Site icon الباحثون الجزائريون – Algerian Researchers

الأفكار الاساسية للسانيات البنيوية لدي سوسير De Saussure

Photo by MJ S on Unsplash

اللّسانيات البنيوية هي منهج عام يحلّل أيّ نصٍّ لغوي باعتباره بناءا أو هيكلا، بطريقة مستقلّة وبعيدة عن أيّة ملابسات أو ظروف خارجية، وباعتبار وحداته متشابكة ومترابطة فيما بينها داخليا، أي “دراسة اللّغة في ذاتها ومن أجل ذاتها” (دي سوسير).

فردينان دي سوسير (1857-1913) عالم لغويات سويسري له إسهام كبير في علم اللّسانيات (اللغويات). كان كتاب “محاضرات في اللّسانيات العامة” لدي سوسير، الذي كتبه تلاميذه بعد وفاته في عام 1916، البدايةَ الأولى التي أدّت إلى ظهور اللّسانيات البنيوية، وهو يضمّ مجموعة من محاضراته التي ألقاها  في جامعة جنيف بين عام 1901 و 1906. كانت أفكاره اللّغوية ذات الطّابع البنيوي والمتأثرة بمباحث دوركايم منطلقا للمدارس اللّسانية الحديثة. أصبحت محاضرات دي سوسير أساسيّة لكلِّ من يهتم بدراسة علم اللّسانيات فهي تعطينا نظرة ثاقبة في أساسيات اللّسانيات البنيوية باستخدام طرق علميّة منهجيّة صارمة عند دراستها للظّاهرة اللّغوية، ممّا ساهم في تغيير منحى الدّرس اللّساني عن ما كان عليه من قبل (من دراسة اللّغة تاريخيا وبطريقة فلسفية إلى وصف اللّغة كظاهرة اجتماعية وتحليلها). نشير إلى أنّ دي سوسير نفسه لم يستخدم كلمة “بنية” ، وإنّما استخدم كلمة “نسق” أو “نظام”.

على كلّ مبتدئ مهتم بعلم اللّسانيات، أن يكون على دراية بالمفاهيم الأساسية التي أتى بها دي سوسير حتى يتمكّن من تتبُّع أصول اللّسانيات البنيوية.

اللّغة (langue) والكلام (language) واللّسان (parole)  وتفريقه الحاد بينها

يقول الدكتور تمام حسان:

” الكلام عمل واللّغةُ حدودُ هذا العمل ، والكلام سلوك واللّغةُ معاييرُ هذا السلوك ، والكلام نشاط واللّغةُ قواعدُ هذا النشاط ، والكلام حركة واللّغةُ مظاهرُ هذه الحركة ، والكلام يحسن بالسمع نطقاً والبصر كتابة ، واللّغة تفهم بالتأمل في الكلام، فالكلام هو المنطوق وهو المكتوب، واللّغة هي الموصوفة في كتب القواعد والمعاجم ونحوها، والكلام قد يكون عملاً فردياً ولكنّ اللّغة لا تكون إلّا  اجتماعية “

اللّغة هي كلُّ ما يدخل في نطاق النشاط اللّغوي من اصطلاح أو إشارة أو رمز صوتي أو كتابي و التي وضعتها مجموعة اجتماعية معيّنة لغرض الاتصال. وينظر إليها دي سوسير بطريقتين:

إنّ اللّغة والكلام أسبقُ من اللسان من حيث نشأتهما، فهذا الأخير لا يستقرّ إلّا بعد مرور العديد من الأجيال، إلى جانب ذلك، يقول دي سوسير أنّه لا يمكن دراسة الكلام دراسة علمية لأنّه فردي، و”الفردي يقوم على عنصر الاختيار، وعنصر الاختيار لا يمكن التنبؤ به، وما لا يمكن التنبؤ به لا يمكن دراسته دراسة علمية”، نفس الشيء بالنسبة للغة لأنّها تخصّ الفرد والجماعة، ممّا يعني أنّها ليست وجود اجتماعي خالص، في حين أنّه يمكن دراسة اللّسان دراسة علمية لأنّه موضوع يمكن ملاحظته وتصنيفه.

الجانب الأفقي (السنتجماتيكي) والجانب الرأسي (البراديجماتيكي)

نظر دي سيوسير إلى اللّغة بنظرة تجريدية أي أنّه صبَّ اهتمامه على البنية العميقة لا السطحية للّغة، من هنا قال أنّ دراسة العلاقة بين التراكيب تكون من جانبين:

الجانب الأفقي: أي النظر إلى طريقة تصنيف العناصر اللّغوية إلى عناصر أكبر أو إلى جمل وعبارات وتراكيب، وتوضيح العلاقات بين هذه العناصر. فيكون التركيز على خواص تركيب معين ودوره النّحوي المعيّن في الجملة والذي يجعل الجملة ككل ذات معنى. كهذه الجملة: يراجع التلميذ درسه جيدا حتى يستعد لامتحان الغد.

الجانب الرأسي: أي العلاقات بين العناصر اللّغوية في النظام اللّغوي أو في الجدول الصرفي، فيركز هذا الجانب على جدولة العلاقات واستبدالها. وبتعبير أبسط، يُعنى هذا الجانب بإمكانية استبدال كلمة بأخرى في جملة معيّنة دون المساس بمعنى الجملة. كهذه الجملة: يحضر الطالب أدواته  مسبقا حتى يستعدّ لامتحان الغد.

