Site icon الباحثون الجزائريون – Algerian Researchers

ماهو نظام تحديد المواقع العالمي GPS؟

https://www.pexels.com/photo/person-using-white-tablet-computer-displaying-location-text-1305305/

يعكس الجي بي أس (GPS) ذرة التطور البشري، حيث أنه يجمع بين نظرية الكم، نظرية النسبية وتكنولوجيا الفضاء في آن واحد. إنه النظام الذي بات يستخدم في مجالات كثيرة، من الملاحة البحرية والجوية، إلى المركبات ذاتية القيادة، مرورا بالزراعة وأسواق المال والبورصة. فماهو هذا النظام وكيف يعمل ؟

الجي بي أس (GPS: Global Positioning System) هو اختصار يعني نظام تحديد المواقع العالمي، وهو نظام ملاحة عالمي يعمل على الأقمار الصناعية توفره الولايات المتحدة. يعتبر GPS أحد مشاريع وزارة الدفاع الأمريكية، حيث أطلق المشروع سنة 1973، وتم الانتهاء منه كليا سنة 1995. لكنه مع ذلك صار متاحا للاستخدام المدني انطلاقا من 1980.

ويتكون هذا النظام من كوكبة من الأقمار الصناعية، بلغ عددها في أفريل من هذه السنة 31 قمرا في إطار الخدمة. مع أن اشتغال المنظومة يتطلب فقط وجود 24 قمر صناعي في الخدمة في آن واحد. تبث هذه الأقمار إشارات كهرومغناطيسية في نطاق الراديو إلى أجهزة استقبال خاصة على الأرض، تمكنها من تحديد موقعها و التوقيت بدقة كبيرة.

على حسب موقع (gps.gov)، فإن الدقة التي توفرها إشارة GPS المتاحة للمدنيين هي نفسها الدقة المستعملة في الأغراض العسكرية. لكن ما يرجح كفة الأجهزة المستخدمة من طرف الجيش هو أنها تستقبل إشارة ثنائية التردد، على عكس أجهزة المستقبلات المدنية، والتي تستقبل إشارة أحادية التردد، وهو ما يمنحها دقة أفضل. مع هذا، الأجهزة ثنائية الإشارة متوفرة لدى المدنيين، لكن تكلفتها وحجمها يجعلانها محدودة الاستعمال.

في خضم الحرب الباردة سنة 1978، وبسبب خطأ في تحديد الموقع، طائرة تابعة للخطوط الجوية الكورية يتم إجبارها من طرف الدفاعات السوفييتية على الهبوط الاضطراري، بعد دخولها المجال الجوي السوفيتي بالخطأ، مما أدى الى مقتل شخصين.

خمس سنوات بعد ذلك، 1983، تدخل طائرة بوينغ 747 تابعة للخطوط الجوية الكورية المجال الجوي السوفياتي بالخطأ. كان الخطأ هذه المرة مميتا، فبعد عدم الاستجابة للتحذيرات، اعتبرت الطائرة الكورية معادية و تصدت لها المقاتلة سوخوي- 15، مما أدى إلى مقتل كل ركابها البالغ عددهم 269.

تكرر مثل هذه الأخطاء الملاحية دفع الرئيس الأمريكي حينها رونالد ريغان إلى إمضاء أمر تنفيذي يسمح باستعمال نظام تحديد المواقع، GPS، لأغراض مدنية.

بشكل منتظم، يقوم كل قمر صناعي في هذا النظام ببث إشارة كهرومغناطيسية تحتوي على موقعه وعلى الزمن الذي
بثت فيه الاشارة. تقارن أجهزة الاستقبال زمن إرسال الاشارة بزمن وصولها، فتعرف المدة المستغرقة. وبما أن هذه الاشارات تنشتر بسرعة الضوء، تستطيع أجهزة الاستقبال حساب بعد القمر الصناعي عنها (المسافة = السرعة *المدة المستغرقة).



هنا يأتي دور تقنية هندسية تسمى التثليث المساحي (Trilateration). لنفرض الآن أنك قد عرفت بعدك عن للقمر الصناعي A، كما هو مبين في الشكل. هذا يعني أنك ستكون في نقطة ما من الدائرة الحمراء التي مركزها هو ذاك القمر. إذا علمت أيضا بعدك عن قمر صناعي آخر B، ستكون أيضا ضمن الدائرة الزرقاء التي مركزها هو القمر B. كونك تنتمي إلى الدائرتين في نفس الوقت يعني أنك موقعك هو أحد نقطتي تقاطع الدائرتين. لذلك ستحتاج لمعرفة بعدك عن قمر ثالث C، وبالتالي ستكون على الدائرة التي مركزها القمر C. الانتماء إلى ثلاث دوائر في آن واحد يحدد موقعك في نقطة واحدة فقط هي نقطة تقاطع الدوائر الثلاث.

هذه هي طريقة تحديد المواقع المعمول بيها في نظام تحديد المواقع، مع فرق أن أقمار GPS في الفضاء ثلاثي الأبعاد تستعمل تداخل كرات بدلا من دوائر، و هو ما يستوجب استعمال أربعة أقمار صناعية في آن واحد.

بما أن الأمر يتعلق بإشارات تنتشر بسرعة الضوء، فإن خطأ ضئيلا جدا في الزمن، من رتبة الواحد من المليون من الثانية، قد يجعل دقة تحديد الموقع تتدهور إلى دائرة قطرها 300 متر! هذا يجعل من المستحيل الاعتماد على الساعات العادية، مثل ساعات الكوارتز مثلا، والتي تتأثر بدرجة الحرارة والضغط، مما يجعلها عرضة لمثل تلك الأخطاء.

