تَنطَلِقُ فِكرة الِارتقاء الصِّحيّ مِن فَلسَفةٍ مَفَادُها أنّ الصحّة الجيّدة هي نتاج إنجازٍ شخصيٍّ تراكمـيّ فهـي على المُستوى الفرديّ تتضمّن القيام بتطوير نِظامِ عاداتٍ صحية في مرحلة مبكّرة لذلك يُعتبر الغذاء المُتوازن من أُسسِ الصحّةِ السليمة في جميع مراحل الحياة وخاصّةً مرحلة الحمل، إذ تزداد الصحّة الجَسَدية والنَّفسية للمَرأة الحَامل بتوفّر التغذية الصحية التي تَتَناسَب وحَالَة المرأة، لاسيما أنّ العَنَاصِر الغِذائية لها الدَّور الكَبير في التَّأثير على الحَالة النَّفسية للمَرأة وتَحقيق نوعٍ من السعادة النفسية، ذلك ما سنقوم بعرضه خلال هذه الورقة البحثية.
- التغذية الصحيّة : تُعرَفُ على أنّه مَا يَتَغذّى به الفَرد من الطَّعام والشَّراب وهو ما ساعدُ نَمَاء الجِسمِ وقَوامِه، وهي تلك الأغذية التي تُزوّد الجِسمَ بالطَّاقة اللاَّزمة وتحافظُ على صِحّته بما يضمن بَقاءَه واِستمرارَهُ، وهي الأغذية التي تحتوي على الكَمِّيات الكَافية والضَرورية للنموّ والصحّة والحيوية والنَّشاط (أبو هربيد، 2012، ص 174).
- المرأة الحامل : وهي المَرأة التي تكون في فترةٍ مِن التغيُّرات النَّفسية والجِسمية والهُرمونية والتي تَبدأُ من لَحظَةِ الإِخصَاب وتَنتهي بعد الوِلادة. والمَرأة الحَامل هي المَرأة المُقبِلة على الوِلادة (إيلول، 2012، ص 17).
التَّوعية الصحيّة لدى المَرأة الحَامِل
تُعدّ التوعية بالصحّة سواءً الفردية أو العامّة اليوم، من أولويات المُنظّمات الصحيّة والجمعيات في زمنٍ طَغَتْ فيه أولوياتٌ أُخرى على حياة الفرد كالعَمل والدِّراسة واِنشغالات الفرد الاِجتماعية. وهُنا يَظهر دَورُ المَرأة في نَقلِ المُمَارسَات الصِّحيّة للصّغير وبَرمَجةِ الفَرد وتَوعيته بخصوص السلوكات الصحيّة والمخاطر الكامنة من الممارسات والأَفعال التي غالبًا ما قد يراها الفرد بديهيةً وروتينية. لذلك، وَجَب تَوعية المَرأة الحَامل بِضَرورة التَّغذية الصِّحيّة وكذا نَشر ثَقافة النَّظافة الجَسَدية ونَظافة المُحيط والمَواد الغِذائية كغَسل الخضروات، وكذلك أهمية غسل اليدين وبالتالي نشر الثقافة الصحية بصفة عامة.
نجد من بين الدراسات التي إهتمّت بمجال الوعي الصحيّ، الباحثة “صليحة القص” التي حَاولت البحث عن مدى فعالية بَرنامج تَربية صحيّة في تغيير سلوكات الخطر وتنمية الوعي الصحيّ لدى المراهقين والذي توصّلت فيه إلى أنّ هُناك عَلاقة بين التَّربية الصِّحيّة وتَغيير السُّلوكات الخَطِرة والضارّة بالصحّة (صليحة القص،2016، ص 3)، كما نَجد دِراسة “مالك شعباني” التي تبحث في دَور الإذاعة في نَشر الوَعي الصِّحيّ والتي خَلَصت إلى أنّه مادامت الصِّحّة للجَميع فهي مَهِمّة الجميع وتَخُصّ جَميع أفراد المُجتمع بنَشر التَّوعية الصِّحيّة (شعباني،2006، ص 458). وهذا مايُوَضِّح لنا مَدى أَهمية التَّوعية الصِّحيّة والتي لها الدور الكبير في ترسيخ العَادات والسلوكيات الصِّحيّة للمرأة الحامل والتي تُحقّق لها نسبة معيّنة من الصحّة النفسية والجَسدية معًا.
