إنَّ إحدى خَصائِص الخَلايا السَّرطانيَّة التي يُمكن أن تُساعِدَها على غَزوِ الجِسم والبَقَاء فيه، هي قُدرَتُها على التَّهَرُّب من الإكتِشاف والتَّدمير بواسِطَة جِهاز المَناعة البَشري، وبعضُ خَلايا الأورام تُنتِجُ كميَّاتٍ أعلى من المُعتاد من البروتينات تُسمَّى إشارات “لا تَأكُلني”، والتي توجَد على سَطح الخليَّة.
هَذِه البروتينات “لا تأكلني” هي نَوعٌ من نِقاط التَّفتيش المَناعيَّة، وهي “مثلَ عَباءاتٍ غَيرِ مرئيَّة للسَّرطان”، تَمنَعُ خلايا الدَّم البَيضَاء التي تسمى البَلاعِم من اِكتشاف خَلايا الوَرَم واِبتلاعِها وتَناوُلِهَا، كما أوضَحَ “إيرفينغ فيسمان” (Irving Weissman)، دكتور في كُلية الطب بـ “جامعة ستانفورد”.
وفي دِراسَة جَديدة، اِكتَشَف الدُّكتور “فايسمان” وزُمَلاؤُه أنَّ البروتين المُسمَّى CD24، هو إشَارة جَديدَة “لا تأكلني” ويَعتقدون أنَّها هَدفٌ مُحتَمَل للعِلاج المَنَاعي للسَّرَطان، وتُشير النَّتائِج التي تَوصَّل إليها الفَريق إلى أنَّ سَرَطان المِبيَض وسَرَطان الثَّدي الثُلاثي السِّلبي، وكِلاهُما يَصعُب عِلاجُهُما عن طَريق اِستهدَاف ومَنع البروتين CD24.
وقَالَت “سوزان مكارثي” (Susan McCarthy)، دكتور في قسم البيولوجيا السَّرطانيَّة في المَعهَد القومي للسَّرطان إنَّ هُناك حَاجَة إلى مَزيد من العَمَل لفهم دور الـ CD24 بشكلٍ أفضَلَ في الأَورام البَشريَّة، وتَطوير العَقاقير التي يُمكن أن تَمنَع نَشاطَها.
فالدَّراسَة ” توفِّرُ إمكانيات حَقيقيَّة ” بشأن اِستهداف CD24، الذي قَد يُساعد جِهاز المَناعَة لدى المَريض على العَمَل بقوَّة أكبَر ضدَّ بعض أنواع السَّرطان.
إنَّ مُعظَم أنواع العِلاج المَناعي والمُستخدَمَة بالفِعل تَستَهدِف خَلايا الدَّم البَيضاء التي تُسمى خَلايا T، والتي تُعدُّ مُكونَات رئيسيَّة للخَط الثاني من الدِّفاع المَناعي للجِسم، والمَعروفَة باِسم المَناعَة النَّوعيَّة.
وعلى النَّقيض من ذلك، فإن الخَلايا البلعميَّة التي يَقمَعُ عَملُهَا البروتين CD24 الخاص بها، هي جُزءٌ من الجِهاز المَناعي الفِطري الطَبيعِي وهو خَط الدِّفاع الأول للجِّسم ضد العَدوى والخَلايا غير الطَّبيعيَّة.
وحَسَب قول “سوزان” فإن النَّتائج الجَديدة هي تَذكيرٌ بأنَّ الخَلايا البالعَة كذلك وليس فقط الخَلايا التائيَّة، يُمكِنُها القَضَاء على الخَلايا السَّرطانيَّة.
البَحث عن إشارات “لا تأكُلني” جَديدَة:
الغَرض المُعتاد من إشارات “لا تأكُلني” هو مَنع البَلاعِم من مُهاجمة الخَلايا الطبيعية في الجِسم، ففي العقد الماضي، حَدَّد مُختَبَر الدكتور “فيسمان” ثلاثَة بروتينات أخرى لإشارة “لا تأكلني”، PD-L1، CD47، وB2M، تَستخدِمُها الخَلايا السَّرطانيَّة للتَّهرُّب من البَالعات.
بالإضافَة إلى العَمل كإشارَة “لا تأكلني” على الخَلايا البالعَة، يَرتبِطُ PD-L1، المَوجود في بَعض الخَلايا السَّرطانيَّة، ببروتين PD-1 على الخَلايا التائيَّة لرفض الإستجابَة المَناعيَّة النَّوعية. وبالفِعل تُستَخدَم العقاقير التي تَستَهدِفُ PD-L1 على خَلايا الوَرَم لعِلاج بعض أنواع السَّرطان، أمَّا الأجسام المُضادَّة التي تَحظُرُ CD47، هي في تَجارُب سَريريَّة في المَراحِل المُبكِّرَة.
