قَبل سَاعات قليلة، أعلَنَت الأكاديمية السُّويدية المَلَكيَّة للعُلوم أن جائِزَة نوبل للفيزياء هذه السَّنة ستَكون “للإسهامات في فَهمِنا لتطوُّر الكَون ومَوقع كوكَب الأرض فيه”، حيث سَتُمنَح الجائزة مُناصَفَةً بين جايمس بيبلز (James Peebles) من جهة، لِقاءَ اِكتشافاتِه النَّظريَّة في الفيزياء الكونية؛ وكلٍّ من مايكل مايور (Michel Mayor) وديديير كالوتز (Didier Queloz) من جهة أخرى، وذلك “بفضلِ اكتشافِهِم لكوكَبٍ خارجيّ يَدور حَول نَجمٍ شَبيهٍ بالشَّمس.
جايمس بيبلز (James Peebles): هو فيزيائيّ مُختَصّ في الفيزياء النَّظرية لعِلم الكَون، كَندي-أمريكي الجنسية، وأُستاذ بجامعة برنستون بالولايات المتّحدة.
مايكل مايور (Michel Mayor): هو فيزيائي سويسري الجِنسية، مُختص في عِلم الفَلك، وأُستاذ بجامِعَة جنيف بسويسرا.
ديديير كالوتز (Didier Queloz): هو فيزيائي سويسري الجنسية، مُختص في عِلم الفَلك، وأُستاذ بجامعة جنيف بسويسرا وجامعة كامبريدج ببريطانيا.
مالــــذي قــــدمـه بيبـــلز للفـــيزيـــاء؟
تصف نظريَّة الانفجار العظيم (Big Bang) تطوُّر الكَون مُنذُ حَوالي 13.8 مِليار سنة. تنص هذِه النَّظرية على أن الكَون في البِداية كان في حَالَةٍ شديدةِ الكَثافة وذَا درجة حَرارة عالية جدًا، ثمّ بدأ بَعدَها يتوسَّع ويبرُد. بَعد آلاف السَّنوات من الانفجار العَظيم، ظلَّت الجُسيمَات المَشحونَة مثل البروتونات والإلكترونات تَتفاعَل مع الضَّوء (الفوتونات) بوتيرَة عالية جدًا. لكن بعد حواليّ 400.000 سنة من الإنفجار العَظيم، أصبَحَ الكون أكثَرَ برودةً ممَّا سَمَح لتلك الجُسيمات المَشحونَة بالاتحاد معًا مُشكِّلةً ذرَّات مثل الهيدروجين والهيليوم. هذه الذرات كانت في حَالةٍ مُثارة (ذاتِ طاقةٍ عالية)، الأمر الذي جعلها تُصدر ضوء للتَّخلُّص من الطَّاقة الزائدة، فتُصبِحَ أكثرَ اِستقرارًا. في هذه الحقبة بالذات، أصبحت مُعظَم المادَّة ذرَّات مُتعادِلة كهربائيا، وهو ما جعل الكون شفَّافا بالنّسبة للضّوء لأول مرة في تاريخِه. هذا ما سَيسمَحُ للضوء بالسَّفر لمَسافات بعيدةٍ جدًا، دون أن يتفاعل مجددًا مع المادة، لينتَشِرَ في جميع أرجاءِ الكَون طيلة الثلاثَة عَشَر مليار سنةٍ المُقبِلة.
التَّمدُّد اللاَّحق للكون، جَعَلَ هذا الضَّوء، القَادِم من المَاضي السَّحيق، يتحوَّل اليَوم إلى المَجال الرادياوي، حيثُ يُمكننا أن نَرصده من جميع الاتجاهات، وهو ما نُسمِّيه اليوم “الخلفية المايكرو-إشعاعية للكون” (Cosmic Microwave Background) أو اِختصارًا CMB.
في ستّينات القرن الماضي، كان جايمس بيبل يَضعُ الإطار النَّظري للفيزياء الكونية خلال عمله، وهو مَا حَوَّلَها مِن مَجالِ التَّخمينات إلى عِلمٍ بكل ما للكلمة من معنى، وذلك باستخدام نَماذِجَ نظَرِيَّة وحِساباتٍ رياضيَّة. هذا مكنه فيما بعد من تَفسير الخلفية المايكرو إشعاعية للكون التي تُعتَبَر أثرًا يَعودُ لبِدَايات الكَون، وكذا اِكتشافِ تَطوراتٍ فيزيائيةٍ جَديدة. إذْ بَيَّنت نَتائجُ هذه الاكتشافات أنَّ المادة التي نَعرفها، بما في ذلك المجرَّات، النُّجوم، الكَواكب، الأشجار وحتَّى نحنُ، كلُّ ذلك لا يتعدَّى الـ 5% من الطاقة في الكَون! أمَّا نِسبة 95% المُتبقية فهي مادة مُظلِمة وطَاقَة مظلمة، تظلُّ إلى يَومِنا هذا لُغزًا يَنتظِرُ الإجابَة.
مالــــذي قــــدَّمَهُ مـــايور وكالــــوتز للفــــيزياء؟
في أُكتوبر من سنة 1995، أعلن العَالِمَان مايور وكالوتز كَشفًا فَلكيًا هو الأوَّل من نوعه: إنَّه كَوكَبُ خارِج المَجموعة الشَّمسية، أو كما يُسمَّى كَوكب خارجي (Exoplanet)، يَدور حَول نجمٍ شبيهٍ بالشَّمس، في كَوكبَةِ بيغاسوس في مجرَّتِنا دَرب التَّبانة. حدث ذلك في مَرصَد أوت بروفانس (Haute-Provence Observatory) بجَنوب فرنسا، أين تمكَّن العَالِمان من رصدِ الكَوكب المُسمَّى 51 Pegasi b، وهو كُرة غازِيَّة تنتمي لفَصيلَة الكَواكب الشَّبيهَة بالمُشتَري.
كان هذا الحدث اِختراقًا فَلكيًا بامتياز، كونه أول كوكبٍ خارِجي يتمُّ اِكتشافُه على الإطلاق، ولأنه أيضا أحدَثَ ثورةً في عِلمِ الفَلَك، حيثُ تبعهُ اِكتِشافُ حَوالي أربعة آلاف كوكب خَارجي في مَجرَّتِنا.
دِراسَةُ هذِهِ الكَواكِب من حيثُ الشَّكل، الحَجم والمَدارات، دَفَعت بالعُلماء إلى مُراجعة التصورات والنَّظريات السَّابقَة حولَ طُرقِ تشكُّلِ الكَواكِب. اليوم، وبفضل كل ذلك، أصبحنا نعرف الكثير عن تلك الكواكب، وهو الأمر الذي قد يجعلنا أقرَب، من أي وقت مضى، إلى الإجابَة عن السُّؤال الأبدي: هل تُوجَد حياةٌ خارِجَ الأَرض؟
تدقيق لغوي: أنس شيخ / سلمى بوقرعة