ملخص
لا شك أن تحديد سبب الضغط النفسي ومعرفة مصدره بدقة من الأمور الضرورية لعلاجه مستقبلاً، وإن كان يصعب أحياناً تحديد مصدره بسبب كثرة المواقف التي يمر عليها الفرد في حياته اليومية، والتي قد تتحول إلى اضطرابات تهدد راحة الانسان زمناً طويلاً، حيث يستجيب لها الفرد بطريقة تختلف من فرد إلى آخر.
المؤكد أن الضغط النفسي ينشأ لدى الفرد بوصفه نتيجة للمعاناة التي يواجهها الفرد، وقد اهتم بالموضوع العديد من الباحثين في حقل علم النفس الفيزيولوجي، أي تفسير الظواهر النفسية تفسيراً بيولوجياً وفيزيولوجياً، بهدف تحديد الأسباب والوصول إلى طرق العلاج، لذلك سنحاول تسليط الضوء على التفسير الفيزيولوجي للضغط النفسي.
الكلمات المفتاحية: الضغط النفسي، النظرية الفيزيولوجية، الطبيعة الحيوية العصبية.
مقدمة
يتعرض الإنسان في كل مراحل نموه إلى مجموعة من المواقف اليومية الضاغطة التي يجابهها أحيانا ويتجنبها في أحيان أخرى وفقا لقدراته وإمكاناته المعرفية من ناحية. فضلاً عمّا يمليه عليه الموقف المقلق، محاولاً التعامل معها بغية خفض شدة وقعها عليه، من خلال توظيف مجموعة من الأساليب والإستراتيجيات المتاحة حسب الموقف وفعالية الفرد في التعامل معه. كما أن طبيعة الإنسان الفيزيولوجية والنفسية والاجتماعية تملي عليه التجاوب والتفاعل مع مختلف المواقف الظاهرة من خلال سلوكاته، على خلفية مجموعة من البناءات الشخصية والفكرية والمعرفية المفسرة للمثير والمحددة له، وتعد الضغوط النفسية إحدى المشكلات العصرية التي أثارت اهتمام علماء النفس وأطباء الصحة العامة منذ بدايات القرن العشرين، إذ تركَّز الاهتمام على دراسة الضغط النفسي من النواحي الفيزيولوجية الهرمونية، وتأثيراته السلبية على صحة الفرد الجسدية، وانحصرت تطبيقات البحوث على الضغط النفسي في تفسير التغيرات الفيزيولوجية التي تطرأ على الفرد والضرر الصحي الذي يصيبه أثناء تعرضه للضغط النفسي، وعلى الرغم من أن بداية البحث في مفهوم الضغط النفسي كانت ترتكز على النواحي الفيزيولوجية، بحيث تربط بين المواقف الضاغطة (خارجية أو داخلية) واستجابة الفرد المتمثلة في التغيرات الفيزيولوجية الهرمونية، وما يسببه ذلك من أمراض جسدية، مع إهمال دور الفرد في التفاعل النفسي معه واختلاف الأفراد في استجاباتهم للمواقف الضاغطة. ذلك أن الفرد يواجه في حياته اليومية الكثير من المواقف التي تعترض طريقه، و تعرض توازنه النفسي والجسمي إلى إختلال وقلق وتوتر معيقة إياه أداء مهامه، وتسمى هذه المواقف بالضغوط النفسية التي أصبحت تمثل أهم الموضوعات الحديثة التي لها أثر كبير في مجتمعنا الحالي، وذلك راجع إلى التأثيرات السلبية التي من أبرزها عدم القدرة على التوافق النفسي للأفراد الذي يولد العديد من الاضطرابات النفسية وذلك نظرا لتعدد مصادر الضغط وانعكاساته على الحياة النفسية والجســـمية للفرد. كما أن الفرد يعيش يوميا أحداث ضاغطة تسبب له تعباً وإرهاقاً، تستدعي منه تكييف قدراته من أجل التوافق معها، وذلك بانتهاج عدة أساليب على اختلاف أنواعها وتوجهاتها، الأمر الذي دفعنا إلى الحديث عن هذا المفهوم بشكل من التفصيل حول النظريات النفسية الاجتماعية والنظرية الفيزيولوجية في تفسير الضغط النفسي.
