في فيلم «وول ستريت»، ورد على لسان الشخصية الرئيسيَّة جوردون جيكو (مايكل دوجلاس) أنَّ «أكثر السِّلع التي أعرفها قيمةً هي المعلومات»، فقد كانت المعلومات ولا تزال ذات قيمة عظيمة، ومن يملكها يَصِيرُ عادة حريصًا على الحفاظ عليها. لهذا السبب هناك نُظمٌ قانونية تنظِّم الملكية الفكرية، وتشمل هذه الأخيرة الإبداعات الفنيَّة والتجاريَّة للعقل البشري.
يَتَّضِح أنَّه عندما نتحدث عن القيمة الاقتصادية للمعلومات، فإنَّ المعلومات هنا تعد «دلاليَّة»، وعلى الرغم من تقيُّد المعلومات رياضيٍّا وتنفيذها ماديٍّا -كمكالمة هاتفية، بريد إلكتروني، رسالة شفوية، إشارة راديو، معادلة كيميائية، صفحة على شبكة الإنترنت، أوخريطة- يُعتبر المعنى الذي تنقله المعلومات هو الذي يمثل قيمةً بالنسبة إلى العوامل الفاعلة ذات الصلة، وهذه العوامل الفاعلة هي من تفترض صحتها أو حقيقتها.
تشتمل المعلومات، حين تُعامل باعتبارها سلعةً، على ثلاث خصائص رئيسية تميِّزها عن البضائع العادية الأخرى :
أولًا: تعتبر المعلومات «غير تنافسية»، أي يستطيع عدَّة أشخاص الحصول على نفس المعلومة في وقت واحد، في المقابل يستحيل تحقيق ذلك مع رغيف خبز.
ثانيا: تميل المعلومات إلى أن تكون «غير إقصائيَّة»، حيث أنَّ طبيعة المعلومات تميل للكشف والمشاركة بسهولة، إلَّا بعض المعلومات المحمية – مثل الملكيات الفكرية، أو البيانات الخاصة والحساسة، أو الأسرار العسكرية- ويتطلب لحمايتها جهدًا .
ثالثا: بمجرد توافر بعض المعلومات، تميل تكلفة إعادة إنتاجها إلى التقلُّص إلى قيمة هامشية، لا ينطبق ذلك بطبيعة الحال على الكثير من البضائع مثل رغيف الخبز. لجميع هذه الأسباب، ربما تُعتبر المعلومات «سلعة عامة» مثل: المكاتب العامة، والوكيبيديا.
وتحظى المعلومات بقيمة اقتصادية نظرًا لفائدتها؛ إذ تسمح المعلومات للعوامل الفاعلة باتخاذ تدابير عمليَّة (النظر في الخيارات، تجنُّب الأخطاء، الاختيار، اتِّخاذ قرارات عقلانية، وهكذا) تؤدي إلى مردودات أعلى (منفعة متوقعة) من الفوائد التي تحصل عليها العوامل الفاعلة في غياب هذه المعلومات.
-نظرية الألعاب:
هي وسيلة من وسائل التحليل الرياضي لحالات تضارب المصالح للوصول إلى أفضل الخيارات الممكنة لاتخاذ القرار في ظلِّ الظروف المعطاة لأجل الحصول على النتائج المرغوبة.
وتحدد اللعبة 4 عناصر:
- لاعبيها، عددهم وهويتهم.
- استراتيجيات كل لاعب، ما قد يقررون عمله بصورة عقلانية بالنظر إلى الظروف المتوافرة (تعتبر الاستراتيجية خطة عمل كاملة تحدد عملًا قابلًا للتحقيق لكل حركة قد يتخذها اللاعب).
- العوائد المتحققة من كل نتيجة، ما يحققونه من حركاتهم.
- متوالية (توقيت أو ترتيب) الحركات أو الحالات الفعلية، إذا كانت اللعبة تراتبية ، أي موضع اللاعب في مرحلة معينة من اللعبة.
وتُقسَّم الألعاب إلى :
- ألعاب بمعلومات كاملة: وهي أن يعرف كل لاعب: جميع اللاعبين الآخرين، واستراتيجيتهم، والمردود العائد على كل لاعب، ومن بين الأمثلة التقليدية على ذلك لعبة الصخرة-الورقة-المقص.
