هو الادعاء أن الجسم البشري يستطيع الاحتراق ذاتيًا ، وذلك نتيجة الزيادة في حرارة الجسم نتيجة التفاعلات الكيميائية، والنووية في داخل الجسم. بالرغم من أنه لم يشهد أي شخص حالة احتراق ذاتي. إلا أن بعض المحققين والرواة، ينسبون بعض حالات الاحتراق إلى ذلك.
(تشارلز ديكنز) استعمل الاحتراق الذاتي كسبب لموت إحدى شخصياته المدمنة على الكحول في روايته (bleak house ــ المنزل الكئيب) 1852م. وبذلك غدى الاعتقاد الشعبي أن الإفراط في الشرب، يستطيع أن يسبب الحتراق الذاتي. ولكي يرد على الاتهامات الموجهة إليه، بأنه ينشر اللامنطق بين العامة، قال إنه يعرف حوالي 30 حالة احتراق ذاتي، ولكنه لم يذكر إلا اثنين منهما *. وقد حدثا منذ أكثر من مئة سنة ماضية.
*(ديكنز) أو مصدره قد أتى بمعلوماته من (جوناس كيبان)، الذي نشر مقالًا بعنوان “حالات احتراق بشرية ذاتية” في عام 1763.
في القرن السابع عشر، حكي راوي قصة اشتعال تلقائي لسكير ألماني، بعد أن شرب كمية كبيرة من البراندي (brandy). إذا كان أي مشروب يحتوي على كمية كبيرة من البراندي، أو الكحول، يسبب الاشتعال الذاتي، فمن المفترض أن يكون هناك العديد من الحالات لدراستها.
وقد نشأت العديد من قصص حول الاحتراق الذاتي الحديثة مع الشرطة والمحققين، بعد حالات الحريق، والذين يكونون في حيرة من جثث احترقت جزئيًا، وبالقرب سجادة غير محترقة أو الأثاث. محتارين تمامًا من كيفية احتراق كامل الجسم إلى رماد، باستثناء الساق أو القدم، في حين أن بقية الغرفة تبقى سليمة من ألسنة اللهب.
الكثير من الجثث التي يزعم حرقها بشكل عفوي، هي من كبار السن، الذين قد أشعلوا أنفسهم عن طريق الخطأ. وربما يكون البعض قد قتل. العديد من النساء المسنات اللاتي، ربما كن يعانين من هشاشة العظام؛ مما يجعل عظامهن تحترق في درجة حرارة أقل من تلك اللازمة للعظام الصحيحة، ذات الكتلة الطبيعية.
الاشتعال الذاتي نظرًا لاسقاط سيجارة مشتعلة، أو الاشتعال بسبب شخص آخر، استبعد من قِبل بعض المحققين. من غير المرجح أن يحترق إنسان، وتبقى غرفة كاملة سالمة من النيران. حتى عندما تقدم الشموع أو المواقد تفسيرًا معقولا لسبب الحريق، فالبعض من المحققين يفضلون تفسيرًا يتطلب الاعتقاد في الحدث، الذي يمتاز باحتمال غير قابل للتصديق.
الاحتمال الفيزيائي لحدوث احتراق ذاتي
الاحتمالات المادية للاحتراق البشري العفوي بعيدة. فليس فقط أن معظم الجسم البشري ماء، ولكن بخلاف وجود الأنسجة الدهنية وغاز الميثان، ليس هناك الكثير الذي يحترق بسهولة في الجسم البشري.
لحرق جسم الإنسان نحتاج إلى درجة حرارة 1600 درجة فهرنهايت، لمدة ساعتين تقريبًا. للحصول على تفاعل كيميائي في جسم الإنسان، من شأنه أن يؤدي إلى اشتعال، سيتطلب ذلك تدخلًا خارجيًا. إذا كان المتوفى قد أكل في الآونة الأخيرة كمية هائلة من “القش” الذي يعج بالبكتيريا، وبوجود حرارة كافية لإشعال القش، فسيحدث احتراق ذاتي. ولكن لايوجد الكثير إلى جانب القناة الهضمية والأمعاء سيحترق. أو إذا أكل المتوفى الصحف، وشرب بعض النفط، وتركت لتتعفن لبضعة أسابيع في غرفة ساخنة جيدا، قد تشتعل أحشائه.
وفي كل من هذه السيناريوهات المثيرة للسخرية، لابد من وجود مصدر للأكسجين. هذه الاحتمالات بعيدة المنال، حتى أنه ليس لدي أي سبب للاعتقاد بأن أيٍ من هذا يمكن أن يحدث، أو حدث في الماضي.
نظرية (لاري ارنولد) التي تقول: “إن الخلايا البشرية تضرب بجزيئات غامضة تدعى (البيروترون ــ The pyrotron)، والتي تسبب تفاعلًا متسلسلًا داجل الجسم، تقوم على تكهنات عشوائية، وجهل بدورة حياة الخلية، وتفاعلات الانصهار النووي”.
