تشكّل حوادث المرور تهديدًا كبيرًا في العالم إذ أنّها تحصد آلاف الأرواح سنويًا. فمثلًا هنا في الجزائر، تشير إحصائيات أمن الطرقات أنّه وفي سنة 2015 فقط، تمّ تسجيل أكثر من 800 قتيل وأكثر من 19 ألف جريح عبر كامل التراب الوطني.
لا يخفى أنّ الكثير من العوامل تكمن كأسبابٍ وراء هذه الحوادث كجودة البنى التحتية و تجهيزات المركبة، لكن يبقى العامل البشريّ هو الأكثر تورّطًا خاصّةً ما يتعلّق بالسلوكيات: السرعة المفرطة، تناول الكحول، السياقة في حالة تعب وإرهاق، تناول مواد مهلوسة وأدوية. نعم، حتّى الأدوية تتورّط في الكثير من الحوادث إذ يمكن للعديد منها أن يشكّل خطرًا على قيادة مركبة أو تشغيل آلة خطِرة. ففي هذا الصدد، تشير إحصائية في بعض الدول أنّ التناول الحديث لأدوية خطِرة يتورّط في حوالي 10% من حوادث المرور، حيث وجد أنّ المنوّمات ومضادات القلق هي الأدوية الأكثر تورّطا.
كيف يمكن للأدوية أن تؤثر على القدرة على السياقة؟
غالبًا يكون تأثير الأدوية على القدرة على السياقة بسبب تأثيرها على المركز العصبيّ. هذا التأثير يمكن أن يكون رئيسيًا في الدواء، أي أنّها توصف لأجل هذا التأثير (دواء منوّم مثلًا)، كما يمكن أن يتعلّق بتأثيرٍ جانبيٍّ للدواء؛ فمثلًا: دواء الزّكام يمكن أن يتسبّب في خفض التركيز.
اضافةً إلى ذلك، يمكن أن تؤثّر الأدوية على القدرة على السياقة بعدّة طرق أخرى: اضطّرابات الوعي والتركيز، اضطّرابات الرؤية، اضطّرابات سلوكية وحركية، اضطّرابات التوازن …
هذه التأثيرات يمكن أن تتفاقم تحت تأثير شروط معينة: تناول الكحول، تناول عدّة أدوية، خطأ في الجرعة، التعب، التوتّر، مرض كبدي أو كلوي، تقدّم العمر… علاوةً على كوْنها تختلف من شخصٍ لآخر.
كيف يمكن تجنب تأثير الأدوية على السياقة؟
في كلّ مرّة، تتناول فيها دواءً يؤثّر على القدرة على السياقة(مشار إلى ذلك على العلبة) يُستحسن احترام بعض النصائح البسيطة:
- من المستحسن تناول هذا النوع من الأدوية ليلًا عند الخلود النوم.
- التوقف عن السياقة عند الاحساس بأيّ إشارة تحذيرية: نعاس، صعوبة في التركيز، صعوبة في الحفاظ على مسار المركبة أو إذا لوحظ ذلك من طرف شخصٍ آخر، اضطرابات الرؤية.
- عدم تناول الكحول بشكلٍ عام وعند تناول هذا النوع من الأدوية بشكلٍ خاص، فتأثيره يمكن أن يعمل على تفاقم تأثير هذه الأدوية.
- يستحسن عدم تناول أدوية أخرى إضافةً إلى تلك التي يمكن أن تأثّر على القدرة على السياقة.
- في حالة علاج طويل المدى، من الأفضل عدم تغيير الجرعة أو تناول دواء آخر دون استشارة الطبيب.
- عند تناول أدوية مخصّصة لعلاج مرضٍ يؤثّر على القدرة على السياقة (الصرع، الاكتئاب، اضطّرابات القلب…)، من المهمّ عدم التوقف عن العلاج دون استشارة الطبيب.
- إذا كان العلاج مسؤولًا عن آثار جانبية تؤثّر جزئيًّا على القدرة على السياقة، وكان من الضروريّ استعمال مركبتكم، تحدّثوا إلى طبيبكم بهذا الخصوص. في بعض الحالات، من الممكن تغيير الجرعة أو توقيتها لتخفيض خطرها. ولربّما يصف لكم الطبيب علاجًا آخر أقلّ تأثيرًا فيما يخصّ القدرة على السياقة.
