نجح العلماء في تعديل DNA الأجنة البشرية لمحو المورثات التي لها علاقة بحالة القلب، وهذا ما سيفتح الباب على مصرعيه لحقبة جديدة مثيرة للجدل في الطب. إنّها أول مرة تجرى فيها عملية لتعديل جينات أجنة بشرية أُجريت في الولايات المتحدة، وقد صرّح الباحثون خلال مقابلاتهم أنّ عملهم هذا مَايزال بدائيًا جدًا. لقد تُركت الأجنة لتنمو لأيّام قليلة، ولم يكن هناك أي نيّة لزرعهم لتشكيل حمل. لكنّهم إعترفوا بأنهم سيتابعون بالمضي قدمًا بالعلم نحو الهدف الأكبر وهو أن نكون قادرين على “تصحيح” الجينات المسببة للأَمراض في الأجنّة والتي ستتطور لاحقًا في الأطفال.
إنّ التجربة هي المثال الأحدث على أن الآداة المخبرية الـ CRISPR (Clustered Regularly Interspaced Short Palindromic Repeats )، والتي هي نوع من “المقصات الجزيئية”، تتتخطى الحدود في مقدرتنا على التحكم بالحياة، وقد استقبلت بكلٍ من الرعب والحماس. الأعمال الأخيرة خصوصًا هي حساسة لأنها تتضمن تغييرًا في التسلسل الجرثومي، والذي هو الجينات التي يمكن أن تنتقل للأجيال التالية. الولايات المتحدة تمنع التمويل الفدرالي لأبحاث الأجنة، ويحظر على إدارة الغذاء والدواء النظر في أي تجارب سريرية تنطوي على تعديلات وراثية والتي يمكن أن تورث.
حث تقرير صادر عن الأكاديمية الوطنية للعلوم، الهندسة والطب في شباط 2017 على الحذر من تطبيق الـ(CRISPR) على التسلسل الخطي للجراثيم البشرية، لكنّها وضعت شروطًا على الباحثين الإلتزام بها للمتابعة، والدراسة الجديدة تلتزم بهذه التوصيات. (Shoukhrat Mitalipov) وهو أحد المؤلفين الرئيسيين في الورقة البحثية وباحث في (Oregon Health & Science University)، صرح بأنه واعٍ للحاجة إلى نقاش أخلاقي وقانوني أكبر بخصوص التعديل الجيني للبشر ولكن عمل فريقه مسوَغ لأنه يتضمن تصحيح الجينات، أكثر منه تعديلًا لها. قال (Mitalipov): “نحن حقًا لم نغيير أي شيء، أو حتّى نعدل أي شيء … برنامج يتجه نحو تصحيح الجينات المتحولة”.
وقال ألتا شارو، عالم الأحياء الحيوية في جامعة ويسكونسن، ماديسون، الذي يشارك في رئاسة لجنة الأكاديميات الوطنية التي تنظر في تعديل الجينات، أنّ المخاوف بشأن العمل الذي تم تداوله في الأيام الأخيرة مبالغ فيها. و أضاف، “ما يمثله هذا هو خطوة إضافية رائعة ومهمة ومثيرة للإعجاب نحو تعلم كيفية تحرير الأجنة بأمان وبدقة”. ومع ذلك، “بغض النظر عن أيّ شخص يقول هذا ليس فجر عصر الطفل مصمم.” وأضاف أنّ خصائص مثل الذكاء تتأثر بجيناتٍ متعددة، والباحثون لا يعلمون جميع تفاصيل كيف أن هذه الوراثة لديها قدرة أقل بكثير على إعادة تصميمها.
وتضمن البحث بويضات من 12 من المتبرعات الأصحاء، وحيوانات منوية من متطوع ذكر يحمل الجين (MYBPC3) الذي يسبب اعتلال عضلة القلب الضخامي (HCM).
