Site icon الباحثون الجزائريون – Algerian Researchers

العلماء يعيدون التفكير في طبيعة المكان والزمان

 

يمكن أن يكون التشابك مفتاح كل شيء -حرفيًا-، قد يكون تفسيرًا جديدًا وأكثر دقة لطبيعة الزمكان، كما قد يكون الطريق لإيجاد الصلة الواصلة بين النسبية العامة وميكانيكا الكم. وعبر تحديد التشابه بين أبرز نظريتين في الفيزياء فقد نصل إلى أن التشابك نفسه يُعدُّ مصدرا للزمكان والجاذبية، كما قد تنظَمُّ نظرية إلى نظرية وسطية في إطار واحد تفسر كل شيء: نظرية كل شيء.

طبيعة الزمكان:

كشف زوجٌ من الباحثين عن جسر محتمل يربط بين النسبية العامة وميكانيكا الكم -نظريتي الفيزياء البارزتين- ما قد يُجبر علماء الفيزياء على إعادة التفكير في طبيعة المكان والزمان. حيث تصف نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين الجاذبية كخاصية هندسية للزمان والمكان، فكلَّما زاد حجمُ الكائن، زاد تشوُّهُهما، وهذا التشوُّه هو ما يُعرف بالجاذبية.

في السبعينيات، لاحظ الفيزيائيان ستيفن هوكينج وجاكوب بيكينشتاين وجود صلة بين المساحة السطحية للثقوب السوداء وهيكلها الكمي المجهري، والذي يحدد انتروبها. كان هذا أولُّ إدراك لوجود صلة بين نظرية أينشتاين في النسبية العامة وميكانيكا الكم.

بعد أقلّ من ثلاثة عقود، لاحظ الفيزيائي النظري خوان مالداسينا وجودَ صلة أخرى بين الجاذبية والعالم الكمي، أدَّت هذه الصلة إلى إنشاء نموذجٍ يقترح إمكانية إنشاء الزمكان أو إتلافه عن طريق تغيير مقدار التشابك بين المناطق السطحية المختلفة لكائن ما.
بمعنى آخر، هذا يعني أن الزمكان نفسه، على الأقل كما هو مُعرَّف في النماذج، هو نتاج التشابك بين الأشياء.

ولاستكشاف المزيد حول هذه الفرضيات، شرَعَ كل من تشون جون كاو (ChunJun Cao) وشون كارول (Sean Carroll) من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (CalTech) في معرفة ما إذا كان بإمكانهما اِشتقاق الخصائص الديناميكية للجاذبية (كما هو مألوف من النسبية العامة) باِستخدام نفس الإطار الذي ينشأ فيه الزمكان من التشابك الكمي (أبحاثُهم نشرت مؤخرا في arXiv).
وباستخدام مفهومٍ رياضي تجريدي يسمى فضاء هيلبرت، تمكن كاو وكارول من العثور على أوجه التشابه بين المعادلات التي تحكم تشابك الكم ومعادلات آينشتاين للنسبية العامة، وهذا ما يدعم فكرة أن الزمكان والجاذبية ينبثقان من التشابك.

وحسب ما صرح به كارول لموقع Futurism فإن الخطوة التالية في هذا البحث هي تحديد دقة الاِفتراضات التي وُضعت له سابقًا. وقال: «من أكثر الفرضيات وضوحًا هو التحقق ما إذا تم اِسترداد التماثُلات النسبية في هذا الإطار، وعلى وجه الخصوص فكرة أن قوانين الفيزياء لا تعتمد على السرعة التي نتحرك بها عبر الفضاء.»

نظرية كل شيء:

يمكننا اليوم تفسير كل شيء نعرفه تقريبًا عن الجوانب الفيزيائية لكونِنا، إما عن طريق النسبية العامة أو ميكانيكا الكم. فتقوم الأولى بعملٍ رائع في شرح النشاط على نطاقات كبيرة جدًا، مثل الكواكب أو المجرات. بينما تُساعدنا الثانية في فهمه على نطاقات صغيرة جدًا، مثل الذرات والجزيئات دون الذرية.
ومع ذلك، يبدو أن النظريتين غيرُ متوافقتين مع بعضهما البعض، وهذا ما دفع بالفيزيائيين إلى السعي وراء «نظرية كل شيء» (إطارٌ واحد يفسر كل شيء، بما في ذلك طبيعة المكان والزمان).

ونظرًا لأن الجاذبية والزمكان جزء مهم من «كل شيء»، قال كارول إنه يعتقدُ أن الأبحاث التي أجراها هو وكاو يُمكن أن تُساهم في تقدُّم السعي لتحقيق نظريةٍ توفِّق بين النسبية العامة وميكانيكا الكم. ومع ذلك، أشار إلى أن ورقتهُما البحثية تبقى متضاربةً ومحدودة المجال.
فعلى حدِّ تعبيره فإن بحثهما لا يقول الكثير حتى الآن عن قوى الطبيعة الأخرى، لذلك لا نزال بعيدين عن الجمع بين «كل شيء» معًا. ومع ذلك، إذا اِستطعنا إيجاد مثل هذه النظرية، فقد تُساعدنا في الإجابة على بعض أكبر الأسئلة التي تواجه العلماء اليوم، كما قد نكون قادرين على فهم الطبيعة الحقيقية للمادة المظلمة والطاقة المظلمة والثُّقوب السوداء والكائنات الغامضة الأخرى.

بالفعل، يستغلُّ الباحثون قدرة العالم الكمية على تحسين أنظمة الحوسبة لدينا بشكلٍ جذري، ويمكن أن تُسرِّع «نظرية كل شيء» العملية من خلال الكشف عن رؤى جديدة في عالم لا يزال مُربكًا إلى حد كبير. في حين أن التقدم الذي أحرزه علماء الفيزياء النظرية في السعي وراء نظريةٍ لكل شيء كان “مُتقطِّعًا” وفقا لـكارول، فإن كل جزءٍ جديدٍ من الأبحاث -متضاربًا كان أو لا- يقرِّبنا خطوةً من الكشف عنها والدخول في عصرٍ كاملٍ وجديدٍ في فهم الإنسانية والكون.

 

إعداد: وسام بلغيت

تدقيق لغوي: أنس شيخ

 

المصدر

Exit mobile version