Site icon الباحثون الجزائريون – Algerian Researchers

سلسلة نظرية النسبية: الحلقة الخامسة

عرفنا في الحلقات السابقة، كيف يتباطىء الزمن ويقل معدل مروره وكيف ينكمش طول الاجسام وكيف تتزايد الكتلة كلما اقتربنا من السرعات العالية، وهذا كله طبقا لعلاقات لورنتز الثلاثة.

وعرفنا ان علاقات لورنتز دمجت الزمان بالمكان في الزمكان، وعرفنا أيضا على وجه الخصوص انها تؤكد وجود علاقة ما بين كل من الكتلة والسرعة، في علاقة لورنتز لزيادة الكتل:

تقول العلاقة: “تزداد كتل الأجسام m أكثر كلما اقتربت من سرعة الضوء”

لكن السرعة يتم زيادتها بإستخدام الطاقة، وبالتالي فتلك العلاقة ضمنت في جوفها علاقة تكافوء الكتلة والطاقة الشهيرة والذي تم على أساسها بناء القنبلة النووية والتي تثبت ان الكتلة والطاقة شيئا واحدا في الاساس:

E=mc²

تقول العلاقة ببساطة ان “الطاقة مجرد وجه آخر للكتلة، أو أن الكتلة مجرد طاقة مكثفة في حيز صغير”.

وبدون الدخول في تفاصيل العلاقات والمعادلات الرياضية سنستنتج علاقة تكافوء الكتلة والطاقة من علاقة لورنتز لزيادة الكتل:

لكي نزيد من سرعة جسم ما له كتلة ما، فإننا سنستهلك طاقة ما في ذلك، تزداد حاجتنا لتلك الطاقة كلما حاولنا تحريك الجسم بسرعة اكبر أو كلما كانت كتلة الجسم أكبر، وتصل حاجتنا للطاقة الى كمية لا نهاية لها لو فكرنا بتحريك الجسم ليصل لسرعة الضوء، لكن هناك شيئا يحدث مع زيادة سرعة الجسم، طبقا لعلاقة لورنتز لزيادة الكتل فإنه تزداد كتلة الجسم كلما زادت سرعته أي أنه تزداد كتلته كلما حصل على طاقة وبالتالي فإن ما نعطيه للجسم من طاقة لنحركه بها تتحول لكتلة في الجسم نفسه، وهذا يعني ان الطاقة التي يكتسبها الجسم هي نفسها الكتلة التي اكتسبها الجسم! وكأن الطاقة الكبيرة التي نبذلها لتحريك الجسم تتكثف في الجسم فتصبح كتلة يتم إضافتها لكتلة الجسم الأساسية.

القنبلة النووية:

يتضح من المعادلة السابقة، أن الطاقة الكبيرة التي نبذلها على الجسم لتحريكه تتحول لكتلة صغيرة يتم إضافتها لكتلته الاساسية بشكل ما، لكن إذا أمكننا عكس العملية السابقة، فإنه يمكننا تحرير الكتلة من حالتها المكثفة على هيئة طاقة كبيرة جدا، أي أنه إذا أمكن إطلاق الطاقة من كتلة ما، حتى و لو كانت كتلة ضئيلة جدًا، فإن ذلك يؤدي إلى إنبعاث طاقة هائلة؛ وذلك لأن الكتلة أصلا عبارة عن كمية من الطاقة تساوي مقدار تلك الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء الكبيرة جدًا. وهذا ما يحدث بالظبط في عمليات الانشطار النووى.

حيث يتم شطر نواة عنصر مشع كاليورانيوم مثلًا، عن طريق قذفه بنيوترون أو أي جسيم يتم تسريعه في المُختبر. يؤدي هذا الانشطار إلى فقد جزء من الكتلة الأصلية لتلك النواة. وباعتبار أن النواة انشطرت إلى نصفين مثلا او تحولت لنواة عنصر اخف في الوزن الذري، فإن مجموع كتلتي النواتين المنشطرتين او كتلة العنصر الاخف الناتج من الانشطار، يكون أقل من الكتلة الأصلية قبل الانشطار، وفارق الكتلة يتحول لطاقة، نستطيع حساب مقدار تلك الطاقة من المعادلة والتي تؤكد أنها كمية هائلة جدا.

