يدل اسم الوسيط الروحي على الشخص الذي يؤمن أتباعه أن بإمكانه التواصل مباشرة مع الأرواح و التعامل معها وفق شروط معينة.
في عصر سابق أكثر بساطة و درامية، كان على الوسيط أن يقوم بإحداث أصوات، كقرع الأجراس أو تحريك أشياء عبر غرفة مظلمة، و غيرها من العروض التي يقوم بها قبل التواصل مع الأرواح لجعل العرض أكثر ترفيها لتحصيل مبالغ معتبرة من المال. أما اليوم فبإمكان الوسيط الروحي الأكثر نجاحا التواصل مع الموتى ببساطة من خلاله ، أو تحت ستار رقيق للقيام بالانفتاح الروحي و الاستشارة و نقل الوعي، و عادة ما يستعمل تقنيات القراءة الباردة (1) التقليدية أو التأمل في محاولة للتحرر من التأثيرات الدنيوية ليوهم متتبعيه بأنه بصدد البحث عن أرواح لموتى محددين.
(1) القراءة الباردة مصطلح شامل لمجموعة التقنيات المستخدمة من قبل المختصين في حيل قراءة الأفكار و العروض السحرية بطرح مجموعة من الأسئلة ثم الاستماع إلى كل ما يقوله العميل و مراقبة تعابير الوجه و لغة الجسد و تحليل لباس الشخص وسلوكه، و غيرها من الطرق المتنوعة قصد التحصل على معلومات و بيانات عن العميل
يقوم الوسيط الروحي بجمع معلومات عن الموتى ليعطي انطباعا بأنه ينقل أخبارا مطمئنة من الميت، فالإثباتات الذاتية تلعب دورا مهما في هذا النوع من الوساطة الروحية، فالوسيط الروحي يقوم بطرح دوافع محفزة للعميل تجعله يتحقق من الكلمات، أو الرموز أو المعلومات، بحيث أنه عندما يستطيع العميل أن يتعرف على معانيها سيتخذها كدلائل على حقيقة اتصاله بالميت.
بينما تكون معلومات بعض الوسطاء موضوعية تقريبا وباطنية ولا يمكن التحقق منها، كمواضيع الحب العالمي والوحدة الكونية وغيرها.
يلجأ الوسطاء أيضا إلى استخدام حيل من أجل ربح الائتمان من العميل بتلقيه رسائل من ” جدة امرأة من الحضور ” و تقول أن المرأة وفقا للرسالة فقد تعرضت للاعتداء في صغرها و مازال المعتدي طليقا. “باتريك هتشينسون” أحد الوسطاء البارزين يستخدم هذه الحيلة. فهي آمنة جدا، إذ أنه لم يصرح باسم الجدة إذا فإن كل امرأة في الحضور فقدت جدتها هي مرشحة محتملة للتحقق من صحة الادعاء. إذا لم يتحقق ذلك مع أي من الحضور فبإمكانه القول بأن روح الجدة لا تريد الاستمرار في إحراج المرأة المقصودة من هذه التجربة .
و هكذا يستطيع هتشينسون مغادرة الحضور و ترك انطباع لهم بأنه فعلا تلقى رسالة من ميت لكن الضحية المستهدفة لها ذاكرة مكبوتة عن ذلك الحدث، أو أنها أحرجت من القدوم إليه ، فهو يعلم بأن هناك العديد من النساء اللاتي تعرضن للاعتداء من قبل و لكن العار و الخوف يبقيهن صامتات كما يعلم أيضا أنه إذا ما تجرأت إحداهن و أقرت أنها حقا تعرضت للاعتداء من قبل فإن العديد من اللواتي لم يتكلمن سيقتنعن أن الرسائل تأتيه فعلا من تحت القبور أما إذا أقرت إحداهن بأنها تعرضت للاعتداء و صرحت باسم المعتدي فوسائل الإعلام ستسلط الضوء على الخبر فينتشر وهم أن الوسطاء يتلقون رسائل من الموتى. الوسيط إذا لن يخسر شيئا بقول ادعاءاته، لكنه يتحصل على حد كبير من ثقة الجمهور إذا ما تحقق أحدهم من صحتها .
