من المهم فهم كيفية إستجابة الفرد لدواء معين عند تطوير الخطط العلاجية. لكن ورغم الدراسات الطويلة في المجال، تبقى معرفتنا لمصير الأدوية في الجسم معرفًة أولية.
كذلك وفي ثلاثينيات القرن الماضي، إكتشف عالم الأحياء الدقيقة جيرارد دوماك Domagk Gerhard أن باستطاعة البرونتوزيل معالجة الإلتهاب بفضل بكتيريا pyogenes Streptococcus عند الفئران. تأكد بعد ذلك أنه يستقلب من قبل البكتيريا المعوية منتجًة جزيئات ” السولفاميل اميد .” sulfanilamide ” وهي “الشكل الفعال للدواء”.
كشفت عدة أبحاث سابقة أن باستطاعة الكائنات الدقيقة المعوية استقلاب الأدوية، من أمثلة ذلك : “البرونتوزيل Prontosil” وهو أول مضاد حيوي واسع الانتشار.
وقد قام زيمرمان Zimmermann وآخرون بتسليط الضوء على بكتيريا الأمعاء بهدف البحث عن كيفية استقلاب الأدوية طبيعيا.
من بين أمثلة تأثير البكتيريا المعوية على الأدوية نجد :” التثبيط والتعديل البكتيري للديڤوكسين digoxine”،المستعمل لأمراض القلب ، و التعديل الميكروبي لعوامل العلاج الكيميائي agents chimotherapeutic الذي يسبب أعراضا جانبية سمية .
زيمرمان و زملاؤه قسموا منهجا واسع النطاق لمعالجة إشكالية مدى إنتشار استقلاب البكتيريا للأدوية،قاد فيها تجارب مختبرية لتقييم قدرة 76 فصيلة من البكتيريا المعوية البشرية على استقلاب 271 نوعًا من الأدوية. تم اختيار هذه الأخيرة لُتكَون مجموعة متنوعة من حيث التأثير والبنية الجزيئية. وقد تبين أن 176 من بين الأدوية المجربة خضعت لتغيير أساسي من طرف سلالة واحدة على الأقل، مما سبب إنخفاض معدل الأدوية النشطة.
كل سلالة استقلبت ما يتراوح بين 11 إلى 95دواًء. والنتائج المتحصل عليها لافتة للنظر، علمًا أن عينات الأدوية المختبرة واسعة ومتنوعة، مما يرفع إحتمال أن معظم الأدوية التي نتناولها يتم تعديلها على مستوى الأمعاء. طريقة البحث هذه قد تكون مفيدة لعزل الأدوية المحتمل تثبيطها .
تم كذلك تحليل نتائج استقلاب 176 دواًء باستعمال مطيافية الكتلة spectrometry mass ؛كشف ذلك عن 868مركبا جديدًا. هذا الرقم يشير إلى إمكانية إنتاج أكثر من مركب واحد من استقلاب بعض الأدوية. تّم كذلك الكشف عن أنواع التحولات البنيوية الحاصلة، شمل ذلك مجموعة واسعة من بينها الأكسدة، الإرجاع و الأسترالي ( إضافة جذر أسيتيل ) . ستأخذ معالجة هذا التنوع غير المتوقع وقتا طويلا دون شك. لكن في الوقت الحالي على الأقل، أعلن زيمرمان عن عدة حالات تمت معاينتها بدقة.
لتحديد بعض الإنزيمات المسؤولة عن الاستقلاب، تّم إختيار بكتيريا thetaiotaomicron Bacteroides التي كانت من بين البكتيريا غزيرة الإنتاج في الدراسة حيث استقلبت 46من الأدوية المختبرة. تم دراسة كمية استقلاب هذه البكتيربا لل diltiazem المستخدم لمعالجة ارتفاع الضغط. كما تم تعديل بكتيريا ال coli Escherichia لتعبر وراثيا عن سلاسل من جينوم البكتيريا المدروسة، لمعرفة ما إذا كان باستطاعتها استقلاب ال diltiazem . تبين أن المورثة bt4096 تشفر الإنزيم المسؤول عن استقلاب الدواء المدروس. تّم كذلك التعرف على 18 مورثة تمكن من استقلاب 18دواًء .
هذه الإستراتيجية قد تمكن من تحديد إنزيمات بكتيريا الأمعاء التي بوسعها استقلاب أي نوع من الأدوية المستخدمة إكلينيكيا، أو المركبات العلاجية قيد التطوير . معلومات كهذه ستكون مفيدة أيضا لمعرفة ما إذا إمتلك شخص ما بكتيريا أمعاء بإمكانها تثبيط أحد الأدوية . هذه الدراسة تمثل تقدمًا مثيرا للإهتمام لفهمنا لديناميكية الأدوية في أجسادنا، كما تمثل خطة عمل مستقبلية للدراسات القادمة في هذا المجال الجديد.
رغم عمق التحليلات و الافاق المبهرة لهذه الدراسة، إلا أن بعض الأسئلة باقية للطرح، داعية القراء قليلي الصبر للتريث و التأمل في الوقت الحالي.
هناك مسألة أخرى يجب أخذها بعين الإعتبا، وهي أن العديد من الأدوية تؤخذ عن طريق الُحَقن، و بالتالي لاُيَتَوقع أن تصادف بكتيريا الأمعاء أصلا ( رغم أن بعضها قد يصل للأمعاء ثم يعود لمجرى الدم ). مع الوقت، قد نشهد نقلة نوعية من استعمال الحقن إلى الأدوية التي تأخذ عن طريق الفم. إذا كان ذلك، فالحاجة لفهم دور البكتيريا سيكونُ مُلّحًا.
استقلاب الأدوية يضاف بذلك للائحة الطرق الطويلة التي تؤثر بها بكتيريا الأمعاء على الجسم البشري، وينجم عن الإختلاف المعتبر في أنواعها بين الأفراد إختلاف في إستقلاب الأدوية مما لا يدعو للشك. إضافة إلى ذلك، للنظام الغذائي تأثير كبير على تركيبة هذه البكتيريا. لكن هل يؤثر على كفاءة الأدوية بتأثيره على البكتيريا المعوية؟ مسائل كهذه تلقي الضوء على كمية التعقيد الحاصلة عن أخذ التركيبة البكتيرية بعين الإعتبار عند تصميم خطط علاجية للأفراد. تعديل البكتيريا لتواكب إحتياجاتنا، بما فيها تحقيق مقاربة فردية لاستقلاب الأدوية، يبدو كالمسار الذي سيسلكه هذا المجال.
تدقيق لغوي: هبة.ج