من الصعب أن نقوم بإحصاء تلك الأفلام التي صوّرت لنا الشّخص السّايكوباتيّ على أنّه سارق، قاتل، مغتصب، عدواني، وغيرها من السّلوكيّات التي لا نتمنّى امتلاكها، ولا نتمنّى أن نصادف أشخاصا يمتلكونها.
بالمقابل؛ ماذا عن صفات كالثقة بالنّفس، عدم التردّد، المخاطرة، وعدم الخوف؟
بالطّبع هي صفات نمنّي النّفس بامتلاكها.
ولكن، وفي الحقيقة فالخوف والقلق هما هبة تطوّرية مكّنت أسلافنا من النجاة في البيئات الصعبة. أمّا عصبيّا، فنعلم جيّدا أنّ مناطق مثل اللّوزة الدّماغية (amygdala) هي المسؤولة عن هذه الانفعالات.
لكن هل يوجد أشخاص لا يختبرون هذا الأمر؟ لكي نجيب عن هذا السؤال، علينا أن نأتي بالقصّة من أوّلها، حين بدأ كلّ شيء سنة 2008، عندما حدثت الأزمة المالية العالمية. حينها بدأت الأوساط العلميّة تتساءل كيف لرجال أعمال واثقين بأنفسهم، ناجحين ومغامرين أن يتورّطوا في إدخال العالم في أزمة كانت تبعاتها خطيرة على العالم؟
لمعرفة ذلك قام العالمان “بورد” و”فريتزن” بتطبيق اختبار يقيس السّمات السّايكوباتيّة على ثلاث مجموعات: مرضى نفسيّون، سجناء، ورجال أعمال؛ وكانت المفاجأة حين تبيّن أنّ مديري الأعمال كانوا الأكثر امتلاكا للصّفات السّايكوباتيّة، ولكي أزيل الغموض عن دماغك، عليك أن تعلم عزيزي القارئ أنّ الصّفات السايكوباتيّة هي من قبيل: النّرجسيّة التي ترى أنّها ثقة بالنّفس، الاندفاعية التي تراها حبّا للمغامرة، وعدم التعاطف الذي يجعله يرتكب مفاسدًا قد لا تظهر في القتل والسّرقة كما كانت فكرتنا عن السّايكوباتيّ بالمعنى الكلاسيكي، وإنّما مفاسد من قبيل ما حصل في الأزمة المالية العالمية، وكذا مفاسد على المستوى الشخصي من قبيل الخداع، الخذلان، والاستغلال..
وهنا نرجع لسؤالنا عن الأشخاص الذين لا يختبرون انفعالات الخوف والقلق؛ ما بينته الدراسات هو أنهم أولئك الذين يملكون السمات السّايكوباتية، فقد ثبت أن عدم شعورهم بالخوف يعود إلى صغر في حجم اللوزة، ففي حين أن الموجة الدماغية تيطا (Theta) عند الأشخاص العاديين توجد عند النوم أو التأمل، وُجد أنها عند السيكوباتيين توجد في حالات النشاط العادي وحتى في حال ازدياد الإثارة، وهذا سر هدوئهم الشديد حتى في ظل الخطر الشديد.
وأخيرا فإن صفات مثل الاندفاعية والمخاطرة ناتجة عن خلل في إفراز الدوبامين في دائرة المكافأة، إذ أنه من المعروف من الناحية العصبية أن دائرة المكافأة تفرز الدوبامين الذي يولد لنا شعور المتعة حين نقوم بسلوكيات تعزز البقاء مثل الأكل، الجنس، والحصول على المال. ما يحصل عند السايكوباتي هو أنه مستعد لارتكاب أي شيء للحصول على اللذة، حتى لو كان ذلك سيكلفه ويكلف العالم من حوله، فالخلل في مركز المكافأة عنده يجعله يفرز الدّوبامين أربع مرات أكثر من الشخص العادي، وبالتالي فإنه لا يستطيع التفكير في العواقب نتيجة إغراق الدماغ بالدوبامين.
إعداد: خير الدين بوجمعة
تدقيق لغوي: سلمى بوقرعة
تصميم: رامي نزلي
المرجع: Kevin Dutton (2012), The Wisdom of Psychopaths, Doubleday Canada, Canada