وإضافة الى هذه النظرية هناك:
ما يعرف بتضخيم المايكروويف بالتحفيز البعثي الإشعاعي، الحقل الجيومغناطيسي، وحتى (كانداليني ــ kundalini) ــ نوع من أنواع اليوغا ــ . ولعل الاقتراح الأكثر منافاة للعقل هو أن الإجهاد يمكن أن يسبب للشخص أن يشتعل فيه النيران (التي يقدمها اري أرنولد)، أو أن يظل غاز الهيدروجين، والأكسجين في الخلايا البشرية. والتي تتميز بقابلية شديدة للاشتعال ــ في هذه الحالة ننصح القارئ بعدم الاستنشاق.
وهناك بالطبع النظريات الأكثر اقتصادًا، ومعقوليةً، لكيفية حرق الجثث البشرية في غرف دون الحاجة لأنْ تشتعل الغرفة بأكملها وهي فكرة: تأثير الفتيل.
نقطة الاشتعال من الدهون البشرية منخفضة، وللحصول على النار يتطلب ذلك مصدرًا خارجيًا. ما أن تشتعل النار تحت “تأثير الفتيل” من الدهون، فالجسم من شأنه أن يحرق بما فيه الكفاية في أماكن معينة، ويمكنه حتى لتدمير العظام.
لإثبات أن إنسانًا يمكن يحترق مثل شمعة، الدكتور (جون دي هان)، من معهد الإجرام في كاليفورنيا، لف خنزيرًا ميتًا في بطانية، وسكب كمية صغيرة من البنزين على بطانية، وأضرم النار فيه، حتى تم تدمير العظام بعد خمس ساعات من الحرق المستمر. محتوى الدهون عند الخنازير مشابه جدا لمحتوى الدهون عند الإنسان.
الأضرار التي لحقت الخنازير ــ وفقا للدكتور (دي هان) ــ هي نفسها تمامًا ما كان من المفترض أن يحدث للإنسان عند الاحتراق الذاتي. كما أظهر شريط خاص بناشيونال جيوغرافيك، بخصوص حالات الاحتراق الذاتي، محاولة فاشلة لتكرار تجربة خنزير الحرق. ومع ذلك، فمن الواضح أن الفشل كان بسبب ترك باب الغرفة مفتوحة على الخارج، مما أدى إلى خلق تيار هوائي سبب إشعال كل شيء في الغرفة. لو تم إغلاق الغرفة، أي في محاولة لمحاكات الحالات التي احترق فيها المسنون والتي تعزى إلى حالات الحتراق الذاتي، فمن المرجح أن الخنزير قد يشتعل لعدة ساعات دون بقية الغرفة.
في التحقيق الذي أجراه في عدد من الحالات الاحتراق الذاتي، وجد الدكتور (جو نيكل) والدكتور (جون فيشر) أنه عندما كان تدمير الجسم في الحد الأدنى، كان مصدر الوقود الوحيد الذي يعتمد عليه هو “ملابس الفرد”، ولكن حين كان الدمار كبيرًا، مصادر وقود إضافية زادت الاحتراق.
المواد تحت الجسم تساعد على الاحتفاظ بالدهون المذابة التي تتدفق من الجسم، وتعمل على إبقائه يحترق. السبب في بعض الهيئات التي تحترق تمامًا، باستثناء الساقين أو القدمين، ربما له علاقة مع حقيقة أن هؤلاء الضحايا كانوا جالسين عندما، اشتعلت فيها النيران، واللهب تحرك تصاعديًا.
يتم إعطاء تفسير بديل من قبل (بريان جيه فورد)، الذي يزعم أن الجسم يحترق بسبب وجود تراكيز مرتفعة من الأستون، أما الأرجل فتحتوي على القليل. يكتب (فورد): “هناك مادة واحدة في الجسم قابلة للاشتعال، والتي يمكن أن تزيد إلى حد كبير في التركيز، “الدهون الثلاثية” تتفكك لتشكل سلاسل الأحماض الدهنية والجليسرول. الأحماض الدهنية يمكن استخدامها، كمصدر بديل للطاقة من خلال (أكسدة بيتا ــ beta oxydation)، مما أدى إلى تشكيل الجزيء الأيضي الرئيسي أسيتيل coA. وهذا الأخير يساعد على دفع دورة كريبس المنتجة للطاقة داخل الميتوكوندريا من الخلايا.
إذا تم تجويع خلايا الجسم (التي يمكن أن تحدث أثناء المرض المزمن وحتى خلال التمرين في الصالة الرياضية)، يتم تحويل أسيتيل coA في الكبد إلى acetoacetate، والتي يمكن يمكن أن تتحول إلى الأسيتون، وذلك بعد عملية إزالة الكربون، والأسيتون شديد الاشتعال. وهناك مجموعة من الشروط يمكن أن تنتج (التخلون ــ ketosis)، التي تشكل الأسيتون، بما في ذلك الكحول، وارتفاع الدهون، واتباع نظام غذائي منخفض، الكربوهيدرات والسكر وحتى التسوس”.
