Site icon الباحثون الجزائريون – Algerian Researchers

الأَوبِئة التي فَتَكَت بالملايين في القُرون الماضية، تَعود بِحُلّة جديدَة في زَمَنِنا “المُتطَوِّر”

Image par Gerd Altmann de Pixabay

رُبّما ظَنَّ الجَميع أن زَمَن الأوبِئَة القَاتِلة والتي كانَت تفتِكُ بالآلاف وفي أيّامٍ قليلةٍ قد وَلىّ، خُصوصًا مع التطوُّر الذي شَهِده الطِّب في مُختَلَف مَجالاتِه العامَّة والحَيوانيَّة وكذا الصحَّة الوِقائيّة والعلاجية.
لكن التَّغيُّرات المناخِيّة التي يمُرّ بها كوكَبُنا في السَّنوات الأخيرة جَعلت كابوسَ الأَوبئة والعدوى يَعود من جَديد لأذهانِ العُلماء، لكِن هذه المَرّة في ظُروفٍ مُغايرَة لِما كانَت عليه في السّابِق، فيَا تَرى ما سَبَب هذه المَخاوِف وما مَصدرُها ؟

داء الكَلَب (Rage) يعود للمِنصّة لكن بزِيٍ جديد

مِن المَعروف مُنذُ عام 1947 أنَّ الثَّعلب القُطبي الشَّمالي (Vulpes lagopus) يَحمِل شَكلاً من أشكالِ داءِ الكَلَب يُعرَف بإسم “الكَلَب الشَّائع” (Vulpes lagopus)، وهو مَرَض مُعدي يُحتَمَل أن يَكون قاتلاً ويُمكِن أن يَنتَقِل إلى البَشَر، ومِن هُنا تمَّ تَصنيفُه ضِمنَ الأَمراض الحَيوانيَّة المُعدِية للبَشر (Zoonose).
وعَلى الرَّغم من أن حَالات المَرَض المُؤكَّدة نَادرة (أقل من 10 مَرضى في نِصف قَرن في روسيا وغرينلاند، ولا أثر لها في كندا)، لكن هذا الأخير ضَلَّ يُمثِّل مَصدرَ قَلقٍ لوَكالات الصحَّة العَامة في شَمال “كندا”. هُناك قَلَق أيضًا من اِحتِمال اِنتقال داء الكَلَب إلى الثَّعلب الأحمَر.
ويَعود تَخوُّف العُلماء من هذا المَرَض بسببِ زيادَة دَرَجات الحَرَارة المُسجَّلة مُأخّراً، حيثُ يَجعلُ الإحتِباس الحَراري الثَّعلبَ الأحمَرَ يُهاجِر نَحو الشَّمال باحِثاً عن ظُروف مَناخيَّة تُلائِم عَيشه.
يَقول الدّكتور “أندريه رافيل” أُستاذ بكُلية الطِّب البَيطري بـ”جامعة مونتريال”: (إنَّ الاِحتباس الحَراري يُمكن أن يَكون مَصدَر قَلقٍ للحَياة البرية وهذا يُمثِّل تَهديداً مُباشِراً لحَياةِ الإنسان.

يُمثِّلُ هذا حَاليًا خَطرًا نظريًا، ولكنَّ الباحِثين في مَجال الأمراض الوَبائيَّة “حَيَوانيَّة المَنشَأ” (GREZOSP)، التي يَقودُها أندريه رافيل مُنذُ عام 2016، يُطوِّرون نَماذِج من اِنتِقال فَيروس داء الكَلَب التي يُمكِنُ أن تكون مُفيدةً في حَالَة حدوثِ وباء.

رُبّما هي نِهاية العَلاقة الوَطيدَة للإنسان مع الكَلب!

يُركِّز البَحث الذي أجرَاه عُلماء (GREZOSP) على المَخاطِر المُرتَبطة بأَمراض “حَيوانيَّة المَصدَر” مثل دَاء الكَلَب الشَّائِع، ومع العَديد من الزُّملاء من “جامعة مونتريال ( العالِم الجُغرافي “ثورا هيرمان”، عُلماء الأوبِئة “سيسيل أينيشينسلين”، “كريستوفر فرنانديز برادا”، “باتريك ليتون وأودري سيون” من كلية الطِّب البَيطَري)، ومِن الخَارِج (عالم الأنثروبولوجيا “فرانسيس ليفيسك”، من جامعة “كيبيك” في “أبيتيبي-تيميسكامينجو”، وأُستاذ الإتصَالات “يوهان سان تشارلز”، من جامعة “كيبيك” في “مونتريال” )، حيثُ يَعمل هَؤلاء بشكلٍ خَاص على تقييم سِلسِلَة من التَّدخُّلات التي تَهدِفُ إلى الحَد من المَخَاطِر على صحَّة الإنسان في شَمال “كندا”، حَيثُ يَعيشُ الجَميع هُناك على إتِّصال وَثيق مع الكِلاب التي يُمكن أن تَكون أيضًا ناقِلَة لداء الكَلَب.