العَنَاصر الغِذائية الصِّحيّة للمَرأة الحَامِل
إنَّ القَاعِدة الأَسَاسِية لتَغذية الحَامِل تَتمثّل في:”لَيسَ المُهمّ أن تَتَناول قَدرًا كبيرًا من الطَّعام ولكنّ الأهمّ هو أن يَحتَوي الطَّعام اليَوميّ على العَناصِر الغِذائية الصِّحيّة “. وهذا ما توَصَّل مُجمل البَاحثين إليه في تَحديد مَجموعَة من العَناصِر الصِّحيّة التي من الواجب أن تتوفّر في الغِذاء اليَوميّ للمَرأة خلال فَترة الحَمل، وهي كالتالي:
- البروتِين: حبث يُساعِِد في بِناء خَلايَا الجَنين وتَصنيع الدَّم اللازِم، إضافة لدوره بمثَابة المخزن الإضافي للطاقة اللازمة عند الولادة.
- الكربوهيدرات: والتي تقوم بتزويد الحَامل وجنينها بالطاقة اللازمة خلال فترة الحمل.
- الكالسيوم: ودورِهُ في صُنعِ عِظامٍ وأسنانٍ قوية.
- الحديد: يعملُ على تَصنيعِ كريات الدَّم الحَمراء التي تَقوم باِيصال الأوكسُجين للجَنين.
- فيتامين أ: والذي يساعِدُ في تَشكيل جِلدٍ سَليم كما يُحافظ على صحّة النظر ونموّ العظام.
- فيتامين(C): يساعد في نموّ عظام وأسنان ولَثّة سليمة إضافة لدوره في اِمتصاص عنصر الحديد.
- فيتامين ب6 : الذي يكمُن دورهُ في تشكيل كريات الدَّم الحَمراء وفي اِستخدام الجسم للبروتين والدهون والكربوهيدرات.
- فيتامين ب12: يقوم بالمحافظة على الجِهاز العصبيّ وتشكيل كريات الدم الحمراء.
- Folic Acid حمض الفوليك : يساعد في تصنيع الدم والبروتين وكذلك في عَمل بعض الأنزيمات.
- الدهون: يعملُ على التزويد الكافي للطاقة من أجل النُّموّ، حَيث يَملَئ نِسبة 30% من سُعرات الغِذاء اليوميّ المُوصَى بها.