أشعل (فورد) نماذج من البشر مصنوعة من أنسجة الخنزير المخلل في الأسيتون وبكامل ملابسها: “فكانت بالضبط مثل الصور من الضحايا البشرية، التي أحرقت إلى رماد في غضون نصف ساعة، مكونة كومة من الرماد مع أطراف بارزة”.
بعض الحالات المزعومة، لها تفسير بوسائل طبيعية. على سبيل المثال: تفاعل كيميائي في ملابس الشخص، يمكن أن يؤدي إلى الاحتراق التلقائي. خاص ناشيونال جيوغرافيك، المذكورة أعلاه، حقق في قضية المرأة التي اشتعلت فجأة ملابسها بالنار واحترق الجلد على فخذها. التفسير الأكثر ترجيحًا، هو أنها قالت إنها وضعت قوقعة في جيبها التي كانت مغطاة بالصوديوم. وفي وقت لاحق، قالت إنها وضعت أيضًا منديل مبللة في جيبها مع القوقعة. الصوديوم يمكن أن يكون قد تفاعلت مع الماء، و أنتج الهيدروجين الذي اشتعل ذاتيًا، مما تسبب في حروق سطحية لها.
يسرد العالم البديل (ريتشارد ميلتون)، العديد من الحالات التي يعتقد أنها من حالات الاحتراق الذاتي. لكن واحد من الحالات الشاهدة يأتي من (لاري أرنولد)، الذي يفترض جسيم غامض، يصيب أحيانًا خلية داخل شخص، مما تسبب في التفاعل النووي.
(جان لوسيل سافين)، البالغة من العمر 61 عامًا، سيدة معاقة عقليًا، اشتعلت فيها النيران في مطبخها. قال والدها الذي كان يجلس على طاولة قريبة، ورأى ومضة من الضوء من زاوية عينه، “إتجه ليجد أنها كانت ملفوفة في النيران، ولا سيما حول وجهها ويديها.” تم إخماد الحريق بالماء من طرف السيد (سافين) وزوج ابنته. لم يتم العثور على سبب الحريق. كيف يمكن وصف هذه الحالة بأنها حالة من حالات الاحتراق الذاتي؟.
لأن شرطي لم يكشف عن اسمه قال: “قال أقارب (سافين) إن هذا ما كان يعتقد أنه تسبب في وفاة (جان ل.)”. و ما أثار دهشة (ميلتون) أيضًا، حقيقة أن الوالد وزوج الابنة يدعيان استمرار النار لمدة دقيقة أو اثنين فقط (لذلك يجب أن لا يكون هناك أي استغراب أن بقية الغرفة لم تحترق!).
(هيلين كونواي)، ربما كنت قد رأيت هذه الصورة من قبل. كانت (كونواي) امرأة طاعنة في السن، المرأة العجوز كانت مدخنة شرهة (كانت هناك العديد من حروق السجائر في غرفتها). واحترقت بينما كانت تجلس في كرسي في غرفة نومها. لماذا هذا يعتبر من حالات الاحتراق الذاتي؟.
قال قائد الحماية ضد الحرائق إن هذا ما كان يعتقده. وقال أيضا أنه لم تكن إلا 21 دقيقة لتحترق الجثة بالكامل. إذا كان الأمر كذلك، فإن تأثير الفتيل لا يهتم بكيفية الاحتراق. (أرنولد يستخدم نوعًا من “الحصاب”؛ لمعرفة أن النار قد احتاج لمدة ست دقائق فقط للجسم كي يُستهلك). نظرًا لأنها لا يمكن معرفة كيف أُحرقت (كونواي) في مثل هذا الوقت القصير، فعلى حدٍ سواء (أرنولد وميلتون) يعتقدان أن هذا كان احتراقًا تلقائيًا.
(جو نيكل) يخمن أن: “الحريق قد بدأ في قاعدة الجسم في حالة جلوس وحرق مباشرة إلى أعلى، والتي تغذيها الدهون في الجذع، وبالتالي قد يكون حريقًا أكثر كثافة بكثير، لا تختلف عن حرائق الشحوم التي يعرفها الطباخون. بل في البحث، غرقت يد مساعد الرئيس “في شيء دهني”، والتي أثبت فيما بعد أنها البقايا.
أبحاث (ميلتون) في هذا المجال محدودة بشكل حصري لكتاب (لاري ارنولد): “لغز الحرائق البشرية ذاتية الاشتعال”.
القصص التي يشاركها (ميلتون) على موقعه على الانترنت تكشف عن استعداده للانبهار أمام أي احتمال لوجود حالة احتراق ذاتي. صحيح أن الأمثلة التي يكون قد اختارها لا يمكن تفسيرها بتأثير الفتيل؛ لأنها كلها من الحالات التي تأتي للشخص في غضون فترة زمنية قصيرة نسبيًا لالتهاب النار وانتهائها. أما تأثير الفتيل يتطلب ساعات من الحرق بطيئة. ومع ذلك، فإن الأدلة على أن أيًا من هذه الحالات هي حالة من الاحتراق البشري العفوي، هو في الواقع واهية في أحسن الأحوال.
المصدر : إضغط هنا
ـــــــــــــــــــــــــــ
تدقيق لغوي عربي: Mohammed Diab