أو كهذه الأمثلة:

سألتُ الشيخَ عن الطريق
سألتُ أختي عن الطريق
سألتُ الشريفَ عن الطريق

  عند إطّلاعك عن كثب في الجدول أعلاه، تلاحظ وجود تسلسل للكلمات بطريقة منظمة من الجانب الأفقي، مماّ يخلق معنى أنّ “الشخص يسأل عن الطريق”، ومن الجانب الرأسي، تلاحظ أنك تستطيع أن تستبدل المفعول به “الشيخَ” بعناصر أخرى محدّدة في النظام اللّغوي ك: أختي، الشريف، هي، صديقي، .. الخ. كلّ هذه العناصر تصلح مفعولا به في اللّغة العربية. فالعلاقة الأفقية والرأسية تعتبران ثنائية في اللّسانيات.

المحور التزامني (Synchronic) والمحور التتابعي (Diachronic)

ميّز دي سوسير بين “السنكرونية” أو (الوصفية) في مقابل “الديكرونية” أو (التاريخية). فيرى أنّ دراسة نسق اللّغة يكون إمّا تزامنياً أو تعاقبياً. فدراسة اللّغة على اعتبار أنّها نظام يؤدّي وظيفته في فترة معينة من الزمن ودون العودة إلى تاريخها هو ما أسماه بالمحور التزامني، وفي المقابل، دراسة اللّغة والتغيرات التي تطرأ عليها تاريخيا أي وصف المراحل التطورية التي مرّت بها هو ما أسماه بالمحور التتابعي (التعاقبي). ولتوضيح المحورين أكثر، نقدّم لكم هذا المثال:

يمكنك دراسة اللّغة العربية القديمة في العصر الجاهلي في شبه الجزيرة العربية، هنا أنت تعتمد على نهج التزامن بما أنّك تقيّد دراستك بفترة معينة من الزمن. لكن إن كنت تبحث عن تطوّر اللّغة العربية واستخداماتها من العصر الجاهلي إلى العصر المعاصر، يمكن أن نطلق على دراستك “دراسة تتابعية” أو اللّسانيات التاريخية.

نشير إلى أنّ دي سوسير رفض المنظور التتابعي لأنّه يرى أنّ معرفة تاريخ الكلمة لن يفيد في تحديد معناها الحالي.

اعتباطية العلامة الالسنية

تُعرّف العلامة بأنّها اتحاد الدال signifier والمدلول signified، ويُعدّ الدّال الصورة الصوتية المادية والمدلول هو المفهوم أي الجانب الذهني فهو لا يشير إلى الشيء بل يشير إلى الصورة الذهنية أو الفكرة عن الشيء، أي العلامة sign هي اتحاد / الدال + المدلول يساوي المفهوم.

                                    (الصوت ⇐المعنى)

لتبسيط المفهومين أكثر، إليكم هذا المثال:

لا يوجد أيّ تفسير منطقي لإطلاق كلمة قِط على الحيوان “القط”،  لهذا نجد أسماء مختلفة للقط في جميع اللّغات.

القط: الدال

الثديات الصغيرة ذات أربع أرجل: المدلول

لكن إن أردنا تسمية القط بالمواء، فيمكننا القول أن هذه التسمية منطقية لأنّ صوت القط فعلا المواء.

المواء: الدال

حيوان ثدي صغير باربع أرجل يصدر صوت المواء: المدلول

فشبّه دي سوسير كلًّا من الدال والمدلول بالورقة ذات الوجهين لا يمكنك تمزيق وجه دون تمزيق آخر، ويقول أيضا أنّ العلاقة بين الدال والمدلول عرفية ومواضعة؛ أي: الرابط الجامع بين الدال والمدلول اعتباطي وتعسفي.

  أكّد دي سوسير على دراسة اللّغة كغاية في ذاتها ولذاتها، وتُعدّ الأفكار الأساسية والثنائيات التي قدّمها قيمة جدا ومنعرجا تاريخيا مهما في البحث اللساني الحديث.

_________________________

تدقيق لغوي: سهام جريدي

المصادر: 

هنا هنا هنا هنا هنا هنا هنا 

اللّغة العربية معناها ومبناها : د. تمام حسان ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1973م

علم اللّغة بين التراث والمعاصرة، مدكور عاطف، القاهرة:دار الثقافة،1987، ص29.

اللّغة والكلام واللّسان عند دي سوسير، جامعة بابل.

د. ماهر كامل نافع، النقد الفني:مرجعيات المنهج البنيوي، كلية الفنون الجميلة، جامعة بابل

محاضرات في اللّسانيات، د خالد خليل هويدي و د نعمة دهش الطائي، مكتب نـور الحسن ، بغداد، 2015.

النسق و دوره في اللّسانيات العامة: مدونة دي سوسير نموذجا (مذكرة ماستر)، ساحلي كهينة و زكريني ليندة، جامعة بجاية، 2016.

جهود فردينان دي سوسير في علم الدلالة (مذكرة ماستر)، عبلة شريفي، جامعة منتوري قسنطينة، 2011.

 Matthews, P. (2001). A short history of structural linguistics. Cambridge: Cambridge University Press

Britannica

Saussure, F., Bally, C., Sechehaye, C., Urbain, J., & Riedlinger, A. Cours de linguistique générale

Ferdinand de Saussure and Structural Linguistics, Jan. 20, 2017 by Bella Ross

Ferdinand De Saussure and Structuralist Theory: A Brief Illustration

 

 

 

Exit mobile version