االهَرم الغِذائي الصِّحيّ لَدى المَرأة الحَامِل
يُعتبر الهرم الغذائيّ دليلًا غذائيًّا صحيًّا للتَّعرّف على الاحتياجاتِ الغذائية من المَجموعَات الغِّذائية المُختلفة بتَحديد حَجمِ وعَدد الحِصَص اليَومية التي تَحتاج إليها المَرأة الحَامِل في تَكوين الوَجَبات الأسَاسية بحيث تَضمَنُ الحُصولَ على جَميع العَنَاصِر الغِذائية التي يَحتاج إليها الجِسم من خِلال التَّنوّع والتَّوازُن في الأطعمة المُتَنَاوَلَة، لذلك تَحتاج المَرأة الحَامِل إلى جَميع العَناصر الغذائية الرئيسية من أجل المُحَافَظَة على صِحّتها وصِحّة الجَنين وأَهمُّها:
الكربوهيدرات والبروتينَات والفيتَامينَات والأملاح المَعدَنية، وجَميع هذه العناصر نستطيع الحُصول عليها عن طَريق الاِلتزام بالحِصَص الغِذائية المَوجودَة في الهَرَم الغِذائيّ الصِّحيّ، وهو مَا نُوضِّحه في الشّكل التالي:
وجبَة الإِفطار وتَأثيرِها على الحَالة النَّفسية والمِزاجية للمَرأة الحَامِل
مِن المُلاحَظ أنّ المَرأة الحَامِل تَهتَمُّ بوجبَة الإِفطار وتَحرِص بصفةٍ خاصّة على تَنَاول الأطعمة المُفيدة للجَنين، إلّا أنّ فترة الصّباح جَاءت بعد اِنقضاء سَاعاتٍ طويلة من عدم الأكلِ أَثنَاء النَّوم ويَكون الجِّسم في حَاجة شَديدة للطَّاقة وذلك لوجُود اِنخفاضٍ بمُستوى السُّكّر بالدَّم، وبَعض الحَوامِل تَعتَادُ تَناول إفطارٍ سريعٍ يشتمل على بعض الحَلويات أو المَخبوزَاتِ إلى جَانب تَنَاول الشَّاي أو الَقهوة وهذا ما يَجعلهم يَكتَسِبون بسُرعة الطَّاقة اللاَّزمة لبَدءِ النَّشَاطِ اليَوميّ، إلّا أنّ هَؤلاءِ الحَوامِل يَتعرّضن عَادةً بحُلول فترة منتصف النَّهار إلى الفُتور وتَعَكُّر المَزاج أو الشُّعور بالاِكتئاب، وسَبَب ذَلك هو تَنَاوُل الحَلويَّات والسُّكريات في الصَّباح، وإن كَانَ يَمدُّ الجِسمَ بطاقة سَريعَة لاِرتفاع مُستوى السُّكر بالدَّم بسُرعة، إلّا أنّ هذه الطَّاقة لا تَّدوم طَويلًا، وهذا ما جعل الأخِصّائيِّين والبَاحِثين يُركّزون على تَرسيخ الوَعيِ الصحيّ وذلك لتوعية المرأة الحامل بأهمية الإفطار بالغِذاء الصِّحيّ المُتَوازِن، والذي يُؤدّي إلى اِرتفاعٍ تَدريجيّ بمُستَوى السُّكّر بالدَّم ويُمكِن للمَرأة الحَامِل أن تَحتَفِظ بالطَّاقة لأَطوَل فَترة مُمكنة، لِذلكَ يُفَضَّل تَجنّب تَنَاول الحَلويَّات والسُّكريَات في الصَّباح، والاِعتِماد على تَناول الكَربوهيدرَات المُعقّدة من الدَّقيق الكَامِل والحُبوب والبُقوليات والبروتيَنات واللَّبَن (الحسني، 2000، ص 11).
قائمة المراجع:
- آمال إيلول (2012): الضغط النفسيّ لدى النساء الحوامل المقبلات على الولادة للمرّة الأولى، دراسة ميدانية، معهد العلوم الانسانية والاجتماعية، البويرة.
- أيمن الحسني (2000): الغذاء المثاليّ للحامل، مكتبة اِبن سينا للنشر والتوزيع والتصدير، جامع المنح، مصر، القاهرة.
- صليحة القص (2016): فعالية برنامج تربية صحية في تغيير سلوكات الخطر وتنمية الوعي الصحي لدى المراهقين، رسالة دكتوراه، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية، بسكرة.
- عاطف محمد أبو هربيد (2012): قواعد وسلامة الغذاء ،مقال في مجلة الجامعة الاسلامية للدراسات الاسلامية، المجلد العشرون، العدد الأول، فلسطين.
- مالك شعباني (2006): دور الإذاعة في نشر الوعي الصحي لدى الطالب الجامعي، رسالة دكتوراه، كلية العلوم الانسانية والعلوم الاجتماعية، قسنطينة، الجزائر.
تدقيق لغوي: – هاجر بن يمينة وأنس شيخ
تصميم: رامي نزلي