الآلام دون شك هي السبب الأكثر شيوعًا الذي يجعل المرضى يبحثون عن علاج، خاصّة في مصلحة الاستعجالات، الطب الحديث لديه العديد من الوسائل للتخفيف من الآلام، ومن الوسائل الأكثر فعالية في ذلك الأفيونيات: كالمورفين، الترامادول، الكوديين… لكن هذه المواد لا تخلو من الخطورة نظرًا للتأثيرات الجانبية المترتبة عنها، نتعرف هنا على بعض المشاكل المترتبة عن استعمال الأفيونيات والجهود المبذولة لتخطيها.
عرف البشر القدرة الخارقة للأفيونيات قبل وقت طويل من معرفتهم كيف يتحكمون بها، حيث وُجد أن السومريين القدماء قاموا بزراعة نباتات الخشخاش التي تحتوي على الأفيون منذ أكثر من 5000 سنة، حيث كانت تُعرف بـ”نبات الفرح”، وقد تبعتها حضارات أخرى وذلك باستخدامها لعلاج الأوجاع والآلام، لكن قدرة الإدمان للمورفين لم تُعرف حتى القرن التاسع عشر، ومؤخرًا بدأ العلماء يقتربون من فهم آلية عمل الأفيونيات.
تعمل الأفيونيات مثلها مثل مسكنات الآلام الموجودة طبيعيًا في الجسم على غرار الأندونورفين، حيث أن كلاهما لديه القدرة على الارتباط بمستقبلات معينة على الخلايا العصبية، تعمل على إيقاف رسائل الألم عن الوصول إلى الدماغ وبالتالي إيقاف الشعور بها، حاليًا تضم عائلة الأفيونيات (opiate/opiacés) المركبات الطبيعية (أشباه قلويات من أصل نباتي كالمورفين والكوديين …)، المركبات نصف المصنعة والتي تصنع بالتعديل على مركبات طبيعية، من الأمثلة على ذلك الهروين، وكذلك المركبات المصنعة كالفانتنيل، تجمعها كلها قدرتها على الارتباط بالمستقبلات الأفيونية ويختلف نوع وشدة تأثيرها.
تكمن المشكلة في تناول الأفيونيات أن مستقبلاتها تنتشر في الكثير من خلايا الجسم، ويؤدي تفعيلها إلى التأثير في العديد من الوظائف كالتنفس، نبض القلب، حركية الأمعاء … هذه التأثيرات تكون جانبية وغير مرغوب فيها، كما يمكن أن تسبب زيادة جرعة المواد الأفيونية أو التسمم بها لأضرار جسيمة، كغياب الوعي وضيق التنفس، يمثل هذا الأخير العلامة المميزة والسبب الرئيسي للوفاة بسبب التسمم الأفيوني.
من جهة أخرى الأفيونيات هي مركبات تسبب الإدمان بشدة، حيث أنها تتداخل مع نظام المكافئة في الدماغ، مسببة تحرير كمية من الدوبامين أكثر مما تعوده الدماغ، شيئًا فشيئًا تصبح مستقبلات الأفيونيات في الدماغ أقل حساسية، مما يتطلب جرعة أعلى للحصول على نفس الشعور ونفس النشوة، هذا التعود أو فقدان الحساسية للمستقبلات يمكنه أن يؤثر على نظام الجسم الطبيعي، فحتى الأفيونيات الطبيعية لن يصبح بإمكانها أداء وظائفها، وهذا ما يجعل الجسم يسقط في أعراض الامتناع والارتداد في غياب المخدر، كالتعرق الشديد وتشنجات الشد والتقلصات العضلية، حينها يصبح الجسم تابعًا للدواء ليس فقط نفسيًا بل وفيزيولوجيًا.
الإدمان هو ظاهرة أكثر تعقيدًا من التبعية، ينطوي على رغبة جسدية قوية جدًا، لدرجة أنها قد تصل بالشخص للقيام بسلوكيات متطرفة للحصول على الجرعة التالية، قد يكون الاستعمال الطبي للمواد الأفيونية على المدى الطويل يسبب التبعية، ولكن ليس بالضرورة الإدمان، لكن التبعية والإدمان غالبًا ما يترافقان معًا.
مشكلة سوء استعمال الأدوية الأفيونية:
الأدوية الأفيونية توصَف بكثرةٍ كعلاج للآلام، غالبًا مع مسكنات الآلام الأخرى، إلا أن سوء استعمال هذه المواد وتسرّبها، إضافة إلى مواد أفيونية أخرى غير مشروعة؛ يؤدي إلى مشاكل صحية كالتسمم (زيادة الجرعة)، حيث أحصى مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC في الولايات المتحدة، أن زيادة جرعة الأفيونيات تسببت في 33,091 حالة وفاة سنة 2015 بزيادة 15,6% مقارنة بسنة 2014.
أثار انتشار الإدمان على الأفيونيات حفيظة العديد من أطباء المخدرات في الولايات المتحدة الأمريكية، فسوء استعمال هذه الأدوية من المرضى، أو مشاركتها مع الأصدقاء أو أفراد العائلة يمكن أن يكون له آثار جسيمة، فحتى الاستعمال قصير المدى لها لا يخلو من أخطار الآثار الجانبية: بطء التنفس، الإمساك، الغثيان، القيء…؛ لذا فقد سعوا إلى فرض المزيد من القيود على استعمالها، ليصبح الحصول على مثل هذه المواد أمرًا أصعب، قصد الحد من الآثار السلبية لسوء استعمالها، لكن من جهة أخرى أصبح المرضى الذين يحتاجون فعلًا لهذه المواد في مشكلة، خاصة في غياب بديل فعال.
هل من حلول؟
بحث العلماء عن بدائل فعّالة لسنوات عديدة بدون نجاح، ولعل فهمًا أدق للكيفية التي يُرسل ويتلقى بها الدماغ الرسائل الكيميائية الخاصة، يمكّننا في الأخير من التقدم لتجنب سلبيات المواد المتاحة حاليًا، حيث يجري العمل على تحضير عقارات أكثر تخصصًا، يمكنها القضاء على الآلام كالأفيونيات بأقل تأثيرات جانبية، يحاول بعض الباحثين التغيير على الجزيئات الأفيونية الموجودة من أجل التخلّص من تأثيراتها السلبية، بينما يتجنب آخرون الأفيونيات بالكامل ويعلقون آمالًا على مركبات الماريجوانا.
يعتقد العلماء أنه وباستغلال المعلومات والتقنيات الحديثة، يمكنهم أن يتوصلوا إلى مركبات بديلة فعّالة كالأفيونيات وبدون تأثيرات جانبية، رغم أن رحلة بحثهم منذ قرابة مئة سنة لم تفض بشيء، أما في الوقت الراهن وبالرغم من المخاطر يبقى استعمال الأدوية الأفيونية واسعًا، نظرًا لأنها تعمل بشكل جيّد، خاصة للآلام المتوسطة والشديدة قصيرة المدى.