أجمع معظم الباحثين المُشاركين في مؤتمر الجرافين 2017 [1] ببرشلونة أنّ الجَرافين لا يتوقف عن الإلهام والإبهار وأنّ دائرة استخداماته ستتوسع لتَشمل العديد من المَجالات التقنيّة الحديثة.[2]
فما هي خصائص هذا العنصر الكيميائي الذي أَبهر العُلماء، وما هي تطبيقاته؟
يعود اكتشاف الجرافين لسنة 2004 بجامعة مانشستر، أَين تَمكن البروفيسور أندريه جيم والبروفيسور كوستيا نوفوسيلوف من عزله من الجرافيت على شكل ذرّة ثنائيّة الأبعاد، وهذا ما أتاح لهُما التتويج بجائزة نُوبل للفيزياء عام 2010. أثارت ورقتهما البحثيّة في مجلّة العلوم سنة 2004 جدلًا واسعًا في الوسط العلمي، فلَا يُمكن لعُنصر ذري-سميك الصفائح أن يكون مستقرًا. مَا فتح الباب واسعًا للتحري حول هذا العنصر الغريب ومعرفة خصائصه غير العاديّة.
توصلت الأَبحاث فيما بعد إلى أنّ الجرافين هو أنحف (أرق) المَواد المعرُوفة ويُعد أقوَاها على الإطلاق فهو أقوى 300 مرة من الفُولاذ وأصلب 40 مرة من الألماس، كما أنّه موصل ممتاز للحرارة والكهرباء، حيث ينقل الكهرباء بكفاءة مثل النحاس ويتفوق على جميع المواد الأخرى كموصل للحرارة. ويُصنف الجرافين بأنّه شكل من أشكال الكربون (مثل أنابيب الكربون النانوية) ويستخرج من الجرافيت الذي يتألف كل مليميتر منه من ثلاثة ملايين طبقة جرافين متراصة فوق بعضها البعض.
استخدامات الجرافين لا حدود لها بفضل خصائصها متعددة الوظائف، الجرافين يمكن استخدامه في الآلاف من التطبيقات المختلفة[3]، والتي نذكر منها مايلي:
- الأغشية (Membranes)
يستخدم الجرافين كوسيط نفاذي لمختلف الأغشية المستعملة في تقنيات فصل الغاز، تحلية مياه البحر وتصفية المياه المستعملة وذلك باستخدام أغشية محددة تسمى: غشاء أكسيد الجرافين.
- المركبات والطلاء (Composites and coatings)
الجيل القادم من المركبات والطلاء يمكن تطويره بفضل الجرافين وذلك بتعزيز خصائصها كالمتانة، الموصلية، المرونة، وخفة الوزن والطلاء المضاد للتآكل، هذا ما سيجعل الجرافين يلعب دورًا رئيسيًا في صناعة السيارات والفضاء وبناء الطائرات والسفن ومختلف القطع الحربيّة، حيث يمكن استخدامه لتعزيز خصائص لوحات السيارات، وأجنحة الفضاء أو الخرسانة. كمادة مضافة في الطلاء، ويمكن استخدام الجرافين لمنازل مانعة لتسرب الماء أو منع صدأ السفن.
الجرافين يدخل حيز الاهتمام في جُهود البحث والتطوير المتزايدة في كل من الأوساط الأكاديمية والصناعة، حيث بادرت الكثير من الشركات الكبيرة والصغيرة إلى الاستثمار في إنشاء مُنتجات جديدة باستخدام الجرافين. وبهذا فإنّ عالم مركبات الجرافين والطلاء يستعد للنمو ويُصبح جزءًا من حياتنا اليومية.
- الطاقة (Energy)
بالنظر إلى خصائصه الإلكترونية والميكانيكية غير العادية، استخدم الجرافين في تطبيقات طاقوية أثبتت نجاعتها وساهمت في التقدم التقني الهائل الحاصل في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، الخلايا الشمسيّة والبطاريّات والمكثفات الفائقة وتخزين الهيدروجين وخلايا الوقود كلها مجالات تم تحسين فعاليتها باستعمال الجرافين الذي ساعد أيضًا في زيادة عمرها.
- التطبيقات البيوطبية (Biomedical)
أكثر مجال حاز على أكثر تطبيقات الجرافين هو المجال البيوطبي، فمع استمرار الطلب على خدمات الرعاية الصحية ، وكذلك الطلب على حلول الرعاية الصحية الجديدة. والتي ينبغي أن تكون أكثر فعالية وأقل تكلفة وتمنع الأمراض. أتاح الجرافين إمكانية التشخيص والعلاج بشكل جديد، وذلك بفضل خصائص فريدة من نوعها مواتية للتكنولوجيات الطبيّة الحيوية. وتشمل: توصيل التخدير، توصيل الجينات، علاج السرطان، الاستشعار والتصوير الحيوي، البكتيريا المضادة، العلاج الجيني بواسطة توصيل الحمض النووي، هندسة الأنسجة، والأجهزة الطبية … [4]
- أجهزة الاستشعار (Sensors)
أدى التطور الحاصل في آليات التصنيع وتقنيات الرقمنة إلى ضرورة إيجاد مُستشعرات أكثر دقة وكفاءة وهذا ما تم بفضل رقائق الجرافين المطوية على شكل أنابيب كربون نانويّة والتي تستخدم لصناعة المستشعرات الكيميائية، الكهروكيميائية، الكهروضوئية، المغناطيسيّة والميكانيكيّة. [5]
- الإلكترونيات والضوئيات ( Electronics and Photonics )
إن وتيرة الابتكار والتطوير للإكترونيّات والضوئيّات لم تكن لتتواصل لولا الجرافين وتطبيقاته المُهمة في هَذا المَجال، حيث يمكنه أَن يُحدث ثورة في الجيل القادم من تكنولوجيا الرقائق وبيَانات الاتصال والشاشات المرنة والتقنيات الملبوسة. وفي المجال اللاسلكي، تم بناء نماذج أولية لهوائيات اتصال مرنة بالقرب من المصدر تستند إلى الجرافين، ممّا يوفر حلًا تنافسيًا للغاية لعلامات تحديد الترددات الراديويّة المرنة. كمَا أنّ الأَبحاث في مَجال الإلكترونيات باستخدام الجرافين تجري على قدم وساق لتطوير تقنيَات أخرى في هذا المجال خصوصا باستخدام ما يعرف بالهندسة السحابيّة [6]
كما أنّ أحدث ما توصلت إليه الأَبحاث المخبريّة في هذا المجال، أنّ الإلكترونات تتدفق من خلال الجرافين مثل السائل وهذا ما يجعلها ذات ناقليّة فائقة الفعالية.[7]
الجرافين وتطبيقاته المستقبلية
هذا إضافة إلى تطبيقات أخرى منها ماهو مَعمول ومصرح به مثل تطوير الروبوتات النانوية Graphene nanorobots للاستخدامات البيوطبية [8] وتنظيف المياه [9] وتوليد الطاقة [10], واستخدام نماذج الحمض النووي لتتبع هياكل الجرافين النانوية [11]. ومنها تطبيقات طالتها السرية في استخدامات عسكرية جد متطورة.
والأكيد أنّ المُستقبل القريب سيكشف عن المزيد من التطبيقات التقنية للجرافين الذي يَعتبره العلماء مادة المستقبل، خصوصا فيما يتعلق بحلول الاستدامة والحد من الاحتباس الحراري.