- ألعاب بمعلومات منقوصة: واحد على الأقل من اللاعبين ليس له علم كامل استراتجيات منافسيه.
حسب النظرية، فإنّ اللعبة التي يؤدي فيها كل لاعب أفضل ما يمكنه، وبالنظر إلى المعلومات المتوافرة عن تحركات اللاعب الآخر تسمى «توازن ناش»، نسبة للعالم الامريكي الرياضياتي «جون ناش»، وتعتبر حالات توازن ناش سمات محورية في نظرية الألعاب، باعتبارها تمثِّل المواقف التي لا يمكن أن يتحسن فيها وضع أي لاعب من خلال اختيار أي استراتيجية متوافرة أخرى، في الوقت الذي ينتقي اللاعبون الآخرون أيضًا أفضل خياراتهم دون تغيير استراتيجياتهم.
تجعل المعلومات الكاملة الألعاب الآنية شاقة؛ فبدون هذا الشرط لن يكون اللاعبون قادرين على توقُّع آثار أفعالهم على سلوك اللاعبين الآخرين، تعتبر المعلومات الكاملة أيضًا افتراضًا أساسيٍّا وراء النموذج النظري لسوق فعَّالة، تنافسية تمامًا، يفترض فيه أن تمتلك العوامل الفاعلة الاقتصادية -مثل المشترين والبائعين، والمستهلكين والشركات- جميع المعلومات اللازمة لاتخاذ قرارات مثالية.
-المعلومات الغير متماثلة:
المعلومات الغير متماثلة، يمتلك فيها أحد اللاعبين المعلومات كاملة بينما لا يمتلك اللاعب الآخر المعلومات الكافية، وهو ما قد يؤدي إلى نوعين معروفين من المشكلات:
«الاختيار الضار»: نتيجة لعدم وجود معلومات كافية حول كفاءة اللاعب، يمكن ان يأخذ اللاعب الآخر خيارات تعود عليه بالضرر.
«الخطورة الأخلاقية»: نتيجة لعدم وجود معلومات كافية حول انحرافات اللاعب الأخلاقية، يأخذ اللاعب الآخر خيارات قد تكون خطيرة عليه.
وقد طُوِّر تحليلٌ فعّال للتغلُّب على المعلومات غير المتماثلة، وذلك من خلال:
- «الاشارة»: ترسل المعلومات المشتقة اشارات في الغالب صحيحة للاعب المُطَّلع، (مثلا: الدراسة في جامعة هارفارد «اشارة» على الكفاءة).
- «الترشيح»: هنا يحث اللاعبون الذين لا يمتلكون المعلومات الكافية اللاعبين الذين لديهم المعلومات، على الكشف عن معلوماتهم من خلال عرض قائمة خيارات عليهم.
-المعلومات المثالية:
معرفة تاريخ جميع الحركات التي جرت في اللعبة أو حالات اللاعبين، يصبح لدى اللاعبين في هذه الحالة «معلومات مثالية»، وتعتبر لعبة «X.O» ولعبة الشطرنج مثالين على ألعاب المعلومات المثالية.
-المعلومات البايزية:
باعتبارها أحد فروع نظرية الاحتمالات، هناك تطبيقات عديدة للبايزية، حيث تساعدنا على فهم كيف يمكن للعوامل الفاعلة التي تفتقر إلى المعلومات مراجعة معلوماتها أو تحديثها في سياق ديناميكي يجري فيه تعديل مسارات سلوكها مع توافر المزيد من المعلومات.
كان «توماس بايز» كاهنًا في الكنيسة المسيحية، وعالم رياضيات إنجليزيٍّا أدت بحوثه -التي نُشرت بعد وفاته- في مجال الاحتمالات إلى ما يُعرف الآن باسم نظرية بايز وإلى ظهور فرع جديد من تطبيقات نظرية الاحتمالات، حيث تحسب النظرية الاحتمالية اللاحقة لحدث A في ظل وجود حدث B (بعبارة أخرى: احتمالية A/B) بناءً على الاحتمال السابق لحدوث A (أي احتمال:A) ، أي تخبرنا النظرية، بشكل أساسي عن نوع المعلومات التي يمكن توقعها بأثر رجعي.
المصدر:كتاب المعلومات للبروفيسور والباحث في فلسفة المعلومات «لوتشيانو فلوريدي» – Luciano Floridi
تدقيق لغوي: بشرى بوخالفي