مُنذ أكثَر من 10 سنوات، تَعمل كلية الطِّب البَيطري في UdeM في “نونافيك” للحَدِّ من المَشاكل المُتعلِّقة بتَعايُش البَشَر مع الحَيوانات.
تُعدُّ الإحتياجات هائِلة، لأنَّه في مِثل هذه المِنطقَة ومَع مُجتمعٍ مُماثِل لا يُمكن الإعتِماد في أيِّ حَال على عَزلِ هذا الحَيوان الذي يُمثِّل جُزءاً أساسيَّا في حَياة كل عائِلة، حيثُ يَقول البروفيسور “رافيل”: (نتعامَلُ مع هذِه المُجتَمَعات مِن خِلال اِحتِرام الأبعاد المُختَلِفَة للصحَّة، على النَّحو المُوصَى بِه من قِبَل مُنظَّمَة الصحَّة العَالمية: الصحَّة البَدَنية، ولكن أيضًا الصحَّة العَقلية والصحَّة الإجتِماعية”.

الحَرارَة والبِكتيريا..

هذا المَرَض هو مُجرَّد مِثالٍ واحدٍ مما يَدرُسهُ الدكتور “رافيل” الذي يَشتهِرُ بخِبرَته الواسِعَة في مَجَال الأمراض الحَيوانِيَّة المَنشَأ خاصّةً البكتيرية مِنها ( داء السلمونيلات، والبكتريا الحمراء، والطفيليات الإشريكية القولونية ) والطفيليات (الجيارديات، الكريبتوسبوريديوسيس ).
يُضيف هذا الأخير: الأمراض النّاجِمة عن البِكتيريا المُلتَويَة (Compylobacteriosis)، وهو نَوع آخِر من الأوبِئَة التي يُمكِن أن يَزدَاد اِنتشارُها إلى الضِّعف جَرّاء التَّغيُّرات المَناخية، وهذا الأَخير تُسَبِّبُه البَكتيريا المَوجودة في فَضَلات الكَثير من الثَّدييات والطيور الداجِنَة وكذلك البَريَّة.
والأمرُ يَزدادُ سُوءاً في حَالَةِ هُطولِ أمطارٍ غَزيرَة، حيثُ يُمكِن أن يَنتَهي المَطاف بهذِه البَكتيريا إلى المُسَطَّحَات المائية، والآبار والسُّدود وكذلك خَزّانات المِياه في مَراكِز التَّصفية، ومن ثَمّة إلى مِياه الشُّرب. مع العِلم أن هذا النَّوع من البَكتيريا يَتميَّز بمُقاومَتِه وصُعوبَةِ التَّخلُّص منهُ حتى باِستعمال المُطَهِّرَات والتّغليَة الدورية للمِياه، وهذا النَّوعُ من الأَمطار إزدَاد بِمُعدَّل هائلٍ في السَّنوات الأخيرة، وهو إحدىَ النَّتائِج لِما يُسمّى بالإحتِباس الحَراري.

تَظافُر الجُهود و تَكاتُف جميع الإختِصاصات من أجل الحِفاظ على الصحَّة العامّة.

تَقوم (GREZOSP) -والتي تَحتَفلُ بعيد نَشأَتِها العِشرين هذه السَّنة- بأعمالٍ أُخرى في تخَصُّصات مُختَلفَة، وقد نَشَأت هذِه المَجموعَة الفَريدة إثرَ اِتفاقيَّة شَراكة بين وَكالة الصحَّة العامّة في كندا والوكالة الكندية لفَحص الأغذية والمَعهَد الوطني للصحَّة العامّة في “كيبيك”.
يَرتبِطُ أيضًا عَشَرات الباحِثين من برنامج (GREZOSP) بمِحوَر (One World Health) التَّابع لمَركز أبحاث الصحَّة العامّة المُمَوَّل حَديثًا في كليَّة الصحَّة العامّة بـ “جامعة مونتريال”.

تدقيق لغوي: أنس شيخ.

تصميم: رامي نزلي.

المصدر

Exit mobile version