-الغفل، البلاسيبو أو ببساطة “الدواء الكاذب”
البلاسيبو هو الإسم العلمي للدواء الكاذب أو “الوهمي” ويُقصد به الدواء الخال من المادّة الفعّالة. وهي المادّة المسؤولة عن الأثر العلاجي.
لنأخذ قرص الأسبرين كمثال. إذا كان وزن القرص 500 مغ فإنّ كمية الأسبرين تكون في حدود 100 مغ أمّا باقي الكتلة فهي عبارة عن سواغات(مجموعة مواد مختلفة تدخل في تماسك بنية القرص والعمل على تسهيل وصول المادّة الفعّالة إلى مستقبلاتها داخل الجسم وغيرها من المهام).
أوّل استعمالٍ تجريبيٍ موثّق (1) للـ(البلاسيبو) كان في نهاية القرن 18 من طرف الطبيب “اليشابيركنز”. وكان عبارة عن قضبان معدنية اِدّعى أنّها مصنوعة من معدنٍ خاصّ قادرٍ على تخفيف مختلف الأوجاع من ألم الرأس إلى آلام التهاب المفاصل، سمّى هذه الأداة بـ “تراكتور” ،حيث كان يضعها على مكان الألم مدّة 20 دقيقة والمثير في الأمر أنّ معظم المرضى ادّعوا تحسّن حالتهم الصحية، فحصل بذلك على براءة اختراعٍ وجنى من ذلك أموالًا طائلة.
شكّك الطبيب البريطاني “جون هايجارث” في هذا العلاج، فقام بنفس التجربة لكن بواسطة قضبانٍ خشبية مرّة ونحاسية مرّة أخرى، وفي كلتا الحالتين ادّعى أنّها مواد خارقة قادرة على تخفيف الألم، وكانت المفاجأة حصولَه على نفس النتيجة تقريبًا وادّعاء معظم مرضاه التخلّص من الألم.
بعد هذه النّتائج، وصل الباحثون إلى نتيجة أنّه يمكن خداع الجسم في بعض الحالات باعطائه دواءً خاليًا من المادّة الفعّالة والحصول على نفس نتائج الدّواء “الحقيقي”. وبالتالي، تجنّب الآثار الجانبية التي يمكن أن يسبّبها الدواء.
ففي الحرب العالمية الثانية، قام الطبيب هنري.ك.بيشر(2) بحقن جرحى الحرب بمحلولٍ ملحيٍ بدل مسكن الألم”المورفين” وذلك لنفاذ كميات المورفين، فقام بتطبيق بروتوكول مزدوج التعمية، حيث لا الجريح ولا المعالج يعلم أنّ ما يحقنه ليس مورفينا وإنّما محلولٌ ملحيٌّ فقط. فكانت النتيجة أنّه من بين 1082 جريح أظهر 35 بالمئة منهم استجابةً للعلاج وتوقّف شعورهم بالألم.
تتأثّر النتائج المتحصّل عليها بالأثر الذي يتركه العلاج في نفسية المريض، حيث أظهرت الدراسات أنّ المريض إذا اِعتقد أنّه يتلقّى العلاج فإنّ الجسم يستجيب تمامًا للمادّة المستعملة كما يستجيب للدّواء الحقيقي، أي أنّ العلاج نفسي أكثر منه عضوي.
في تجربةٍ قام بها أطباءُ ألمانيون(3) على مجموعتين من المرضى، أعطوا المجموعة الأولى الدواء وأخبروهم أنّه مسكّنٌ للألم، أمّا المجموعة الثانية فأخبروهم أنّ ما سيتناولونه عبارة عن بلاسيبو وأنّه خالٍ من المادّة الفعالة، فكانت النتيجة أن تحسّن معظم أفراد المجموعة الأولى بينما لم يحصل أيّ تغييرٍ على حالة المجموعة الثانية.
كما يلعب ثمن العلاج ونمطه دورًا في التأثير على نتائج البلاسيبو، فكلّما زاد ثمن الدّواء زاد تأثيره، كما أنّ للحقنِة مثلًا أثرٌ أكبر من القرص أوالتحميلة.
لا يزال استعمال هذا النمط من العلاج مستمرًا إلى اليوم. ففي الولايات المتّحدة مثلا، في احصائياتٍ(4) أجريت سنة 2008، أفادت بأنّ 45 بالمئة من الأطبّاء يصفونه لمرضاهم، 34بالمئة منهم يصفونه على أساس “مادّة مساعدة ولا يحمل أيّ آثارٍ جانبية لهم”، 19 بالمئة يصفونه ب”دواء حقيقي”، 9 بالمئة بـ “علاج بدون تأثير مضمون”، بينما 4 بالمئة يصفونه على أساس “بلاسيبو” بدون مادّة فعّالة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تدقيق لغوي: هاجر.ب
مراجعة علمية: ياسين وينتن