الحل إذا يكمن في استخدام ساعات ذات دقة عالية جدا، تجعل الخطأ فيها ينزل إلى ثانية في كل 32 ألف سنة، تسمى الساعات الذرية. إذ أن كلا من  الأقمار 24 النشطة في نظام GPS تحمل على متنها 4 ساعات ذرية.

تعتمد الساعات الذرية في تدقيق الزمن على حسابات الفيزياء الكمية، حيث تضبط إيقاعها وفق الاهتزازات الذرية في ذرات مثل السيزيوم أو الروبيديوم. تكون هذه العملية دقيقة جدا، لدرجة أن الخطأ في الوقت يقل إلى جزء من التريليون. هذا يعني أنه بعد ضبط هذه الساعات المذهلة، سيكون عليك إعادة ضبطها بعد حوالي 32 ألف سنة، أين ستكون قد زادت أو نقصت بمقدار ثانية واحدة فقط!

للأسف الشديد، مادام الوقت على ساعات القمر الصناعي سيقارن مع الوقت الذي على مستقبل إشارة GPS، فإن استعمال الساعات المتطورة وحده غير كاف.

إذ تنص نظرية النسبية الخاصة إلى أن حركة الأقمار الصناعية بالنسبة للأجهزة المستقبلة من شأنها أن تجعل الساعات على متن تلك الأقمار تشتغل بوتيرة أبطء. لنفرض أنك مثلا قمت بضبط الساعة الذرية في الأقمار الصناعية مع ساعة المستقبل هنا على سطح الأرض، أي قبل رفع الأقمار إلى مداراتها. بمجرد أن يوضع القمر الصناعي على مداره ويبدأ في الحركة، ستسجل ساعاته الذرية مدة زمنية أقل (بحوالي 7 مايكرو ثانية كل يوم) من تلك التي يتم تسجيلها على جهاز الاستقبال.

لكن ماذا عن النسبية العامة؟ بدورها، تنص النسبية العامة على أن الساعات المتواجدة في مجال جاذبية أقل سوف تسجل وقتا أطول. هذا يعني أن الساعات الذرية المحمولة على الأقمار ستسجل مدة زمنية أطول (45 مايكرو ثانية كل يوم) من ساعة المستقبل على سطح الأرض، أين تكون الجاذبية أقوى.

هذه التأثيرات مجتمعة من شأنها أن تعطي نتائج خاطئة بمئات الأمتار! لذلك يقوم مستقبل GPS بإدخال التصحيحات الناجمة عن النسبية العامة والخاصة وعوامل أخرى، فتعطي نتائج دقتها في حدود 5 أمتار.

استعمالات نظام تحديد المواقع اليوم أصبحت كثيرة جدا. فنحن نستعمله لتحديد المواقع أو من أجل التزامن. الاستعمال الأكبر هو بلا شك الملاحة الجوية والبحرية. وهو يستعمل أيضا في المركبات ذاتية القيادة، أو أجهزة التعقب التي توفرها الشركات كـ MyBeTrack التي توفر جهاز يتم وضعه على المركبات كالسيارات والدراجات النارية والقوارب وتقوم بتوفير منصة خاصة لتعقبهم بكل سلالة وبخدمة إحترافية متوفرة على مدار الساعة، كذلك يستعمل في الهواتف النقالة… له استعمالات إنسانية أيضا، مثل حالات الانقاذ. أما إستعمالاته العسكرية فهي كثيرة، مثل توجيه الصواريخ والتخطيط. كما يستعمل أيضا في أغراض علمية كالفلك. و له استخدامات اقتصادية كالزراعة والمناجم  بل وحتى أسواق المال والبورصة. كما نجد له توظيفا في الطقس و المناخ، عمليات المسح …

سنة 1999، وفي خضم حرب الكارجيل (Kargil) بين الهند وباكستان، قررت الولايات المتحدة وقف خدمة GPS عن الدول المتنازعة. كانت هذه الحادثة الدافع وراء العديد من الدول إلى تطوير نظام تحديد المواقع الخاص بها.

الاتحاد السوفيتي سابقا كان يطور برنامج تحديد مواقع عالمي اسمه (GLONASS)، وذلك بالموازاة مع نظيره الأمريكي GPS. لكنه عانى من مشاكل أخرت اكتماله إلى غاية منتصف العشرية الأولى من القرن الحالي. وهنالك فعلا بعض أجهزة الاستقبال التي تعمل على النظامين معا، محققة بذلك دقة أكبر.

الاتحاد الأوروبي هو الآخر يعمل منذ 2005 على نظام مماثل عالمي النطاق يسمى غاليليو (Galileo)، والمتوقع اكتماله كذلك بحلول 2020.

من جهتها الصين تعمل منذ بداية القرن الحالي على بناء برنامجها المحدود جغرافيا والمدعو اختصارا (BDS). لكن يتوقع أنه سيصل لتغطية عالمية بحلول 2020.

وكان من الطبيعي أيضا أن تسعى منظمة البحث الفضائي الهندية بعد ذلك الدرس القاسي إلى تطوير نظام تحديد مواقع خاص بها، وهو ما حدث فعلا. لكنه نظام إقليمي المدى، و يدعى اختصارا (IRNSS).

تدقيق لغوي: بشرى بوخالفي

Exit mobile version