إن كنتَ قد شاهدتَ فيلمًا من قبل أين تتواصلُ فيه غواصّة تكون تحتَ الماء مع طائرة فذلكَ محضُ خيالٍ وارتجالٍ من صُنّاع ذلكَ الفيلم، لأنّ موجات السّونار التي تستعملُها الغوّاصات لا يُمكنها عبور حاجز المياه نحوَ الجوّ في الأعلى، وموجاتُ الرّاديو التي تستعملُها الطّائرات لا يُمكنهَا أيضًا عبور حاجز المياه والانتشار فيها.
كان هذَا دومًا مشكلةً في الاتّصالات بين المركبات الجويّة والتي تعملُ تحتَ الماء، كذلكَ كان عائقًا في البحثِ عن الغواصات والسّفن والطائرات المحطّمة تحتَ المياه. وكان على الغوّاصات أن تطفو إلى سطح الماء لإرسال البيانات للجوّ ممّا يُعرّضها لخطر كشف مواقعها.
قامَ فريقٌ من العلماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ( أم آي تي – MIT اختصارا ) بتطوير نظامٍ يُتيح للغواصات التواصل مع الجو، بالرّغم من أنّ سرعة البيانات في الوقت الحالي ضعيفة جدًّا والإرسال يكون في اتّجاهٍ واحدٍ فقط (للمزيد حول أنماط الإرسال). يقولُ كبيرُ الباحثين فاضل أديب : ” حاجز الاتصالات اللاسلكية بين الماء والجو كانَ عقبةً في الطّريق، فكرتُنا هي تحويل هذه العقبة نفسها إلى وسيط يسمحُ بنقل الاتّصالات.”
هذا النّظام الّذي يدعى رسميًّا TARF ( الاتّصال بنقل الصوت عبر ترددات راديوية – translational acoustic-RF communication ) يستعملُ إشارات سونار من مضخّم صوتيّ، تنتقلُ الموجات الصوتية عبرَ ضغطِ موجات الماء وحينمَا تصطدم هذه الموجات بسطح الماء تُحدث اهتزازاتٍ طفيفة أقلّ من أصغرِ الاهتزازات العادية التي تحدُثُ في المحيط بـ 100,000 مرّة لذلك لا يمكنُ ملاحظتُها. لكن باستعمال تجهيزاتٍ ملائمة، تحديدًا، نظامُ رادار جديد عالي التردّد تمّ تطويره من طرفِ الباحثين، يمكنُ التقاطُ هذه الاهتزازات الخفيفة. تُرسلُ إشاراتٌ لتصطدم بسطحِ الماء وتنعكسُ لتعودَ إلى نظام الرادار ليلتقطها مجدّدا، وبسبب تلك الاهتزازات التي أحدثتها الموجات الصوتية تطرأُ تغيّرات خفيفة على الإشارات المنعكسة التي يستقبلُها الرّدار.
يقولُ أديب : ” تحدُثُ تغيّرات طفيفة على الإشارات المُنعكسة في حال حدوثِ أيّ اهتزازاتٍ على سطحِ الماء، وبالتقاط هذه الاهتزازات الخفيفة يمكننا التقاطُ إشاراتِ السّونار الصّوتية.”
الاهتزازات (التموّجات) المُحدثة بواسطة السونار تحتَ الماء تكونُ صغيرةً جدًّا لكنّها تهتزّ بتردّداتٍ أكبرَ من الموجات العادية وهذَا يعني أن نظام الرّادار الجديد يمكنُه التقاطها باستعمالِ خورازميّة معدّة بدقّة. وتمّ إخضاعُ نظام TARF حوالي 500 مرّة لتجارب في خزّان مياه وحوضي سباحة، وتمَّ إرسالُ عدد من الإشارات بنجاح من تحتِ الماء، مثلاً رسالة ( مرحبًا من تحتِ الماء – Hello from underwater ). لكن في الوقتِ الحالي، لا يمكنُ لنظامِ TARF أن يُرسل البيانات بسرعة كبيرة – بضع مئات من البيتات (bits) في الثّانية – أسوء بكثير من خطوط الهاتف القديمة، لكن بسرعةٍ مساوية لتقنيات الاتصال تحتَ الماء الأخرى. إضافةً إلى أنّه يعمل فقط في المياه التي يكون ارتفاع الموجات فيها أقلّ من 16 سنتمترًا. بالرّغم من ذلك، يُعتبرُ TARF قفزة في مجال الاتّصالات بينَ الماء والجو، و الآن يعملُ الباحثون على تطوير هذه التقنيّة.
من المحتمل يومًا ما أن تسمحَ هذه التقنية للمركبات التي تعملُ تحتَ الماء بإرسال البيانات لطائرات الاستطلاع دون الاضطرار للظهور على السّطح، وكذلك في البحثِ عن أجهزة تسجيل الطائرات الغارقة والاتصالات بينَ الغوّاصات والطّائرات. يقول أديب ” يمكنُ لهذا النّظامِ أن يعمل في الأجواء الهادئة وضمنَ اضطرابات إلى حدٍّ معيّن، لكن لجعلهِ عمليًّا علينَا أن نطوّره ليعملَ تحتَ أيّ ظرف.”
للمزيد حول نظام TARF يمكنكم الإطّلاع على الورقة البحثية الخاصّة بالمشروع.
هذا الفيديو يشرح آلية عمل نظام TARF وبعضًا من تطبيقاته.
تدقييق لغوي: بشرى بوخالفي