مفاهيم البحث
الضغط النفسي
“يُعرف على أنه استجابة طبيعية لتحدٍّ بدني أو عاطفي، ويحدث عند فقدان التوازن بين المطالب وموارد التكيف، ففي إحدى كفتي الميزان يمثل الضغط النفسي التحديات التي تثيرنا وتجعلنا متأهبين، بينما نجد في الكفة الأخرى أن الضغط النفسي يمثل الأوضاع التي يصبح فيها الأفراد غير قادرين على تلبية المطالب المفروضة عليهم وفي آخر المطاف يعانون انهيارا بدنيا و نفسيا.” (فايزة غازي العبد لله، 2015، ص22).
النظرية الفيزيولوجية
“تُعرف على أنها الاتجاه الذي يعطي وصفاً وتفسيراً للتغيرات الفيزيولوجية والوظيفية التي تحدث في الجسم أو في عضو من أعضاء الجسم”. (عبد الحكيم أحمد شريف، 2000، ص4).
الطبيعة الحيوية العصبية
“وهي الإتجاه الذي يفسر الظواهر بالاستناد إلى الجهاز العصبي، وهي عبارة عن تفسير العلاقة بين النشاط والخلايا العصبية”. (سهام إبراهيم كامل محمد، ص6).
النظرية الفيزيولوجية في تفسير الضغط النفسي
يُعتبر “هانز سيلي” وبحكم تخصصه كطبيب، متأثرا بتفسير الضغط النفسي فيزيولوجيا، حيث تنطلق نظرية “سيلي” من مسلمة ترى أن الضغط متغير غير مستقل وهو استجابة لعامل الضغط حيث يميز الشخص ويصنعه على أساس استجابة البيئة الضاغطة وأن هناك استجابة أو أنماط من الاستجابات يمكن الاستدلال منها على أن الشخص يقع تحت تأثير بيئي مزع . ويعتبر “هانز ” استجابات تتميز بها درجة التعرض للضاغط وأن أعراض الاستجابة الفيزيولوجية للضغط عالية وهدفها المحافظة على الكيان.
ولقد حدد “سيلي” ثلاث مراحل للضغط وأن هذه المراجل تمثل مراحل التكيف العام وهي:
- الفزع: وفيه يظهر الجسم تغيرات واستجابات تتميز بقدر درجة التعرض المبدئي للضاغط، ونتيجة لهذه التغيرات تقل مقاومة الجسم وقد تحدث الوفاة عندما تنهار مقاومة الجسم ويكون الضاغط شديدا.
- المقاومة: وتحدث عندما يكون التعرض للضاغط متلازما مع التكيف فتختفي التغيرات التي ظهرت على الجسم في المرحلة الأولى وتظهر تغيرات أخرى وتدل على التكيف.
- الإجهاد: الطبيعة الحيوية العصبية للضغط النفسي مرحلة تعقب المقاومة ويكون فيها الجسم قد تكيف غير أن الطاقة الضرورية تكون قد استُنفذت وإذا كانت الإستجابات الدفاعية شديدة ومستمرة لفترة طويلة فقد ينتج عنها أمراض التكيف (فاروق السيد عثمان، 2001 ،ص98)
- الطبيعة الحيوية العصبية للضغط النفسي
تحدث حسب المسار العصبي الفيزيولوجي التالي :
- نقل المعلومات في شكل ومضات محفزة إنطلاقا من الأعضاء الحسية وصولا إلى القشرة الدماغية وذلك عبر الطرق العصبية الناقلة.
- نقل هذه المعلومات من القشرة اللحائية إلى المخ الوسط عن طريق وصلات ما بين دماغية.
