عذاب، ألم، معاناة، هو ما تجنيه المرأة أثناء الحمل والولادة فكيف تتقّبل المرأة الاقتران ؟ هو السؤال الذي جعل جاك أندريه يقول: “إنّ النساء من الداخل وحوشٌ حقيقيّة، لديهم شبَقٌ قويّ أكثر بكثير من الرّجل، فأعضاءُ اللّذة الجنسيّة عندهنّ متعددة”، لكن ما لم يتحدث عنه أندريه هو تلك الألغاز التي تحيط بالدّورة الشهريّة للمرأة، وقبل أن نغوص في العقل الكامن خلفها لابأس أن نجري مسحًا لما تُسببه قطراتُ الدّم التي تنساب شهريّا من مهبل المرأة من مشاكل. فخلال السنة تخصص المرأة ميزانية لابأس بها لاقتناء الفوط و المستلزمات الصحيّة، حتى أنّ هناك دعوات لإدراجها ضمن التأمين الصحي، وحسب اليونيسكو فإنّ 1 من أصل 10 إفريقيّات لا يذهبن للمدرسة بسبب عدم قدرتهنّ على اقتناء الفُوَط الصحيّة واستعمالهن لقطع قماش بدل ذلك. وفي بوركينافاسو تخسر المرأة عائدات ستّة أيام في الشهر بسبب التغيّب عن العمل أثناء الدورة. و في الهند من أصل 355 مليون امرأة، 42 مليون منهنّ فقط قادرات على اقتناء الفوط الصحية ويتخلصن من 7 ملايين فوطة في البيئة غير قابلة للتحلّل.
وفي ظلّ هذا الظلام يخبرُنا علمُ الّنفس التطوريّ أنّ الدّورة الشهريّة للمرأة ذكيّة جدًا، فهي من أسباب نشوء التعلق و الزواج طويل الأمد. ففي العلاقات الحيوانية لا نجد تعلقا، لأنه أثناء فترة التبويض تظهر علامات خاصة عند المرأة مثل انتفاخ العضو التناسلي، أو يصبح له لون ورائحة مميزة ما يجعل الحيوان يشعر بنوبة سعار جنسي تنتهي به لمعاشرة المرأة ثم الإنجاب دون الحاجة للبقاء معها، أما النساء فقد طورن إخفاء التبويض (Conceal ovulation). ونتيجة لكون الإباضة مخفيّة ولا توجد دلائل عليها، يتحتّمُ على الرّجل ملازمة المرأة و ممارسة الجنس معها طوال الدورة. وهناك شكل أخر للذكاء يظهرُ من خلال استراتيجيات الاقتران، فكما نعلم أنّه إذا ما أرادت المرأة الزواج فإنّها تختار الرجل صاحب المكانة الاجتماعية الذي يقدم الحب لها ولأبنائها حتى لو على حساب الوسامة والجاذبية الجسدية، لكن يبدو أنّ للدورة الشهريّة رأياً آخر، حيث أنّها تريد الحصول على جينات الابن المثير (Sexy son) أي الحصول على جينات الرجل الوسيم والمثير الذي يؤدي لإنجاب ابن مثير قادر على جذب النساء في الجيل التالي، لذلك أثناء مرحلة التبويض ذكرَ النساءُ أنّهن يغازلن الرّجال أكثر ويتخيلن أنفسهن في وضعيات جنسية مع رجال آخرين غير أزواجهن، كما أن هناك نسبة عالية ممن تم ضبطهن يَخُنّ أزواجهنّ كُنّ في مرحلة التبويض، ويبدو أنّ ذكاء الدورة ليس في اختيار الشريك والتزاوج فقط بل حتى فيما يخص الإنجاب، إذ أنّ حمل المرأة أثناء نقص الغذاء يشكل خطرا عليها وعلى الجنين، الأمر الذي جعل جسم المرأة يطور خاصية خفض نسبة البروجسترون في حال نقص الغذاء، وهذا ما تم ملاحظته على نساء في الكونغو، حيث لُوحظ أنّه قبل موسم الحصاد أين يكون هناك نقص في الغذاء تنخفض نسبة الاباضة بالتزامن مع نقص الوزن، فيما تعود النسب إلى طبيعتها بعد الحصاد، وهذا ما يحصل أيضا لدى مريضات فقدان الشهية العصبي حيث ينخفض وزنهنّ ويحصل اختلال في دورتهنّ الشهرية، وهذا لأن الجسم لا يفرق بين الامتناع الإرادي عن الطعام وبين شح البيئة، ونفس الشيء لُوحظ بالنسبة للخطر حيث أنّه وأثناء الخطر يحصل اختلال في الدورة، وهذا ناتج عن ارتباط نظام الضغط بنظام الإفرازات الهرمونية عند المرأة و الفائدة التطورية واضحة هنا، فالإنجاب في أوقات الخطر هو مغامرة يستحسن تأجيلها.
المصدر :
Anne Campbell (2013), A Mind of Her own, Oxford University Press, Secnd Edition, United Kingdom
تدقيق لغوي: زهير خساني
تصميم: رامي نزلي