب خارج مجموعتنا الشمسية.

كواكب وفيرة.

الكون شاسع وقديم بشكل لا يصدق. تقول أحد التقديرات أن الكون يمتد بقطر 92 مليار سنة ضوئية (بينما ينمو بشكل أسرع وأسرع). تشير القياسات المنفصلة إلى أن عمره حوالي 13.82 مليار سنة. للوهلة الأولى، نعتقد أن هذا سيعطي الحضارات الفضائية الكثير من الوقت للتوسع، ولكن بعد ذلك سيكون لديهم مسافة كونية كحاجز لعبورها قبل أن يتمكنوا من الذهاب بعيدا في الفضاء.

شكّل فيرمي نظريته لأول مرة قبل مدة من اكتشاف العلماء لكواكب خارج نظامنا الشمسي. يوجد الآن أكثر من 3000 كوكب مؤكد مع تواصل اكتشاف المزيد بشكل مكثف. يشير العدد الهائل من هذه الكواكب التي وجدناها خارج نظامنا الشمسي إلى أن الحياة يمكن أن توجد بوفرة.

بمرور الوقت، وبفضل تلسكوبات متطورة، سيتمكن العلماء من استكشاف التركيبات الكيميائية لغلاف هذه الكواكب الجوية. الهدف النهائي هو معرفة عدد المرات التي تتشكل فيها الكواكب الصخرية في المناطق الصالحة للعيش في نجومها والتي يتم تعريفها بشكل عام على أنها المنطقة التي يمكن أن توجد فيها المياه على السطح. لكن أن تكون هذه الكواكب صالحة للعيش لا يتعلق فقط بوجود المياه من عدمها. يجب النظر في عوامل أخرى، مثل مدى نشاط النجم، وتكوين الغلاف الجوي للكوكب.

اقترحت دراسة نشرت في نوفمبر 2013 باستخدام بيانات من تلسكوب كيبلر الفضائي أن واحدًا من كل خمسة نجوم تشبه شمسنا له كوكب بحجم الأرض يدور في المنطقة الصالحة للعيش حول نجمه. هذه المنطقة ليست بالضرورة مؤشرًا على وجود الحياة، حيث تتدخل عوامل أخرى، مثل الغلاف الجوي للكوكب. علاوة على ذلك، يمكن أن يشمل معنى “الحياة” أي شيء من أبسط البكتيريا إلى كائنات ذكية وواعية.

بعد بضعة أشهر، أطلق علماء كبلر ما أسموه “كوكب بونانزا” وهو عبارة عن اكتشاف 715 عالَمًا حديثًا بواسطة تقنية جديدة رائدة تسمى “التحقق عن طريق التعدد” (Verification by multiplicity).  تفترض النظرية بشكل أساسي أن النجم الذي يبدو أن لديه أشياء تعبر وجهه أو تؤثر على موقعه سيكون لديه كواكب بدلاً من نجوم شقيقة. قالت وكالة ناسا في عام 2014 (تفترض النظرية أن نظام النجوم المتعددة بهذا القرب غير قادر على الاستقرار بمرور الوقت) إن استخدام هذه النظرية سيساعد على تسريع وتيرة اكتشاف الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية.

ركز الباحثون سابقًا على النجوم الحمراء القزمة (Red dwarfs) كمضيف محتمل للكواكب الصالحة للعيش، ولكن بعد سنوات من الدراسة، ظهرت مشاكل. فقد كان من المثير العثور على كواكب قريبة مثل بروكسيما سنتوري بِ (Proxima Centauri b) والكواكب الصخرية السبعة للنجم ترابيست-1(Trappist-1) في مجال دوران هذه النجوم حيث يمكن أن توجد المياه السائلة على سطح الكواكب. المشكلة هي أن الأقزام الحمراء متقلبة ويمكن أن ترسل عدة أشكال من الإشعاعات القاتلة للحياة على سطح هذه الكواكب. مزيد من الدراسات مطلوبة لفهم هذه النجوم بشكل أفضل.

سيتم إطلاق المزيد من المركبات الفضائية لاصطياد هذه الكواكب والتي ستدخل حيز الخدمة في السنوات القليلة المقبلة. تم إطلاق القمر الصناعي المستقصي عن الكواكب الخارجية العابرة (TESS) بنجاح في أبريل 2018 لدراسة النجوم القريبة. من المقرر أن يتم إطلاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لوكالة ناسا في عام 2020 لدراسة هذه الكواكب والتركيب الكيميائي لغلافها الجوي. من المتوقع كذلك إطلاق PLATO التابع لوكالة الفضاء الأوروبية في عام 2026. كما يتم التخطيط لمراصد أرضية أكبر مثل التلسكوب الأوروبي الذي من المتوقع أن يدخل حيز الخدمة بسنة 2024.

ومع ذلك، فإن فهمنا لعلم الأحياء الفلكية (الحياة في الكون) هو مجرد بداية. أحد التحديات هو أن هذه الكواكب الخارجية بعيدة جدًا بحيث أنه من شبه المستحيل بالنسبة لنا إرسال مسبار للتحقق منها. عقبة أخرى هي حتى داخل نظامنا الشمسي، لم نقم بالتحقق من جميع الأماكن المحتمل أنها تسمح بظهور الحياة. نحن نعلم من النظر في الأرض أن الميكروبات يمكن أن تعيش في درجات الحرارة والبيئات القاسية، مما أدى إلى ظهور نظريات أننا يمكن أن نجد حياة تشبه الميكروبات على سطح المريخ، أو القمر الجوفي الجليدي للمشتري “يوروبا”، أو حتى أقمار زحل كإنسيلادوس أو تيتان.