- إصدار نوعين من الرسائل إنطلاقا من المخ الوسط باتجاه الأعضاء المستقبلة، سواءً كانت هذه الرسائل عصبية إعاشية تنتقل عن طريق الأعصاب أم كانت رسائل هرمونية بمعنى أي هرمونات مفرزة من طرف الفص الخلفي للغدة النخامية، وتنتقل عن طريق الدم ولهذه الرسائل أثر تعبئة وتنشيط بعض المستقبلات (أعضاء، عضلات، البشرة.. الخ) التابعة للنظام العصبي الإعاشي “الجهاز الذاتي” ومتعلقة كذلك بالحياة العلائقية مع المحيط الخارجي وتهدف كل هذه الآليات الى وضع العضوية في حالة استنفار و دفاع.
- بعد ذلك ظهرت أبحاث هانز سيلي 1982 حيث أشار أن الضغط يحدث على أربع مستويات محاور عصبية وهي كما يلي:
- المحور العصبي الأول
يربط هذا المحور العصبي مابين حصان البحر والنظام السمبثاوي والغدة الكظرية التي عندما تنشط تعمل على التحرير الفوري للنورأدرينالين في الدم، مؤدية بذلك إلى زيادة دقات القلب وارتفاع الضغط الشرياني، كما تؤدي إلى إرتفاع نسبة السكر في الدم. إضافةً إلى اِنتقال كمية كبيرة من الدم من الأعضاء الطرفية الى الأعضاء الأساسية كما يعمل على الحث من الحذر والإنتباه وكل هذه الآثار السابقة تدوم حوالي 15دقيقة.
- المحور العصبي الثاني
وهو محور عصبي خاص بنقل مواد القشرة الكظرية ويربط ما بين المهاد، أي بين الغدة النخامية والغدة الكظرية، هذه الأخيرة وعند نشاطها تعمل على تحرير كمية كبيرة من مادة غلوكوكوتيكويد الذي يؤدي على تشكيل ما يعرف بالغلايكوجين العضلي انطلاقا من مركبات بروتيدية ليبيدية، كما يفرز الأدرينالين الذي يؤدي بسرعة لإستهلاك كبير للغلايكوجين ويدوم هذا النشاط حوالي ساعتين.
- المحور العصبي الثالث
وهو محور عصبي ناقل للببتيدات المسكينة؛ وهي مواد مسكنة يعمل على الإستفادة من تحرير بعض الببتيدات مثل: الميتوتروفين يفرز من طرف الغدة النخامية الأمامية والفص الأمامي بيتا-أندروفين وهو مادة مسكنة من شدة الاستجابة الانفعالية وخاصة استجابة الخوف.
- المحور العصبي الرابع
وهو محور عصبي مناعي حيث يمثل المستوى العمق للنشاط الدفاعي في حالة التعرض للضغط، ويعمل الكورتيزول على تخريب الأنسجة اللمفاوية ويحدث تصدع في الدفاعات المناعية، هناك أيضاً مادة الغلوكوتيكوييد التي تقوم في نفس الوقت بدور متناقض، فمن جهة تؤمن لنا دفاعاً استعجالياً في حالة الموقف الضاغط ومن جهة أخرى تضعف القدرة العامة للعضوية (ناجية دايلي، 2013، ص48-49)
على ضوء ما تم تقديمه، ورغم مختلف النماذج النظرية المفسرة للضغوط النفسية، يمكن القول أن الضغط النفسي الذي يتعرض له الفرد والآلام التي يعاني منها ما هي إلا عبء ومعاناة لا يمكن أن يدرك حقيقتها سوى المريض، لذلك وجب على الممارسين تفهم طبيعة الاستجابة للمواقف المولدة للضغط وتزويد الفرد بأساليب مواجهة الضغوط وتحقيق الصحة النفسية.
إعداد: ليلى شيباني
تدقيق لغوي: حفصة بوزكري