من الطرق التي ينتهجها الوسيط في إقناع العميل بأنه يتلقى رسائل من الميت هو بأنه يلجأ إلى الطرق الدنيوية، فهو يجمع المعلومات عن طريق الدردشة مع العميل قبل البدء في تلقي الرسائل أو بطرح أسئلة مباشرة أثناءها. ففي الحصص التلفزيونية قد يلجأ الوسيط إلى حيل التنصت إلى الحوارات، الدردشة عن الإمكانيات الممكنة مع العميل، أو حتى استعمال معدات التنصت الإلكترونية. الرسائل التي يدعي الوسيط أنها تصله من الميت تكون عادية أو تافهة، كأن يقول للعميل أنه يغفر لك. كما تنطوي الرسائل أيضا على أمور معروفة بالفعل لكنها تترك العميل يتساءل: كيف عرف ذلك؟
قديما كانت عملية الاحتيال تتم عن طريق الرسائل ذاتها، و نالت تقبلا أكثر كأن يقول “أعطني المزيد من النقود لي و لجماعتي” عوض أن يقول “كلب لم يحب الطبق” (نعم الوسطاء اليوم يزعمون اتصالهم بالحيوانات الأليفة الميتة). أما في هذه الأيام، ليس من الضروري طلب المال مباشرة من الأشخاص المسنين الذين يملكون الكثير من المال و القليل من الوقت. فالناس ينتظرون لسنوات عديدة لدرجة أنهم مستعدون لدفع المال لمن يعطيهم بصيصا من الأمل في أن يتواصل مع أحد أحبائه الموتى.
كما يعتبر بعض منفذي القانون أن التواصل مع الموتى نعمة كبيرة، حيث يمكن ببساطة أن نطلب من الوسيط التواصل مع الأموات وتزويدنا بالتفاصيل للعثور على الجثث المفقودة أو حل لغز قتلها، لكن لم يتمكن اي وسيط لسوء الحظ من الاتصال مع أرواح الكثير من الأشخاص المفقودين من العثور على رفاتهم أو تقديم قتلتهم إلى العدالة.
هناك العديد من الأعمال التجارية المربحة للوسطاء، و الكثير من الأموال التي يجنونها عن طريق العروض المباشرة التي يؤديها أمام المئات أو الآلاف من الجماهير و كل واحد منهم مستعد لدفع من 25 إلى 50 دولارا أو أكثر للحصول على فرصة للتواصل مع طفل مفقود، الزوج أو الوالد الميت.
كما ان فئة أخرى لجأت إلى الظهور في البرامج التلفزيونية. جورج أندرسون، كاتب “دروس من الضوء : رسائل خارقة من الراحة و الأمل من الجانب الآخر- 2000” ، مثال على ذلك، فقد تحصل على مجموعته الخاصة من المتابعين تضم مشاهير قناة “أي بي سي” التلفزيونية الذين أبدوا رغبتهم في الاتصال بأحبائهم الموتى. أما بعض الوسطاء الآخرين فقد تحصلوا على برامج تلفزيونية خاصة بهم، كما هو الحال بالنسبة لجون إدوارد و جايمس فان براغ، الذي قدم نفسه في أول برنامج تلفزيوني له لإيصال الرسائل من الموتى إلى أفراد من الجمهور الحاضر في حصة على قناة “ساي – في” بعنوان “العبور من خلال جون إدوارد”.
جايمس فان براغ هو الوسيط الذي نصب نفسه وسيطا روحيا و يدعي أنه تحصل على هذه القدرة بعد أن طلب هدية من ملاك تمكنه من الاستماع إلى رسائل الموتى. و حسبه فإن بلايين و بلايين و بلايين من الموتى هم في انتظار شخص ما يقول اسمهم و هذا كل ما عليك فعله. فقط أعط جايمس براغ اسما، أي اسم، و يقول أن روح شخص ما بهذا الاسم تحاول التواصل معه،، و أنه يشعر بحضوره في مكان ما. كما أنه ظهر في برنامج ” عرض لاري كينغ المباشر” حيث قال بأنه يشعر بوجود روحي والدي لاري الميتين. و أشار حتى إلى الغرفة التي يشعر بحضورهما منها. ثم تلقى مكالمات هاتفية، و بمجرد أن يتلقى الأسماء، يبدأ بقول ما يسمعه أو ما يشعر به. إن ما يقوم به هو أشبه بلعبة الأسئلة العشرين حيث يصطاد بالأسئلة، سؤالا تلو الآخر و بسرعة إلى أن يمسك طرف الخيط، متظاهرا بأنه يجري اتصالا بالموتى الذين يخبرونه بأن الموت شيء جيد، و أنهم يحبون أهلهم الذين مازالوا على قيد الحياة، و أنهم يطلبون المغفرة أو يسامحونهم على كل شيء.
