الطبع، التطبع، الغريزة، البيئة، التعلم .. هي مواضيع كلاسيكية اشترك في دراستها علم النفس مع عدة علوم، فالأمر هنا لا يحتاج كثير من البحث حتى نجد المصطلحات السابقة عناوين رئيسية لكثير من المراجع العلمية في علم الأحياء و علم سلوك الحيوان (éthologie) و كذا علم النفس المقارن، و نتج عن هذا التداخل بين هاته العلوم ملاحظات متنوعة كان أهمها ما تم اكتشافه من أن الزواحف و غيرها من الحيوانات الدنيا تولد و هي مزودة بتراث غرائزي كبير، فطائر الحباري (Chlamydotis) يهاجر إلى المناطق الدافئة بنظام ملاحة غرائزي غير متعلم، بالمقابل الثدييات و خاصة الرئيسات (Primates) و منها الإنسان تولد و هي غير مزودة بغرائز كثيرة لذا فهي و من أجل بقائها تحتاج أن تقترب ممن هو أكبر و أقوى حتى تنجح في البقاء لذلك طورت بالانتخاب الطبيعي ما يسمي “نظام التعلق”، كي يشغل في السنوات الأولى التي يكون فيها الطفل ضعيفا و محتاجا للعلاقات الحميمية مع الأخر القوي و ميزة هذا النظام أنه يتأثر بالخبرات المبكرة التي يتعرض لها الفرد .
مصطلح التعلق اقترح من طرف العالم البريطاني جون بولبي بداية من ملاحظته لسلوكيات الأطفال أثناء انفصالهم عن أمهاتهم حيث كان هذا الانفصال يمثل مشكلة كبيرة في بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية ؛عندما أرسل كثير من الأطفال إلى الريف بعيدا عن الوالدين ليكونوا في مأمن من قنابل العدو على المدن، فوفقا لهذه النظرية يمر الطفل الوليد عبر سلسلة من المراحل لارتقاء التعلق بشخص كبير يرعاه وهو غالبا الأم ؛ واستخدام هذا التعلق كقاعدة للأمان والاكتشاف والانفصال؛ وينظر إلى أنساق سلوك التعلق على أنها شيء مبرمج داخل الطفل وجزء من تراثنا التطوري له قيمة تكيفية للنوع الإنساني، و يمكن تلخيص مكونات النظرية في ثلاثة نقاط هي :
ـ يطور البشر و الكائنات الحيوانية أنظمتهم الدافعية و السلوكية التي تسمح لهم بالبقاء و التكاثر و نظرا للضعف المرتبط بولادتهم قبل الأوان فأنهم يحتاجون إلى الحماية و المساعدة و تعاون الأعضاء الآخرين
ـ إن أحد تلك الأنظمة السلوكية هي نظام التعلق المسؤول عن تأسيس الروابط الاجتماعية الأولية التي ينادى بها الآخرين في أوقات المحن و الصعوبة
ـ يشكل تاريخ العلاقات الحميمة معالم نظام التعلق و يترك بقايا مهمة في تشكيل نماذج عمل داخلية للذات و الشركاء و العلاقات, و تنتج هذه العملية التطورية في كل شخص أسلوب تعلق يمكن قياسه و يؤثر على طبيعة العلاقات المتتالية و يشمل ذلك العلاقات مع الشركاء الحميمين و الأصدقاء و زملاء العمل
المصادر:
– Guédeney,N ., Guédeney,A., et coll. (2009). L’attachement approche théorique.3 édition. Paris, France, Elsevier Masson
– Schofield,G., Beck,M., et coll. (2011). Guide de l’attachement en famille d’accueille. Paris, France, Elsevier Masson
تدقيق لغوي: بشرى بوخالفي