للإستماع للمقال بصوت (بنان شنو):
تحدثنا في المقدمة عن التناقض الذي سببته فرضية الأثير مما أدّى إلى الشك في قوانين الفيزياء الكلاسيكية، وبالتالي، الحاجة إلى إعادة صياغة القوانين القديمة، والتفكير في فرضيات جديدة.
وفي الحلقة الأولى، أكدت التجارب أنه مهما بلغت الجسيمات من سرعة، فإنها لا تتخطى سُرعة الضوء بأي حالٍ من الأحوال. وتحدثنا عن إضافة (جاليليو) للسرعات، بتجربة القطار المتحرك بسرعة منتظمة، وأنه لابد من إضافة سرعتك داخل القطار إلى سرعة القطار، إذا حاول صديقك بالخارج -وهو ثابت- أن يقيس سرعتك، فأصبحت السرعة نسبية على حسب سرعة الراصد والمرصود. وتوقفنا عندما تدخل (أينشتاين) بأن كل تفسيرات (جاليليو) ستفشل في حال اختلاف الوقت الذي تقيسه ساعتك عن ساعة صديقك، أي أنكما لن تختلفان فقط في حساب السرعة بالنسبة لكل منكما، لكن ستختلفان أيضًا في حساب المُدة التي استغرقتها حركتك داخل القطار. وهذا سيحدث لو كانت سرعتك في القطار تقترب من سرعة الضوء، وهنا سنحتاج قاضيًا آخر غير (جاليليو) ليقوم بتفسير ما سيحدث.
نجح جاليليو في حل الخلاف بينك وبين صديقك بإستخدام فكرة الحركة النسبية وإضافة السرعات، وفي الاخير تدخل أينشتاين مؤكدا ان ساعاتكم قد تحسب اوقاتا مختلفة وفي هذه الحالة لن يستطيع جاليليو التوفيق بينكم،
لفهم ماذا يقصد أينشتاين سنقوم بتغيير بسيط في قصة الحلقة الماضية، والتي أخبرنا فيها جاليليو أن حركتك بسرعة 1 كم داخل قطار يتحرك بسرعة 50 كم، ستكون بالنسبة لصديقك بسرعة 51 كم، ستظل أنت ثابتا في القطار الذي يتحرك بسرعة 50 كم ونضيف شعاعاً ضوئياً يخرج من الكشاف الأمامي للقطار، علما بأن للضوء سرعة ذات قيمة C ، وبحسب جاليليو فمن المفترض أن سرعة الضوء الذي يخرج من كشاف القطار بالنسبة لك ستظل C كما هي وبالنسبة لصديقك على الرصيف ستكون بإضافة جاليليو للسرعات 50 كم + C. وهذا لا يحدث في الحقيقة إذ بينت التجارب التي حسبت سرعة الضوء القادم من توائم النجوم التي تدور حول بعضها، ويكون أحد النجمين يدور حول توأمه بإتجاه الأرض، وعليه يجب أن تكون سرعة الضوء القادمة منه اكبر من C لكنها كانت دائما C. وهذا هو الفرض الثاني للنسبية :
الفرض الثاني : سرعة الضوء ثابتة ولا تتأثر بحركة الراصد أو حركة مصدر الضوء.
يذهب (أينشنتاين) لقاضٍ آخر، طالبا منه تفسير ما يحدث، لماذا يتحرك الضوء دائما بسرعة ثابتة بغض النظر عن حركة الراصد او حركة مصدر الضوء ؟
يقدم القاضي (لورنتز) معادلة تحدد علاقة تباطؤ الزمن بالنسبة لسرعة الجسم. لاتهتم لشكل المعادلة المُرعب، فهي أبسط بكثير مما تتخيل :
تقول العلاقة : “يتباطأ مرور الزمن T على الجسم كلما اقترب من سرعة الضوء أكثر”.
تباطؤ الزمن عند السير بسرعات كبيرة.
