قطة (شرودنجر) تجربة ذهنية مثيرة جدًا وغريبة، إذ وجدنا أن الإلكترون أو أي جسيم صغير، في حالة غريبة غير محدّدة، اسمها حالة التراكب الكمّي. وهذه الحالة يتصرّف فيها الإلكترون كما لو كان موجودًا في جميع الأماكن، وكما لو كان يسير في جميع المسارات المُمكنة، بحيث في النّهاية سيُمكننا رصده في أيّ مكان من هذه الأماكن. ومن المستحيل أن نعرف هل هناك مكان معيّن سيظهر فيه الإلكترون أم لا؛ لأنّه يتصرّف كما لو كان في كلّ الأماكن الممكنة.
وبالتالي، حين يتم رصده في النّهاية سيظهر في مكان واحد، وهذا المكان له مسار واحد محدّد، فإن ظهر الإلكترون في ذلك المكان فكأنّه لمْ يسر في باقي المسارات الأخرى الّتي تؤدّي لبقية الأماكن. إن عملية رصدنا له هي التي تجعله يحدّد أيّ مكان سيظهر فيه، وهو يختار تلك الأماكن بعشوائية تامّة، فلا توضّح ميكانيكا الكم على أيّ أساس يتم اختيار مكان معين حين تم رصده. وعليه، فإنّ مساره غير محدّد أو لنقُل أنّه يسير في المسارات كلّها ولا يسير فيها كلّها في نفس الوقت حتّى يتمّ رصده، وهنا المفارقة.
ويأتي دور قطّة (شرودنجر)، حيث أنّنا سنضعها في صندوق مُغلق به سُمّ، وهذا السُمّ لا يتمّ تنشيطه إلّا من خلال حسّاس يقيس الإشعاع الذري الذي سيخرج من ذرات عنصر مُشع سنضعه بداخل الصندوق أيضًا. بحيث إن وَجد الحسّاس إشعاعًا نشَّط السمّ، وإن لم يجد إشعاعًا لا ينشِّط السم. إن إشعاع الذرة يعتمد على الجسيمات الصغيرة الّتي ستخرج منها وهذه الجسيمات في حالة تراكب كمّي، أي أنّها تسير في كلّ الاتجاهات، في كلّ الوقت، حتى يتمّ رصدها بكشف الصندوق لقراءة حسّاس الإشعاع.
إلكترونات الذرة المشعة في حالة تراكب كمي أي أنها مشعة وغير مشعة في نفس الوقت، ونشاط السمّ يعتمد على هذه الحالة المتراكبة من جميع الاحتمالات الممكنة كميًّا، وبالتالي؛ فإن حالة القطّة تعتمد على حالة متراكبة كميًّا ، أيّ أنّ السّم نشط وغير نشط في نفس اللحظة. وعليه؛ فإنّ القطّة حية وميتة في نفس اللحظة!. وهذا ما لانراه في الواقع.
سبب مفارقة قطّة (شرودنجر) أن النتائج التي تعتمد على الدالة الموجية للجسيمات الصغيرة، تؤكّد أنّ القطة لها حالتان معًا في وقت واحد، واعتبرنا أنّ حالتها الغريبة هذه ستكون في صندوق واحد فقط، بحيث تكون ميتة وحية في نفس الوقت.
وظلّت هذه المفارقة بلا حلّ حتى أتت هذه التجربة ـ حيث قام العلماء ببناء صندوقين من الألمنيوم بداخلهما موجات من البروتونات، والصندوقان متصلان بنفق فائق الاتّصال بينهما، بحيث يمكن للبروتونات أن تسافر بين الصندوقين بسلاسة. وتمّ بدأ التجربة بحيث يكون تردّد موجات البروتونات في الصندوق الأول مختلفًا عن تردد موجات الصندوق الثاني، أي أنّ الموجات في كلا الصندوقين تتتصرف بشكلٍ مختلفٍ. وبما أنّ النفق بين الصندوقين مفتوح فإن البروتونات تنتقل بين كلا الصندوقين، أي أنّ الصندوقين أصبح فيهما كلا الترددين في نفس الوقت. وحينما أغلقوا النفق بين الصندوقين، وجدوا أن البروتونات مازالت موجودة في كلا الصندوقين في نفس الوقت!.
وعليه فإن كانت قطّة (شرودنجر) في الصندوق الأول حين يتم رصد حالتها، فإن وجدناها حيّة في صندوق، فإنها حتمًا ستكون ميتة لو أنها كانت في الصندوق الآخر أو كأنّ هناك قطة أخرى مثلها. فحالة القطّة (وليست القطّة نفسها) موزّعة بين الصندوقين لأن الإلكترون (أو البروتون في حالة التجربة) موجود في الصندوقين في نفس الوقت. لكن حين رصده يختار أحد الصناديق ليتواجد فيها ولا يتواجد في الآخر، فينشط السمّ في صندوق ولا ينشط في الآخر، وعليه فإن القطّة ستكون ميتة في صندوق وحية في الآخر!.
ونظريًا فإنّ حالة القطة (وليست القطّة نفسها) ليست في صندوق واحد فقط، بل ممتدّة في كلا الصندوقين في نفس الوقت، وهذا ما سبّب المفارقة التي كانت تثير دهشتنا من قبل.
المصادر:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
تدقيق لغوي: Mohammed Diab