وللبَحثِ عن بروتيناتٍ جَديدَةٍ “لا تأكلني”، اِستَفاد الفَريق من حَقيقة أن البروتينات الثَّلاثَة المُحدَّدَة مُسبَقًا من هذا النَّوع تُنتِجُ أنواعًا مُماثلَة من الإشارات داخِل البَلاعِم. وقال الدكتور “فايسمان” أنَّ هذه الإشارات تَكبُت قُدرَة البَلاعِم على اِبتلاع الخَلايا. حيثُ بَدَأ الفَريق في البَحث في مَجموعَة مُتنوِّعَة من أنواع السَّرطان البشريَّة لمعرفَة ما إذا كانت هُناك جُزيئات إضافيَّة تَستخدِم نفسَ النَّوع من آليات الإشارات وقد وُجدَت بمُستوياتٍ عاليَةٍ في أنواعٍ مختَلِفَةٍ من الأورام، وهي الطَّريقة التي مكنَّت من التَّعرّف على البروتين CD24.
إنَّ باِستخدام بياناتٍ من بَرنامَج Cancer Genome Atlas وبرنامج TARGET التابع لـ NCI، وَجَد فريق “ستانفورد” أنَّ تَعبير جين CD24، كان أعلى في الأورام منهُ في الأنسجة الطبيعية المُقابِلَة، وكان التعبير CD24 مُرتفعًا بشكل كبير في سَرَطان “المِبيَض”، كما كان أعلى بشكلٍ مَلحوظٍ في سَرَطان “الثَّدي الثُّلاثي السّلبي” منه في “خلايا الثدي السليمة” أو في سرطانات “الثدي” إيجابية مُستَقبِلات “الاستروجين والبروجستيرون”.
وفي تَجارب أخرى، أظهَرَ الفَريق أنَّ الخَلايا البالِعَة التي تَتسَلَّلُ إلى الأورام، تَتفَاعَلُ مع الـ CD24 من خِلال مُستقبلات تُسمَّى الـ Siglec-10.
حظر CD24:
لمعرِفَةِ ما إذا كان CD24 هو بروتين جَديد لإشارَة “لا تأكلني”، اِستخَدَمَ الباحثون أداةً لتحريرِ الجينات لإزالة الجين الذي يَصنَعُ البروتين CD24 من خط خلايا سرطان الثَّدي البَشَري الذي يَنمو في المُختَبَر، ثم قاموا بخَلطِ الخَلايا التي تُعاني من نَقصٍ في الـ CD24 وخَلايا سَرَطان الثَّدي الطَّبيعية مع البالعات البَشريَّة في أطباقِ المُختَبَر، فتمَّ مُلاحَظَة أنَّ الخَلايا التي كانَت تُعاني من نَقصٍ في الـ CD24 كانت تُغمَرُ وتُؤكَل، أو يتِمُّ تَطهيرها من قِبَل البالعات بسهولَةٍ أكبَر بكثير من الخَلايا السَّرطانيَّة التي لديها CD24.
كما عَزَّزَ عِلاج الخَلايا السَّرطانيَّة التي تُعبِّرُ عن الـ CD24، بما في ذلك الخَلايا السَّرطانيَّة المَريضَة أو سَرَطان الثَّدي الثُّلاثي السلبي، مع الجِسم المُضاد الذي يَمنَعُ التَّفاعُل بين الـ CD24 ومُستَقبلاتِهِ، مع البَلاعِم (Siglec-10) قُدرَة بَلعَمَة الخَلايا السَّرَطانيَّة.
في مقابل ذلك، لم يكُن للجِسم المُضاد الذي يَحجُب CD24 أيَّ تأثيرٍ على قُدرة البَلاعِم على بَلعَمَة الخَلايا السَّرطانيَّة التي تَفتَقِرُ إلى الـ CD24.
ارتَبَطَ بروتين CD24 في التَّجارُب على الفِئران، بزيادَة نُمو الوَرَم وأظهَرَت أنَّهُ يُمكِنُ أن يَمنَع البَلاعِم من مُهاجَمَة خَلايا الوَرَم، بالإضافة إلى ذلك، فعِندَ الفِئران المُصابَة بالأورام، قَلَّلَ العِلاج (خَمس جُرُعات من الجِسم المُضاد الذي يَحجُبُ CD24 على مَدى أسبوعين) من نُمو الوَرَم مُقارَنَةً بالعِلاج مع الجِسم المُضاد غير المُستهدَف للسَّيطرَة على بروتين CD24.