نحن أمام مفهوم جديد، وهو (تباطؤ الزمن)، ولفهم ماذا يعني ذلك؛سنجرى تجربة أخرى؛ لتوضيح مدى غرابة الفكرة.
نفترض أن هناك أَخَوَان توأمان لهما نفس العُمر -ثلاثون عامًا، ركب أحدهما سفينة فضاء تسير بسرعة كبيرة جدًا، تقترب من سرعة الضوء، والآخر ينتظر على الأرض. طالت الرحلة جدًا، ومرت السنين على الأخ الذي على الأرض، ويعود أخوه بعد أربعين عامًا. وكانت المفاجأة، أن العائد من الرحلة، مازال يتمتع بشبابه، وشعره لم يتحول إلى الرمادي، بينما الذي على الأرض، أعيته الشيخوخة. فإذا بالعائد من السفر يؤكد أنه لم يمكث فى رحلته إلا أربع سنوات وليس أربعين سنة! فماذا حدث؟.
طبقًا لعلاقة (لورنتز): سيتباطأ زمنه، لكنه لن يشعر بأي تغيير!؛ لأن ضربات قلبه ستتباطأ أيضًا، وستتباطأ حركة ساعته، ويتباطأ حركة كل شيء معه. وليس هذا فقط، طبقًا لمعادلة أخرى من معادلات (لورنتز)، والتي تصف علاقة الطول بالسرعة، سيقل طوله أيضًا، إذا قل طوله سيقل أيضًا طول أبعاد الطاولة التى أمامه، والكوب الذي عليها، والسفينة التي يسافر فيها بهذه السرعة، وتقل أبعاد جهاز قياس الطول الذي يستعمله، فسيعطيه الجهاز نفس القياس القديم. إذا تباطأ زمنه سيتباطأ زمن كل شيءٍ حوله، لن يشعر مُطلقًا بأي شيء، ولن يستطيع أن يخبرنا أحدًا من التوأمين ماذا حدث؛ فكل منهم سيختلف مع الآخر.
ولنفهم ماذا يحدث للزمن بسبب السرعة سنحتاج لتجربة عقلية أخرى :
ذكرنا في الحلقة السابقة، أنه لابد من وجود مُراقب ثابت، يُراقب المتحرك داخل القطار من مكانه ولا يتحرك، مثل (جاليليو) كان يقف خارج الصورة ويسجل كل ما يحدث، ولذلك؛ نجح (جاليليو) في التوصل لحل الخلاف بينك وبين صديقك، الذي يراقبك على الرصيف؛ لأن (جاليليو) يستطيع أن يرى أن لكل منكم سرعة نسبية. لقد ساعدكم في تحديد سرعة كلًا منكما بالنسبة للآخر، والآن نحتاج لقاضِِ آخر غير (جاليليو) لينظر في ساعات التوأمين معًا، وقتها سيجد أن هناك ساعة تتحرك أسرع من الأخرى، أي أن الزمن يمر أسرع على أحدهم، والقاضي في حالتنا هذه المرة (لورنتز).
ولصعوبة إنشاء تجربة بمسافر بسرعة الضوء؛ تخيل (أينشتاين) أنه يركب على شعاع من الضوء يسقط من مصباح في سقف القطار، ويحاول عقليًا النظر من خارج القطار كراصد لتجربة خيالية من مرآتين ثابتتين، أحدهما في سقف القطار، والأخرى في الأرضية، بينهما مسافة d في قطار متحرك.
سنخوض بخيالنا هذه التجربة، ونركب شعاع الضوء مع (أينشتاين) في الحلقة المُقبلة؛ لنفهم كيف يحدث تباطؤ الزمن.
المصادر :
Modern Physics by Dr. Abou-taleb Mohamed
الحلقة الثالثة : هنا
==============
إعداد: حسام الدين حسن
تدقيق لغوي: Mohammed Diab
تدقيق علمي: محمد ثروت الخطيب
قراءة صوتية: بنان شنو