إكتفت النسبية الخاصة بدراسة العلاقات بين التغير في كل من الزمن والكتلة والطول وبين سرعة الضوء وبذلك كانت للنسبية الخاصة مضامينها الخطيرة التي إستعرضناها في الحلقات السابقة، لكن النسبية العامة لم تكتف بذلك، وسنقوم بإستعراض مضامنيها الأخطر على الإطلاق في الحلقات القادمة، لكن قبل البدء في النسبية العامة في الحلقات القادمة، سنستعرض أهم الأخطاء الشائعة التي تجلعنا نتأكد من إتمام فهمنا للنسبية الخاصة:

1- إذا تحرك جسم ما بسرعة الضوء فإن الضوء لن يستطيع اللحاق به وبالتالي لن ينعكس منه وبالتالي لن نرى الجسم أو سيختفي كنتيجة لعدم إنعكاس الضوء عن الجسم، وهذا غير صحيح إطلاقا،

فصحيح أنه إذا تحركْت أنت أمام قطار بنفس سرعته، سوف تظل أمامه ولن يلحق بك، لكن إذا تحركت أمام الضوء بنفس سرعته سوف يسبقك بسرعة الضوء، وهذه أحد الظواهر الغريبة التي تفشل قوانين جاليليو ونيوتن في تفسيرها ولذلك نحتاج قوانين أو تحويلات لورنتز ونظرية النسبية لأينشتاين لتفسير ذلك، فسرعة الضوء ثابتة لأي جسم ثابت وثابتة لأي جسم متحرك حتى ولو كان يتحرك بسرعة الضوء و حلقاتنا السابقة بالترتيب تشرح كيف يحدث ذلك.

2- تتحول المادة إلى طاقة عند الوصول لسرعة الضوء طبقا لعلاقة تكافؤ الكتلة والطاقة لأينشتاين E=mc^2، وهذا غير صحيح إطلاقا،

فصحيح أنه تزيد كتلة المادة بحيث تصل إلى ما لانهاية كلما إقتربت من سرعة الضوء، وصحيح أيضا أن علاقة تكافؤ الكتلة والطاقة تحسب كمية الطاقة التي تتحول من المادة بطرق مثل الإنشطار النووي والإندماج النووي وتصادم المادة بالمادة المضادة وغيرها، لكن هذا ليس معناه أنه عند الوصول لسرعة الضوء تتحول كتلة المادة لطاقة طبقا لهذه العلاقة، تتحول المادة لطاقة بطرق كثيرة وليست الحركة بسرعة الضوء إحدى هذه الطرق،

فلا علاقة بين الوصول لسرعة الضوء وتحول المادة لطاقة، يخلط الأغلبية بين تزايد الكتلة إلى اللانهاية بسبب الوصول لسرعة الضوء وعلاقة تكافؤ الكتلة والطاقة.

3- تختفي المادة عندما تصل لسرعة الضوء، وهذا غير صحيح إطلاقا،

رؤيتنا أو قدرتنا على رصد الأجسام له علاقة أولا بصفاتها الفيزيائية مثل الكتلة والحجم والزمن الذي يمر عليها، وثانيا بقدرتنا على رصد تلك الصفات الفيزيائية في الحالات المختلفة، وحينما تصل المادة لسرعة الضوء تتضائل قدرتنا على رصدها بسبب التغييرات التي تحدث لصفات المادة الفيزيائية بالنسبة لنا، لكن يبقى لها وجود موضوعي ولا تختفي إطلاقا.

عدم قدرتنا على رؤية المادة أو رصدها، لا يعني إختفاءها، وتباطؤ زمن المادة أو حتى توقفه أو حتى عبورها نظريا للمستقبل أو للماضي أو تقلص طولها من وجهة نظر نظرية النسبية له علاقة فقط بتقليص قدرتنا على رصدها وهذا لا يعني إختفائها.

فصحيح مثلا إن عبرت المادة للمستقبل نظريا ستختفي في الحاضر، لكنها لن تختفي في المستقبل، وإن توقف زمنها لن تختفي بل ستكون موجودة لكن في حالة ثابتة، الفارق فقط أننا لن نجد أي تغييرات تحدث للمادة، واذا تحركت المادة بسرعة الضوء ستنكمش ابعادها حتى تصل لصفر وبالتالي سيكون حجمها نظريا صفر، وبالتالي ستختفي بالنسبة لنا فقط، وإختفاءها ليس بسبب عدم قدرتنا على رصدها بل لأن أبعادها بالنسبة لنا صفر، مما قلص من قدرتنا على رصدها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

تدقيق لغوي: Mohammed Diab
تدقيق علمي: محمد ثروت الخطيب
قراءة صوتية: أمينة إيغود

Exit mobile version