كيف يمكن معرفة الأدوية التي تؤثر على القدرة على السياقة؟
لتسهيل معرفة الأدوية التي يمكن أن تؤثّر على القدرة على السياقة، يوضع على العلبة رمزٌ تحذيري، عبارة عن سيارة داخل مثلثٍ أحمر صغير، كما يشار لذلك في النشرة الخاصّة به داخل العلبة. حاليًا ثلث الأدوية الموجودة تقريبًا تحمل رمز التحذير من السياقة عند تناولها.
في فرنسا، وبجهود خبراء ومختصّين في مختلف المجالات الطبية والقانونية، تمّ تقسيم الأدوية التي يمكن أن تؤثّر على القدرة على السياقة إلى ثلاث مستويات وتمّ تعديل الرمز التحذيري طبقًا للتقسيم.
أدوية المستوى الأول:
الأدوية من المستوى الأوّل تحمل رمز تحذيري بشكل مثلث بخلفية صفراء وبداخله سيّارة اضافة إلى العبارة “مستوى 1” والتعليمة “كونوا حذرين. لا تسوقوا قبل الإطلاع على النشرة”.
خطر الأدوية من المستوى 1 ضعيف ويتعلّق بالقابلية الذاتية للشخص؛ فالنشرة توفّر معلوماتٍ عن الاحتياطات التي تبيّن الحالات التي على المريض أن يتوقّف فيها عن السياقة عند تناول هذا النوع من الأدوية خاصّةً إذا أحسّ بتأثيراتٍ جانبية خطرة سابقًا.
تناول أدوية من المستوى 1 لا يؤثّر عادةً على القدرة على السياقة، لكنّه يتطلّب أن يكون المريض على علمٍ بإمكانية تأثيرها قبل تناوله للمِقوَد.
أدوية المستوى الثاني:
الأدوية من المستوى الثاني تأخذ الرمز السّابق بخلفية برتقالية والعبارة “مستوى 2” مع التعليمة “كونوا حذرين جدًّا، لا تسوقوا قبل استشارة خبيرٍ صحيّ”.
بالنسبة للأدوية من المستوى الثاني، من الضروريّ دراسة الحالة مع الطبيب أو الصيدليّ إذا كان تناول هذا الدواء يتوافق مع قيادة مركبة. في الواقع، إن التأثير السلبيّ لهذه الأدوية موجود عند أغلب من يتناولها، لكن، بدرجاتٍ متفاوتة، معظم هذه الأدوية لا تصرف إلّا بوصة طبية.
أدوية المستوى الثالث:
الأدوية من المستوى الثالث تأخذ الرمز السابق بخلفية حمراء مرفقًا بالعبارة “مستوى 3” و العبارة “حذاري، خطر: لا تسوقوا. لا تعودوا للسياقة إلّا بعد استشارة الطبيب”.
حوالي 5% من الأدوية تصنّف من المستوى 3. حيث تصبح سياقة السيارة أمرًا خطِرًا دائمًا على كلّ من يتناولها. بما في ذلك التأثير المتبقّي بعد تناولها بفترة، كالتّأثير المتبقّي بعد فترة نوم تحت تأثير دواءٍ منوّم، ويُستحسن طلب رأي الطبيب بخصوص الفترة الواجب احترامها حتّى يتمكّن المريض من العودة للسياقة بعد تناول دواء من المستوى 3.
عمومًا، يُستحسن عدم السياقة في الأيام الأولى للعلاج بأدوية من المستوى 2، ومن بابٍ أولى المستوى 3. عندما يثبت العلاج بعد فترة، إمكانية العودة للسياقة يمكن أن تُناقش مع الطبيب، حيث يمكنه تغيير أوقات الجرعات لكن، عمومًا، لا يُنصح بالرحلات الطويلة لمن يتناول هذه الأدوية وإن كان لابدّ، فيجب عليه الاستراحة بشكلٍ منتظم طول مدّة الرحلة.
هنا في الجزائر، الكثير من الأدوية تعتمد هذا التقسيم في وضع الإشارة التحذيرية، لكن تبقى أدوية أخرى تعتمد الرمز القديم، لذا يُستحسن دائمًا أخذ رأي الطبيب أو الصيدليّ عند تناول أيّ دواء قد يؤثّر على القدرة على السياقة.
وعمومًا، من المهمّ أن تأخذ بالاعتبار أنّه على الطريق، أيّ تأخّر لبضعة أعشار من الثانية في ردّة الفعل يمكن أن تنجُم عنه عواقب وخيمة. لذا، يجب دائمًا إلتزام كلّ شروط السلامة في كلّ مرّة تتناول فيها المِقوَد، مع تمنياتنا لكم دائمًا طريق السلامة.
المصادر:
تدقيق لغوي: هاجر بن يمينة