اعتلال عضلة القلب الضخامي هو مرض في عضلة القلب والذي يمكن أن يكون مرعبًا لأنّه يمكن ألّا يسبب أي أعراض ويبقى غير مكتشف إلى أن يسبب الموت القلبي المفاجئ. لا توجد وسيلة لمنع أو علاج ذلك، وهو يؤثر 1 في 500 شخص في جميع أنحاء العالم. في الوقت الذي تم فيه حقن الحيوانات المنوية في البويضات، استخرج الباحثون الجين الذي يسبب المرض. وكانت النتيجة أكثر نجاحًا مما توقعه الباحثون: عندما بدأت خلايا الجنين في الانقسام والتكاثر، ظهر عدد كبير من الخلايا التي تقوم بإصلاح أنفسها باستخدام النسخة العادية غير المتحورة من الجين للمادة الوراثية للإناث.
في المحصلة، ظهر أن حوالي 72 في المئة تم تصحيحها، وهي نسبة كبيرة جدًا. كما أظهرت العديد من الأبحاث أنّه لا يظهر أي تغييرات “خارج الهدف” في الحمض النووي، والتي كانت مصدر قلق كبير للسلامة فيما يخص بحوث التعديل الجيني. وقال (Mitalipov) أنه يأمل في أنه يمكن تطبيق التقنية يومًا ما لمجموعة واسعة من الأمراض الوراثية -أكثر من 10,000 من الاضطرابات المعروفة يمكن إرجاعها إلى جين واحد- وأنّ أحد الأهداف التالية للفريق قد يكون (BRCA)، المتعلق بسرطان الثدي.
أول عمل ينشر يتضمن أجنة بشرية، تم نشره في عام 2015، وقد أجري في الصين واستهدف الجين الذي يؤدي إلى اضطراب الدم التلاسيمية بيتا. ولكن هذه الأجنة كانت غير طبيعيّة وغير قابلة للحياة، وكان العدد أقل بكثير من العدد المستخدم في الدراسة الأمريكية.
(Juan Carlos Izpisua Belmonte)، الباحث في معهد سالك والذي هو أيضا مؤلف مشارك في الدراسة الجديدة، أوضح أنّ هناك العديد من المزايا لعلاج الجنين بدلًا من الأطفال أو الكبار. عند التعامل مع جنين في مراحله الأولى، هناك عدد قليل فقط من الخلايا المعنية بالعملية، بينما في الإنسان الأكثر نضجًا فإنّه هناك تريليونات من الخلايا في الجسم وربما ملايين الخلايا التي يجب تصحيحها للقضاء على آثار المرض. وأضاف (Izpisua Belmonte)، أنه حتى لو كانت التكنولوجيا مثالية، فهي يمكنها التعامل مع مجموعة فرعية صغيرة من الأمراض البشرية فقط. وقال: “لا أريد أن أكون سلبيًاُ اتجاه اكتشافاتنا الخاصة ولكن من المهم إعلام الناس بما يعنيه ذلك”. وتابع” في رأيي أنّ نسبة الأشخاص الذين سيستفيدون من هذا بالطريقة الحالية في العالم صغيرة نوعًا ما”.
ولكي تحدث هذه التكنولوجيا ذلك الفرق، يجب أن يولد الطفل عن طريق الإخصاب في المختبر، ويتعين على الوالدين أن يعرفا أن الطفل لديه جين مرضٍ ما لكي يتم تغييره. ولكن الغالبية العظمى من الأطفال يخصبون بالطريقة الطبيعية، وتكنولوجيا التصحيح هذه لن تعمل في الرحم. وقال (Mitalipov) أنّه يأمل فى أن توفر الهيئات التنظيمية المزيد من الإرشاد حول ما يسمح به وما لا يسمح به. وغير ذلك، قال: “إن هذه التكنولوجيا ستتحول إلى مناطق غير منظمة وهو ما يجب ألا يحدث”.
نقلاً عن الواشنطن بوست
المصدر: هنا
تدقيق: لمونس جمانة.