مايكل شيرمر من مجلة “المشككين” سمى جايمس فان براغ بسيد القراءة الباردة في العالم النفسي. عالم الإجتماع و دارس الحالات الشاذة تيرزي مارسيلو من جامعة إيسترن ميشيغان، درس شخصيات مثل فان براغ ل 35 سنة و وصف حالته “بالمتواضعة جدا” حيث أن معظم ما يقدمه ليس ادعاءات، و لكنها ادعاءات جيدة بما أن الجمهور يريد فقط الراحة و عدم الشعور بالذنب. إذا فهم يتحصلون على رسائل مثل: والديك يحبانك، إنهما يسامحانك، إن موتهما ليس خطأك.
في كتاب لماذا “يصدق الناس الأمور الغريبة” ، يصف “شيمر” نجاح “فان براغ” و كيف أنه أبهر الجماهير على “الأن بي سي”. و يخبرنا ايضا كيف أنه فضح فان براغ على برنامج “أسرار لم تحل”، و حتى الآن، لم يتحصل شيرمر على تعاطف أي شخص من الحضور. حتى أن إحدى النساء قالت له أن سلوكه “غير مناسب” لأنه يحطم آمال الناس في أوقات الحزن.
كتب فان براغ تحمل عناوين لا تنسى: “التحدث مع السماء”، “بلوغ الجنة و شفاء الحزن”. ( التحدث إلى الله و التحدث إلى الملائكة سبق و أن استعملت من قبل، لذلك لم يستطع أن يستخدمها مجددا مرة تلو الآخرى). أما موقعه يبقينا على علم بأخبار كتبه، أشرطته، منتجاته القادمة، أو حتى جولاته. يمكننا توقع استمرار نجاح فان براغ و أمثاله من الوسطاء ماداموا لن يقولوا لمريديهم أن أهلهم الموتى يغفرون لهم جريمة القتل التي ارتكبوها بحقهم عندما كانوا أحياء و أنه قد حان الوقت للاعتراف بالجريمة.
في مقابلة مع سيفتون درو، صرح فان براغ بأنه لا وجود للموت، هناك فقط الحياة ، و كل شخص له هيئة و روح بنسب مختلفة و أن جميع الأرواح في نهاية المطاف تذهب إلى الجنة. هذه التصريحات ليست مبنية على شيء غير أن هذا ما يريد أكثر الناس سماعه.
تشارلز غرودين هو محب آخر لفان براغ، حيث ظهرا معا في برنامج على قناة “سي أن بي سي” و الذي ألغي بعد ثاني ظهور لبراغ فيه. الشخص الوحيد الذي أبدى شكوكه حول صحة اتصال براغ بأرواح الموتى امرأة فقدت ابنتها في تفجير إرهابي في مدينة أوكلاهوما. و قالت أن لا شيء مما قاله براغ صحيح باستثناء بعض العموميات.كما ادّعت المرأة أن ابنتها تتصل بها مباشرة.
عندما يفشل الوسيط الروحي في شد رأس الخيط، فإنهم يذكرون الجمهور بأن الرسائل أحيانا تكون غامضة، غير مفهومة أو أنهم أساؤوا تفسيرها. فلا تلقوا اللوم على الوسيط إن أخطأ فهو لم يزعم أبدا أنه مثالي.
تم إثبات احتيال كثير من الوسطاء الروحيين الذين يتظاهرون بالتواصل مع الأموات من أجل الشهرة أو الثروة، بالرغم من أن كثير منهم كان يعتقد بصدق أن بعض الأرواح الغيبية تستخدم أجسادهم كوعاء لتخزين الحقيقة والحكمة
المصدر : إضغط هنا
ـــــ
تدقيق : زينب الهلالي