كل هذا معًا يعني أنه حتى داخل مجرتنا درب التبانة – أي ما يعادل الجوار الكوني – يجب أن يكون هناك العديد من الكواكب بحجم الأرض في المناطق التي يمكن أن تسمح بظهور الحياة. ولكن ما هي احتمالات وجود نجوم ملائمة لهذه العوالم؟

الحياة: وفيرة أم نادرة؟

يتم تقدير احتمالات بزوغ حياة ذكية في معادلة دريك (Drake Equation) والتي تسعى إلى معرفة عدد الحضارات في درب التبانة التي تسعى إلى التواصل مع بعضها البعض. على حد تعبير SETI، المعادلة – مكتوبة على النحو التالي :

N = R* • fp • ne • fl • fi • fc • L

وتحتوي على المتغيرات التالية :

N = عدد الحضارات في مجرة درب التبانة التي يمكن اكتشاف انبعاثاتها الكهرومغناطيسية.

R * = معدل تكون النجوم المناسبة للسماح بنمو الحياة الذكية.

fp = نسبة النجوم ذات أنظمة الكوكبية.

ne = عدد الكواكب من كل نظام شمسي.

fl = نسبة الكواكب المناسبة التي تظهر عليها الحياة بالفعل.

fi = نسبة الكواكب المناسبة للحياة والتي تظهر عليها الحياة الذكية.

fc = جزء من الحضارات التي طورت تقنية تطلق علامات قابلة للكشف عن وجودها في الفضاء.

L = المدة الزمنية اللازمة لاكتشاف إشارات أطلقت بواسطة هذه الحضارات.

لا يُعرف أي من هذه القيم بشكل يقيني في الوقت الحالي، مما يجعل التنبؤات صعبة على علماء الأحياء الفلكية ومحاولات التواصل مع كائنات ذكية خارج الأرض على حد سواء.

هناك احتمال آخر من شأنه أن يضعف البحث عن الإشارات اللاسلكية أو المركبات الفضائية الغريبة. بينما يقترح فرانك دريك من SETI وآخرون أنه يمكن أن يكون هناك 10000 حضارة تحاول أن تتواصل مع غيرها في مجرتنا، قد لا توجد حياة في الكون إلى جانب حياتنا كما أشارت دراسة نُشرت لاحقًا عام 2011 في محضر الأكاديمية الوطنية للعلوم على أن الأرض يمكن أن تكون كوكبا نادرًا في الكون.

وقال ديفيد شبيجل وإدوين تورنر – باحثان في جامعة برينستون أن الأمر استغرق 3.5 مليار سنة على الأقل لكي تتطور الحياة الذكية على الأرض، مما يشير إلى أن ذلك يستغرق الكثير من الوقت والحظ لحدوثه.

تشمل التفسيرات الأخرى لمفارقة فيرمي تجسس الفضائيين خفية على الأرض أو أنهم تجاهلوا الأرض تمامًا أو أنهم زاروها قبل نشوء أي حضارة عليها أو تم زيارتها بطريقة لا يمكننا تبيانها.

مناقشات حديثة لمفارقة فيرمي.

في حين أن سؤال مفارقة فيرمي قد حير العلماء لعقود، هناك بعض الآراء والأفكار الجديدة التي يمكن أن تساعد الباحثين على فهم أفضل لسبب صعوبة العثور على الفضائيين.

في عام 2015، أشارت دراسة إلى احتمالية تطور عالم مع بيئة صالحة للعيش باستخدام بيانات من تلسكوب هابل الفضائي وتلسكوب كيبلر. يقترح أن الأرض كانت حالة خاصة مبكرة. على الرغم من أن الدراسة استبعدت الحياة الذكية، فإنها تشير إلى أن ولادة كوكبنا جاءت في وقت مبكر جدًا من تاريخ الكون. وقالت الدراسة إنه عندما تشكلت الأرض قبل حوالي 4.6 مليار سنة، فإن 8% فقط من الكواكب التي يمكن أن تكون صالحة لظهور الحياة عليها والتي ستتشكل في الكون كانت موجودة”. بعبارة أخرى، فإن معظم المواد المتاحة لتشكل الكواكب الصالحة للحياة لا تزال موجودة – مما يمنح الكثير من الوقت لظهور حضارات فضائية.

أو ربما تكون الحياة هشة للغاية بحيث لا يمكنها النجاة لفترة طويلة. تشير دراسة أجريت عام 2016 إلى أن المرحلة المبكرة من تاريخ الكوكب الصخري يمكن أن يكون مناسبة للغاية لتطور الحياة، حيث يمكن أن تظهر بعد حوالي 500 مليون سنة وهذا بعد أن يبرد الكوكب وتتوافر المياه. ومع ذلك، وبعد هذه النقطة من تاريخ الكوكب، يمكن لمناخه أن يمحو الحياة بسهولة. كوكب الزهرة كمثال (الذي يعاني من احتباس حراري خانق) أو المريخ (الذي فقد معظم غلافه الجوي إلى الفضاء بسبب أشعة الشمس). قاد الدراسة أديتيا تشوبرا، الذي كان آنذاك في الجامعة الوطنية الأسترالية (ANU) في كانبيرا.

في عام 2017، أعاد موقع Space.com نشر مقالة RealClearScience مع 12 سببًا لعدم تمكننا من العثور على الفضائيين، بدءًا من التدمير الذاتي للحياة الذكية إلى عدم رغبتهم في الكشف عن مكانهم.

المصدر:

هنا

Exit mobile version