ونَظرًا لبعض الخلايا السرطانية التي قد تَحتوي على مُستويات مُرتفعَة منالـ CD24 والـCD47، فقد اِختبر الفَريق أيضًا تأثيراتِ العِلاج المُشتَرَك مع الأجسام المُضادَّة التي تَمنَعُ CD24 وCD47 على أنواع خَلايا الوَرَم المُختلفَة في التَّجارب المِعمَليَّة.
وخَلَصَ فَريق البَحث إلى أن النَّتائج تُشير إلى أن حَجب عدَّة بروتينات “لا تأكلني” قد يكون أكثَرَ فعاليَّة في علاج بعض أنواع السَّرَطان، وأنَّ CD24 هو إشارَة “لا تأكلني” السَّائدة في سَرَطاناتٍ أخرى، بما في ذلك سَرَطان “المبيَض” وسَرَطان الثَّدي “الثُّلاثي السّلبي”.
ولأنَّ مُستويات الـCD24 أعلى بشكلٍ ملحوظ في بَعض الأورام عن الأنسجة الطَّبيعية المُناظِرَة، قال “باركال” أنه يجب استحداث عِلاجات مَنع الـCD24 تكون قادِرَة على اِستهداف الخَلايا السَّرطانية والقَضاء عليها دون الإضرار بالخَلايا السَّليمَة.
وعلى حَسَب الدكتور “مكارثي”، فإن هَذه الدِّراسة مُهمَّة لأنه يوجَد بالفِعل مؤشِّرات من دراسَات سابقَة، حول ما إذا كانت للخلايا السرطانية عدَّة بروتينات” لا تأكلني “، فعندئِذٍ سيَتعيَّنُ علينا حَظر بروتينات مُتعَدِّدَة ومَعرِفَة أيُّ البروتينات مُهِمَّة لكلِّ سَرَطان.
تَحديد الآفاق المُستَقبليَّة:
لمتابعة النَّتائج الجَديدة، قال “باركال”:
“سنحتاج إلى تَحليل المَزيد من الأورام الأوليَّة من المَرضى لمعرفَة مدى وجود الـ CD24 في مختلف أنواع السرطانات، وجدت على مستويات مرتفعة في سَرَطان الثَّدي والمِبيَض وغَيرهِ من أنواع السَّرَطان.”
وقال الدكتور “فايسمان” أن العمل في المُستَقبَل سوف يَحتاج أيضًا إلى تَحديد ما إذا كانت هُناك إشاراتٌ إضافيَّة “لا تأكلني” وَجَب حظرُها. وقال إنَّ تحديد أيٍّ مِنها يتمُّ التَّعبير عنه في كلِّ نوعٍ من أنواع السَّرطان، وكذلِك في مُختَلَف المَرضى الذين يُعانون من نَفس نَوع الوَرَم، فقد يُساعِدُ في تَوقُّع أي من المَرضى سوف يَستجيبون لعِلاجاتٍ مُعيَّنَة تَمنَعُ هذه الإشارات.
وعلى المَدى الطويل، يَأمَل الفَريق في تطوير جِسمٍ مُضاد يَحظُر CD24 يكون آمنًا للإستخدام عند الأشخاص، ويُنطَلقُ في اِختبارِه على المَرضَى، فلا يَزال مَجهولاً ما إذا كان حِصار CD24 سيكون فعالا من تِلقاءِ نفسِهِ في بَعض أنواع السَّرطانات، أو ما إذا كان سيُتَعيَّنُ الجَمعُ بينَهُ وبينَ عِلاجات مَناعيةَّ أخرى أو أدويَة أخرى مُضادَّة للسَّرطان لتَحسين التَّأثير.
إضافةً إلى ذلك، وبينَما اِستخدَمَ الفَريق نَوعًا مُعيَّنًا من البَلاعِم البشريَّة في تَجارُبِهِم المُختَبَريَّة، فمِن المُحتَمَل أن يكون الوَضعُ عندَ المَرضى أكثَر تَعقيدًا، لأنَّ نِظام المَناعَة البَشريَّة يَتضمَّنُ العَديدُ من أَنواع البَلاعِم، وقَد تَحتَوي الأَورام البَشريَّة الفرديَّة على أكثَر من نَوعٍ واحدٍ.
تدقيق لغوي: أنس شيخ.
تصميم: رامي نزلي