Site icon الباحثون الجزائريون – Algerian Researchers

متلازمة باريس

Photo by Pixabay from Pexels

لا شكّ أن السّفر وزيارة المدن المختلفة حول العالم هو حُلم الكثير من النّاس، ففي حين اِستطاع بعضهم تحقيق هذا الحلم، فهو لا يزال مجرّد أمنيةٍ عند الكثير. ومن الأشياء المُتعارف عليها أيضًا أن السّفر إلى أماكِن جديدة وتغيير الأجواء المعتادة من أكثر الأمور التي تبعث على الرّاحة النّفسية، والتي لها القُدرة على تحسين مزاج الإنسان إلى حدّ كبير، وقد ينصح الكثير من الأطباء النّفسانيين مرضاهم بذلك.
لكن كيف إذا كانت النّتيجة عكسية، وأقصد أن السّفر إلى أكثر الأمكان الجميلة في العالم قد يتسبّب لك في الإكتئاب، وهو نفسه الّذي قد يدفعك إلى زيارة طبيب نفسي!

لا تستغرب فهذا ما يحصل لبعض اليابانيين أثناء زيارتهم لأحد أكتر المدن شهرةً وجمالًا حول العالم، وأتكلّم هنا عن باريس، حيثُ يلجأ معظمهم إلى زيارة أطباء نفسيين فور عودتهم إلى اليابان من أجل التّعافي من الصّدمة التي أصابتهم في عاصمة الأنوار. حسنا لنتعرّف على هذه الظّاهرة.

يزور فرنسا حوالي مليون سائِح ياباني كل عام ومعظمهم يقصد باريس خِصّيصا بسبب الصّورة النّمطية التي يمكلونها عن هذه المدينة، والّتي روّجها الإعلام بصفة عامّة والأفلام بصفة خاصّة، والّتي تُصوّر باريس كأكثر المدن رومانسيّة على الكوكب. حيث يتوجه إليها العشّاق من كل مكان في العالم ليضعوا الأقفال على جِسر الحب أو ليتسوّقوا في جادة الشانزيلزيه وهم يستنشقون رائحة الخُبز الطازج المُنبعث من تلك المخابز القديمة، أو رائحة القهوة الفرنسية وفي أسوء الأحوال سيكون عطر Chanel أو Dior الرّائحة السّائدة هناك.

باريس تلك المدينة المشهورة بأفخر أنواع الجبن، والنّبيذ وطاولات المقاهي التي تكون مُنتشرة في الشّوارع حيث يقدّم لَك النّادل القهوة التي طلبتَها أو أحد الوجبات الخفيفة باِبتسامة عريضةٍ ليختمها بعبارة Bon Appétit، في حين أنك تُشاهد الناس وهم يقومون بإطعام الحمام المُتواجد بأعدادٍ كثيرة أو تشاهد أحد الرّسامين يرسم صورةً شخصية لأحد السّياح أو أولئك المُمثلين الإيمائين الذين بتواجدون في كل زاوية…لكن !!!!

تتلاشى كل تِلك التَّخيّلات الجميلة أو بالأحرى تتحوّل إلى كوابيس فعليّة بمجرّد أن تطأَ أقدام اليابانين عاصمة الأنوار، حيثُ يرون باريس الحقيقية أين ينتشر الزّحام في الطّرقات، الضّوضاء وصراخ الأطفال يملآن عربات الميترو وجميع المرافق العامّة التي تكاد تكون مُكتضّة بالنّاس، والذين قد يصبحون وقحين جدّا معك خُصوصا حين يعلمون أنّك سائِح.
الجريمة منتشرة هناك كأي مدينةٍ أخرى في العالم أو ربّما أكثر قليلا. ذلك النّادل الذي يُقدم لك القهوة لن يبتسم في وجهك وربما يكون قد مرَّ بيوم سيء ليصبح فضّا معك وهو يسألك عن نوع القهوة التي تريدها في حين أنّك لا تجيد الفرنسية. بعد إختبار كلّ هذا وأكثر يُصاب بعض السيّاح اليابانيين بما يعرف بمتلازمة باريس وهي عبارة عن  أعراضٍ نفسية وجَسدية تتمثل في دوار، تعرق، هلاوس وحتى شعور بالإضطهاد تُلازمهم طيلة الزيارة حتى يعودوا إلى بلدهم وبعضهم لا يستطيعون العودة إلّا بمرافقة طبّية.

تمّ تشخيص هذه المُتلازمة لأول مرة منذ أكثر من 30 سنة عن طريق طبيب نفسي ياباني يعمل في فرنسا يُدعى Hiroaki Ota. يتمّ إحصاء أكثر من 12 سائح يُصابون بهذه المتلازمة كلّ سنة أغلبهم من النّساء، ولهذا خصّصت السّفارة اليابانية خطًّا ساخنا يعمل على مدار 24 ساعة للسيّاح اليابانيين الّذين يشعرون بأعراض هذه المتلازمة.

ربّما يكون السّبب في كون اليابانيين هم الأكثر عرضة للإصابة بهذه المتلازمة أنَّهم من أكثر المجتمعات لطفًا وهُدوءًا ومساعدة لبعضهم البعض ولغيرهم من النّاس، وهذا ربّما ما يختلف كثيرًا عن طبيعة المجتمع الفرنسي والذي لا يحبّذ كثيرا التّعامل مع الغرباء ويتّسم أيضًا بالصّخب والوقاحة أحيانا، وهذا مايكون سببًا في حصول ما يعرف بصدمة الإختلاف الثقافي أو Culture shock، والذي يكون من أكثر مسبّبات المتلازمة.
وللحصول على تجربة سيّاحية ممتعة في فرنسا وفي باريس تحديدا يجب على اليابانيين تغيير صورتهم النمطية التي يمتلكونها عن هذه المدينة وأنها كغيرها من المدن الأخرى، لها مساوئها وليست مدينة الأحلام.

إعداد: نبيل عزيزي

تدقيق لغوي: أنس شيخ

تصميم: رامي نزلي

المراجع: (1) (2) (3) (4)

Exit mobile version