تمثل قصة إبليس (وكيف أنه كان الملاك المفضل للإله ثم أصبح شيطاناً) التحول الأكثر تطرفاً الذي من الممكن تخيله، فكيف يصبح الأشخاص الصالحون يفعلون أشياءً سيئة؟ كيف إستطاع الجار أن يقتل جاره بوحشية في رواندا 1994! كيف يستطيع أب رائع في منزله أن يعذب سجين أعزل في سجن أبو غريب 2003!
أُولى محاولات الإجابة على هذا السؤال قام بها “ميلغرام”، في تجربة ظاهرها أن يقوم شخص بدور المعلم بتسليط صدمة كهربائية على المتعلم حين يخطأ، فكانت الصدمة تبدأ بـ 15 و 30 فولط وكلما تزداد يتظاهر المتعلم بالألم (طبعا الشخص المعلم لا يدري أن الأقطاب ليس فيها كهرباء)، فلاحظ ميلغرام أنه كلما أراد المشارك التوقف يقول له المشرف أن عليه الإكمال وأنه هو من سيتحمل المسؤولية فيكمل، وبالرغم من رؤيتهم لألم المتعلم فإن أغلبهم لم يتوقف، وهذا ما يفسر تلك الجرائم التي قام بها النازيين والأمريكان في فيتنام، فعندما تلتقي السلطة مع المبدأ الأخلاقي فغالباً السلطة ستفوز، لكن هل هو تأثير السلطة فقط؟
لعل “ويليام غولدنغ” في روايته “أمير الذباب” لم ينتبه إلى تقديمه لآلية يخلق بها الإنسان شيطاناً داخله، فبعد تحطم الطائرة على الجزيرة كان الحكم في البداية ديمقراطياُ، لكن بنفاذ الطعام أصبح المتعاونون متنافسون، فأمر قائد إحدى المجموعات لأفراده أن يطْلوا وجوههم بالصباغ؛ فأن تصبح مجهول الهوية أمر يقلل من الكوابح والتثبيط ضد القتل، ففي دراسة يذكرها “فيليب زيمباردو” وجد أن الثقافات التي يغير أفرادها ملامحهم في الحرب هي نفسها التي تمارس التعذيب و التشويه، كذلك يمكنك أن تقتل إذا فكرت في الضحايا بأنهم أقل من البشر وأنهم كالحيوانات (مثلما حدث في الهولوكست) أو بأنهم حفنة من الخونة (مثل في رواندا) و هو الشيء الذي تفعله الدعاية
في كتابها “القسوة” تذكر “كاثلين تايلور” أن السادية هي وسيلة لإظهار القوة غير المتناهية، فاللسان السادي يقول “إنني لست قادر على قتل منافسي وعدوي فقط، ولكني قوي وفي مأمن وأستطيع أن أسلخ جلده وأنزع أظفاره، فهاجِمني وعرِّض نفسك لنفس المصير”، ولهذا تكثر السادية في المجتمعات التي تسود فيها القوة والتحكم الذكوري؛ لأنه كلما كنت مسيطر كلما بقيت
ولنحلل ذلك فلنأخذ الشهادة التالية وهي لأحد الناجين من مجازر الأرمن التي قام بها الأتراك في 1915 “.. رأيت أبي الكبير في السن ميتاً ومشوهاً و مستأصَل العضو التناسلي، وأنه كان قد قُيِّد بمسامير على لوح خشبي بما يشبه الصليب.. “، من الواضح أن قطع العضو الذكري هو لإثبات السيادة؛ لأن القضيب هو رمز ومصدر للقوة الذكورية و التناسلية، أما تعليقه على الصليب فهو إشارة لرفض الأرمن المسحيين كأقلية تهدد دعائم الأمة وسلامتها.
المصادر :
Patrick clervoy (2013) .L’effet lucifer. Pris. France . CNRS Edition
تدقيق لغوي: “مراد بدر”.